توم نايدز: نؤيد حل الدولتين بالأفعال ونهتم بالشعب الفلسطيني

السفير الأميركي الجديد لدى إسرائيل يؤكد أن بلده ستجلب دولاً أخرى إلى "اتفاقيات إبراهيم"

ناحوم-برنياع.jpeg
حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع


- نريد إعادة فتح القنصلية في القدس، ولن أزور أي مستوطنة
- أعد بأن تحصل إسرائيل على المال المخصص لتجديد مخزون «القبة الحديدية»

تقع السفارة الأميركية في أرنونا، وهو حي مقدسي قصيّ، أمام صحراء يهودا. يذكّر المبنى القديم، في شارع هيركون في تل أبيب بقاعدة عسكرية، كبيرة، قاتمة، وأسمنتية. أما المبنى الجديد فيذكر بنُزل، كوخ سياحي لأناس أغنياء جداً. مبنى السفارة لم يُبنَ بعد، لكن ترامب تباهى بالقدر الزهيد الذي كلفه النقل. خلف السور الأمني الذي يحيط الساحة تمتد الأراضي. هم غائبون – حاضرون.
توماس ريتشارد نايدز، باختصار توم، هو السفير الجديد، رجل الاتصال بين إدارة بايدن وإسرائيل وحكومتها. التقيناه في مكتبه في القدس في مقابلة أولى للإعلام الإسرائيلي. نايدز (61 عاماً) ينتمي للدائرة الداخلية القريبة من أُذن الرئيس. «وزير الخارجية، توني بلينكن، وأنا صديقان قريبان»، يقول. «رون كلاين، رئيس الطاقم في البيت الأبيض، أعرفه منذ 35 سنة. نائبه، ستيف ريكتي، صديق قريب. جيك ساليبان، مستشار الأمن القومي وأنا عملنا معاً في وزارة الخارجية. وكذا بيل برانز، رئيس الـ 'سي.اي.ايه'، صديق».
ولد توم في دولوت، بلدة تضم نحو 90 الف نسمة في ميني منسوتا البعيدة. جالية يهودية صغيرة مع ثلاثة كنس – أرثوذكسي، محافظ وإصلاحي. الأرثوذكسي خبا واختفى؛ المحافظ امتزج مع الإصلاحي. أبوه كان رئيس الجباية اليهودية، وأمه رئيسة «نساء هداسا». سبعة ابناء، هو أصغرهم، وأخت غير شقيقة اخرى. بوب ديلن، الذي هو روبرت تسيمرمان، نشأ في بلدة مجاورة. الأبوان كانا صديقين. «انا إصلاحي»، هو يقول. «لم نكن متدينين. تربينا على اليهودية كثقافة وليس كدين. كنا نشعل الشموع عشية السبت. وكل طفل يحتفل بسن البلوغ ولداً أم بنتا».
عندما تقدم بكتاب اعتماده للرئيس هرتسوغ، اجتاز لحظة محرجة. «لدي هدية خاصة لك»، قال له هرتسوغ. «دعوت الى هنا المعلمة التي علمتك لسن البلوغ. فقد هاجرت الى إسرائيل».
«نهضت السيدة من مكانها»، يروي نايدز. «فكرت ماذا سأفعل اذا ما بدأت تسألني أسئلة بالعبرية. إذا كانت ستطلب مني ان اكرر العبارة ـ فأنا سأدخل في حالة ذعر، امام كل المدعوين. ولحظي لم تسأل».
          بعد سنة – سنتين من احتفال البلوغ سافر الى إسرائيل، رحلة أولى خلف البحر. وكانت التجربة تأسيسية. «زرت عين هشوفيت، نمت في سيناء لدى البدو، طرت في الثالثة صباحاً الى متسادا. أنارت الرحلة عيني. تعلمت كم مهمة الحركة الكيبوتسية في تاريخ إسرائيل. فهمت كم هي إسرائيل خاصة وكم هي هشة. بعد سنين، عندما سكنت في واشنطن كنت أقول لأصدقائي تصوروا كيف كانت ستبدو حياتكم إذا كان جيرانكم في ميريلاند او في فيرجينيا يعتقدون انه ليس لكم حق الوجود».

