معادلة… الاعتداء على “محمد” اعتداء على نفق الحرية

69db5a5b872bb7ce4f09d917d4df6665.jpg
حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

كان العقيد شرطة كمال الشيخ ، الذي شغل اول مدير شرطة لبيت لحم ثم اصبح محافظا لنابلس فترة وجيزة، كان يقول: ليس هناك جنديا فاسدا، بل قائدا فاسدا، ولهذا يتحمل الوزير واحيانا رئيس الوزراء في الدول المتقدمة مسؤولية خطأ يرتكبه موظف صغير، ويقدم استقالته من الحكومة، أما في اوطاننا المتخلفة، فلا تجد محاسبة او محاكمة لأي مسؤول، بل غالبا ما تجد مكافأت وترقيات وتنقلات، فكيف اذن ستتم محاصرة الاخطاء والتجاوزات والحد من توسعها وانتشارها.

لقد وصل عنف اجهزة الامن لدى السلطة حدا متقدما ، بالرغم من كل اللوائح والتعليمات النظرية التي تنص على عكس ذلك ، حتى ان احد المسؤولين الامنيين قال لي ذات مرة ان تعميما موقعا من الرئيس السابق يمنع العنف والضرب والتعذيب يظل– التعميم- ماثلا على مكتب كل مدير امني، بغض النظر عن مسمى جهازه. وكنا نعتقد او بالادق نأمل ان تكون مقتلة نزار بنات قبل ستة أشهر، آخر الاحزان والبلايا، ولكن هذا لم يحدث، فقد قتل قبل ايام أمير اللداوي من اريحا الذي حضر لاستقبال اسير محرر ، ويبدو انه فر مع اربعة من اصحابه وقامت الشرطة بملاحقتهم حتى انقلبت سيارتهم، ثم جاءت حادثة الاعتداء على ابن الاسير زكريا الزبيدي احد ابطال نفق الحرية ، وفي كلتا الحادثتين ، لا يوجد تهمة قانونية تتطلب كل هذا العنف.

لا تقاس ردود الفعل الشعبية الواسعة على العنف الذي يؤدي الى القتل فقط، احيانا الجهة التي يستهدفها هذا العنف، كما مع سحل الفتيات في رام الله، فترى ان ردة الفعل تقفز الى مراحل متقدمة من الحزن والالم والغضب الذي يخرج الناس الى الشوارع، واحيانا ما هو ابعد واصعب ، وهذا ما حدث مع محمد زكريا الزبيدي.

وكما ان هناك رموزا سيادية للدول يحظر مسها ، فإن هناك رموزا معنوية وايثارية للشعوب ، يشكل الاعتداء عليها اعتداء على الشعب وجوانبه القيمية ومحطات عزته وفخاره، ولهذا نظر الى الاعتداء على “محمد” بأنه اعتداء على زكريا وبالتالي اعتداء على “نفق الحرية”
و إن تكرار استخدام العنف بوتائر سريعة، يعني ان هناك خللا حقيقيا يجب التداعي الفوري لتصويبه حتى لو اضطر المعنيون الى اتخاذ اجراءات صارمة بحق المتورطين والمسؤولين عنهم، لكن كيف ووسائل الاعلام الرسمي لا تأتي على هذه الاخطاء ، إخبارا او تحليلا او تعقيبا ، ظنا منها ان عدم التعرض لها يعني عدم حدوثها.

وبالمجمل، فإن هذا العنف النوعي والمتزايد والذي لا نعرف كيف تسلل في اوساطنا، ويكاد ينغص علينا حياتنا أكثر مما هي منغصة بشكل مخضرم منذ بواكير اللجوء مرورا بالاحتلال الثاني وانتهاء بأوسلو وسلامها الكاذب ،”سلام الشجعان” الذي يحول دون ان يلفظ الفلسطيني انفاسه الاخيرة في احضان عائلته واحبائه، كما مع الاسير ناصر ابو حميد ، والتي تقول السلطة انها لم تتلق اي رد حول طلب الافراج عنه في أروقة التنسيق الامني المقدس.

إغلقوا هذه الاروقة، يخرج ناصر ليموت في حضن والدته.