قبل أن تفقد الحكومة الإسرائيلية السيطرة على أزمة النقب

عاموس-هرئيل.jpg
حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل

 

 


تعكس أعمال الشغب العنيفة، التي اندلعت في النقب، مؤخراً، اندماجاً خطيراً بين أزمة سياسية شديدة وبين تهديد أمني داخلي. كالعادة دعاية سامة من اليمين، من عضو الكنيست ايتمار بن غبير، وحتى، للأسف الشديد، من رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، تصب الزيت على النار. أول من أمس، جرت طوال اليوم محاولات للتوصل الى تسوية وإطفاء الحريق. ولكن إذا لم تستيقظ الحكومة بسرعة فيمكن أن تجد نفسها أمام الخطر الأمني الأخطر الذي سجل في إسرائيل منذ العنف الذي جرى في المدن المختلطة أثناء عملية "حارس الأسوار".
الأجواء في أوساط البدو في النقب تسخن بالتدريج منذ بضعة أسابيع، بالأساس على خلفية الخوف من استئناف هدم البيوت. قفز العنف درجة، الثلاثاء الماضي، حول قضية التشجير. تستخدم الكيرن كييمت التشجير بمصادقة الدولة من أجل إبعاد السكان البدو عن السيطرة على أراضي الدولة وتحويلها الى أراض زراعية. الأرض المتنازع عليها في هذه المرة توجد في منطقة تعيش فيها عائلة الأطرش بين عراد وديمونة.
توجد هنا مواجهة رمزية يرافقها صراع عملي على تحديد المنطقة الجغرافية والسيطرة عليها. مستوى العنف مرتفع نسبيا. قبل أيام تم وضع حجارة على سكة الحديد في محاولة لحرف قطار مسافر، وتم إحراق سيارة مراسل "هآرتس"، ناتي ييفت. بسبب خطورة الاحداث وخلفيتها الأمنية تدخل "الشاباك" بصورة استثنائية في التحقيقات في هذه الاحداث. في جهاز الأمن يعتقدون أنه في المواجهة هناك دافع قومي واضح، رغم أن عددا من المتورطين في العنف هم من البدو الخارجين على القانون. تشعل أفلام فيديو قصيرة تنشر في الشبكات الاجتماعية، بالأساس في تيك توك، التوتر.
يقترن العنف بالعاصفة السياسية. المواجهات حول التشجير ليست جديدة في النقب، لكن للمرة الأولى يحدث هذا الأمر في الوقت الذي يوجد فيه حزب عربي عضو رئيسي في الائتلاف. نحو 40 في المئة من أصوات "راعم" في الانتخابات الأخيرة جاءت من البدو في النقب، والأمر الأخير الذي يريد فعله رئيس الحزب، عضو الكنيست منصور عباس، هو أن يجعل ناخبيه يشعرون بأنه تركهم. شخص كبير في الحركة الاسلامية قال لي في حزيران الماضي بأن الشر يبدأ من الجنوب. التهديد الأكبر على استقرار الحكومة يوجد في النقب، وهو استمرار هدم البيوت في القطاع البدوي، قال هذا الشخص.
حذّر عباس نفسه، الأسبوع الماضي، من أن قضية التشجير بصورة محددة يمكن أن تضعضع الائتلاف. وفي "أخبار 12" اقتبس عنه الصحافي عميت سيغل قوله: "سيوقف 'راعم' التصويت مع الحكومة. لقد تلقيت في السابق ضربات شديدة، لكن عندما يطلقون النار مباشرة على صدري لا يمكنني الصمود. النقب هو 'راعم'. أنا أطالب بوقف التشجير والدخول في عملية تسوية". وحول العملية التاريخية لعباس، الانضمام للحكومة، توضع الآن علامة استفهام. أول من أمس نشر أنه بوساطة الوزير مئير كوهين، المسؤول عن الاستيطان البدوي في النقب، ستبدأ اليوم (أمس) مفاوضات حول استمرار سياسة التشجير على أمل التوصل الى خطة متفق عليها قبل موعد استئنافها.
تواجه الحكومة في النقب حركة كماشة من خصومها. تطوق القائمة المشتركة عباس و"راعم" من اليسار، وتطالب بحماية البدو، ويطوق "الليكود" رئيس الحكومة، نفتالي بينيت، من اليمين ويطالب بمواصلة التشجير وإبداء الحزم تجاههم. ولكن هناك ثلاثة عوامل أخرى على الأقل تحرك في هذا الوعاء وهي الجناح الشمالي في الحركة الإسلامية، الذي يختلف مع عباس، رجل الجناح الجنوبي (زعيم الجناح الشمالي، الشيخ رائد صلاح، يوجد، مؤخراً، في النقب)؛ و"حماس"، التي تدعو مباشرة الى العنف؛ وعائلات إجرامية بدوية معنية بأي عملية تحرف اهتمام الشرطة عن ملاحقتهم.
ليس فقط عضو الكنيست بن غبير (الصهيونية الدينية) ومن يشعلون الحرائق التابعون له هم الذين يلعبون بالنار، بل أيضا حزب المعارضة الرئيسي (الليكود). ذهب عضو الكنيست من هذه القائمة الى النقب من أجل حضور احتفال غرس خاص بها، كل هدفه كان الحفاظ على التوتر. بعد ذلك نشرت مراسلات في "الواتس اب" بين أعضاء الكنيست عبروا فيها عن تحمسهم للصدى الإعلامي الذي أثاروه. نتنياهو، بصورة غير مفاجئة، لم يكلف نفسه عناء الذهاب الى المنطقة، لكنه يعمل الآن بصورة أشد كوكيل للفوضى. تبرز هذه الأمور في تعامله مع أزمة "كورونا" الآخذة في الاشتداد، والتشكيك بصحة الفحوصات، ومغازلة احد رافضي التطعيم، ولكن ايضا في جهوده لاذكاء التوتر في النقب. إذا تعمقت الأزمة في النقب، زيارة أعضاء الكنيست ستظهر مثل زيارة ارئيل شارون للحرم عشية اندلاع الانتفاضة الثانية.
أول من أمس، على خلفية صور "أعمال الشغب" العنيفة، يبدو أن هناك عدم تنسيق فريد بين بينيت ووزير الخارجية، يائير لبيد، الذي طلب إيجاد تسوية لوقف التشجير. بينيت، المقيد ببقايا صورته كرجل يمين، متردد أكثر. ولكن على كفة الميزان يوجد الاستقرار النسبي لحكومته، لذلك يبدو أنه ليس له الكثير من الخيارات. سيجد رئيس الحكومة صعوبة في أداء عمله في وضع شرخ علني مع رئيس "راعم". لذلك، تبذل الآن جهود لوقف التشجير وتسوية الأمر بوساطة اتفاق للمدى الطويل. طالما لم يحدث هذا بصورة قاطعة فإننا أمام أزمة تتشكل.

عن "هآرتس"