من ناحيتي هو يهودي
          في عمر شاب دخل الى النشاط في الحزب الديمقراطي. تراوحت حياته المهنية منذئذ بين الحكم والبنوك، بين واشنطن وول ستريت. تسلق بسرعة السلّمين، السياسي والاقتصادي: كان واحداً من نواب هيلاري كلينتون في وزارة الخارجية، وادى وظائف رفيعة في بنوك مورغن، ستانلي وكريدت سويس. زوجته، منذ 30 سنة، فيرجينيا موزلي، هي نائبة رئيس الأخبار في شبكة «سي.ان.ان»، إحدى الوظائف الكبرى في الشبكة. وهي تعمل في واشنطن، وهو في القدس.
          كان يفترض بزوجتي ان تأتي في عيد الميلاد، ولكنها اضطرت لأن تلغي بسبب الكورونا»، يقول. «وهي ستأتي للزيارة بعد اسبوعين، وبعد ذلك مرة في الشهر. لزوجتي مهنة كبيرة خاصة بها. بعدنا عن بعض أقسى علي مما هو عليها: دوما، في كل رحلاتي في العالم كنت اصر على الا أبتعد عنها اكثر من 3 – 4 ليالٍ. نحن عائلة قريبة جداً».
          ابنه ماكس، طالب قانون، انضم اليه في الشهر الاول من منصبه. «الشمعة الثانية في الحانوكا اشعلتها في المبكى، بينما كان ابني وحاخام المبكى يقفان الى جانبي»، روى.
          كلانا ابتسمنا، ام ماكس ليست يهودية. ليس كل ما هو مسلم به في الجالية اليهودية في أميركا مسلم به في القدس.
          «من ناحيتي هو يهودي، وكذا من ناحيته»، قال السفير. «هو يسمي نفسه يهودياً ومؤمن بأنه يهودي. الآخرون يمكن أن يجادلوا».
          اذا كنت ذات مرة سأكتب كتاباً عن ولايتك، قلت له، فسيسمى «عديم المنزل في القدس». فقال: «الامر الاخير الذي ينبغي ان يقلق الإسرائيليين هو ترتيبات سكني. في النهاية سيوجد لي بيت وهو سيكون في القدس. البيت في هرتسيليا كان حلمي، لكنهم باعوه».

          المال سيصل
          قلت له انت لست دبلوماسيا. الشرق الأوسط ليس مجال اختصاصك. كان بوسعك ان تطلب لنفسك مناصب أعلى في إدارة بايدن. فلماذا سفير ولماذا إسرائيل؟
          «كان لي منصب كبير في بنك استثمارات كبير جدا»، قال. «اعتقدت أنني اذا تركته فسأكف عن القيام بعمل مشوق. إسرائيل مختلفة في نظري، أولاً كيهودي ثم أيضاً لأنه توجد هنا مواضيع حقيقية للعمل عليها. لم آت كي أعقد حفلات كوكتيل».
          الموضوع المشحون حالياً في العلاقات مع إدارة بايدن هو إيران، قلت. شاركتَ في كل اللقاءات التي أجراها هنا جيك ساليبان، مستشار الأمن القومي.
          «هذا صحيح»، قال. «أراد الرئيس بايدن أن يضمن بأنه في المسألة المهمة جدا هذه لن يكون أي ثغرة ثقة بين إسرائيل والإدارة. أنتم تعرفون ما نفكر ونفعل، ونحن نعرف ما تفكرون وتفعلون. أريد أن أوضح: في نهاية المطاف نريد أن نعمل مع إسرائيل. والأهم، أوضح الرئيس بأنه ملتزم ألا يصل الإيرانيون الى قنبلة، وكل الخيارات ستكون على الطاولة. مستشار الأمن لديك، إيال حُولتا، يتحدث مع جيك ساليبان عدة مرات في الأسبوع. روب مالي، رئيس طاقم المفاوضات، يتحدث. أنا أتحدث كل يوم. بعض الأحاديث يستهدف تهدئة مخاوفكم. لو كنتُ إسرائيلياً لكنت قلقاً أنا ايضا. أحترم هذا من كل قلبي».
          توجد حالياً تهدئة في عناوين الصحافة، قلتُ، ولكن ثمة هوة تفصل بين الحكومتين؟
          «أوضحنا جيداً، علناً وبغير علانية، أننا نريد حلاً دبلوماسيا»، قال. «لكن لو لم نصل الى حل دبلوماسي، توجد خيارات أخرى نتحدث عنها. العناوين في الصحافة هدأت لأن الثقة تحققت: نصدقكم وأنتم تصدقوننا. إذا كنت إسرائيلياً فانك تعيش حالة جنون اضطهاد عندما تشك بأن أحداً يقوم بأعمال من خلف ظهرك. الروس هناك. الصينيون هناك. الولايات المتحدة تفهم هذا.
          «انظر، أعتقد أنني أعرف 97 في المئة مما يحصل. 3 في المئة لا أعرفها. الأنباء الطيبة هي أننا نبذل جهداً حقيقياً للحفاظ على الحلف بيننا. جلست في كل لقاءات ساليبان هنا. 13 ساعة متواصلة من اللقاءات، من رئيس الوزراء عبر وزير الخارجية حتى وزير الدفاع. كانت هناك شفافية كاملة. لم يلعب أحد».
 *جميل أنه توجد ثقة، قلت. فهل يوجد توافق؟
-»سنرى كيف سينتهي هذا»، قال.
*الولايات المتحدة في انسحاب من الشرق الاوسط، قلت. خرجتم من سورية ومن افغانستان وانتم تخرجون من العراق. في اي وضع يبقي هذا إسرائيل، في اي وضع يبقي هذا الإمارات، السعودية، والاردن؟
-»لست واثقاً أني أتفق مع فرضيتك»، قال. «نحن لاعب مركزي في الموضوع الإيراني، الموضوع الأهم في المنطقة اليوم. إضافة الى ذلك ندعم بكل القوة اتفاقات إبراهيم وسنعمل على مزيد من العلاقات الاقتصادية لإسرائيل مع الإمارات وسنجلب دولا أخرى».
*بعد حملة حارس الأسوار طلبت إسرائيل من الإدارة مساعدة خاصة بمبلغ مليار دولار، لتجديد مخزون «القبة الحديدية». أقرت الإدارة فلماذا يعرقل الكونغرس؟
-»اسأل السناتور» (الجمهوري) راند بول، أجاب. «يكفي سناتور واحد لتأخير التشريع. ولكن يمكنني أن أعدك بأن المال سيأتي. لا يوجد احتمال ألا تحصلوا عليه».

          بين مطعمين
          عندما كان في وزارة الخارجية شهد العلاقات المركبة – كلمته – بين نائب الرئيس بايدن ورئيس الوزراء نتنياهو. «حاولت أن اخفض التوتر»، قال. بخلاف سلفه، لن يحاول استخدام ولايته لتحقيق اأيديولوجيا شخصية. «عندما يأتي هذا الى إسرائيل، لا أيديولوجيا لدي»، قال. «كل ما يهمني هو أن تكون إسرائيل دولة قوية، ديمقراطية، ويهودية. تأييدي لحل الدولتين، الحل الذي يؤيده الرئيس بايدن بالطبع، التأييد لرفاه الشعب الفلسطيني – كل هذه الامور تنبع من الايمان بأنه في هذه الطريقة ستقوى إسرائيل. اذا تابعت الزيارات التي تمكنت من القيام بها منذ وصلت سترى اني التقي مع الناس من بني براك حتى الناصرة، من مطعم اوري بوري في عكا حتى المطعم الحريدي الأكثر حلالا في القدس.
          «سأشعر بأنني نجحت اذا ما أبقينا على كل الفرص مفتوحة لغرض المسيرة. وأقصد، اذا ما أقنعنا الطرفين ألا يقوما بأعمال أحادية الجانب تغلق الفرص. دوري هو الحديث عن الرؤيا، عن أهمية حل الدولتين. أن اضمن أن يؤمن الإسرائيليون وسكان الضفة أيضا بان إدارة بايدن تؤيد فكرة حل الدولتين. والأهم، هو يؤيد بالأفعال، وليس فقط بالأقوال. اريد أن اقنع الإسرائيليين بان إدارة بايدن تؤيد إسرائيل دون تحفظ.
          «تؤمن إدارة بايدن بان عليها أن تعنى بالشعب الفلسطيني. هذا هو الفرق بيننا وبين إدارة ترامب. فور قيام الإدارة توجه وزير الخارجية بلينكن الى الكونغرس وتلقى المال لمساعدة وكالة الغوث، ولمشاريع الماء، وللمنح الدراسية، ولسكان الضفة وشرقي القدس. هذه مساعدة مباشرة، كما تعرف. القانون يمنعنا من مساعدة السلطة. يمكننا أن نستخدم دفتر شيكاتنا وخطابنا. لم آت الى هنا بصفة حالم. انا هنا كي أفعل شيئا».
*في الماضي، قلت، كنت نشيطاً جداً في ضمان المساعدة للوكالة. في إسرائيل يدعون ان الوكالة تمول فلسطينيين داعمين لـ «الإرهاب»؟
-»قد أدخل نفسي في مشكلة هنا»، قال. «في نظري هذه ليست قصة عن حكومات – هذه قصة عن الناس. معظم الفلسطينيين ينهضون في الصباح ولا يضيعون وقتهم على السؤال ما الذي تفعله زعامتهم. قل ما يريدونه هو الصحة، الفرصة، الأمن. معظم الإسرائيليين لا يختلفون عنهم. هم ايضا لا ينهضون في الصباح ويسألون ماذا حصل اليوم في الكنيست. يريدون خدمات صحة، تعليما، ان تختفي كورونا. علينا نحن ان نعمل من اجل الشعوب.
          «هل هذا يعني اننا غدا سنستأنف المسيرة السلمية؟ لا. بالطبع يهمنا مصير المنطقة ولكننا لا نطور توقعات بأن يحصل شيء ما غداً».
*هل التقيت نتنياهو؟
-»بالتأكيد»، قال. «ساعتين ونصفاً. لأني لست ايديولوجيا. وكذا التقيت مع منصور عباس».
          هل تأثرت بعباس، سألته. فاجاب: «جدا. هو يذكرني بكثير من السياسيين ممن التقيتهم في حياتي. «جمهوره هو ما يهمه. يريد ان يقدم لناخبيه ما ينقصهم. مشاكلهم صعبة. عشرون دقيقة من حديثنا كرسه للجريمة في الوسط العربي. يحطم قلبه أن ناخبيه يقتلون الواحد الآخر. أحب هؤلاء الأشخاص».
*هل زرت مستوطنة في المناطق»، سألت.
- «لا. لم أفعل هذا»، قال.
*هل ستزور؟
 -»ولا بأي حال من الاحوال. مثلما طلبت من الفلسطينيين ومن الإسرائيليين الا يفعلوا شيئاً يشعل الوضع، هكذا أتصرف بنفسي. لا اريد أن أغضب الناس. أعرف أنني قد أقع في أخطاء، أن اقول أمورا تثير الحفيظة. لا بد في هذه المقابلة أيضا أن أقول شيئاً ما يغضب احداً ما. لكن ليس عن قصد».
*أنت لا تتحدث مع السلطة الفلسطينية؟
          «صحيح»، قال. «لا يوجد لي اتصال مباشر بهم. جورج نول يدير الوحدة الفلسطينية. كثير من الناس يعملون في هذا – USAID، الدائرة السياسية، الإعلام، كل الجهاز الذي يعمل في المبنى الذي كان القنصلية في شارع أغرون. اريد لهم ان يمكنوهم. سألتقي مع كل من يريد أن يلتقي بي، ولكن لا مصلحة لي في ان أسخن الوضع في هذه اللحظة. ربما بعد شهر تسألني فأروي لك اني سافرت الى هناك. في هذه اللحظة لا توجد لي مخططات. ولكن لا توجد حاجة أيضا».
          رسميا، قلت القنصلية مغلقة. ترامب أغلقها. كم جدي هو طلبكم استئناف عملها؟
          «نريد إعادة فتح القنصلية»، قال. «قلنا هذا لحكومة إسرائيل».
 *بينيت ولبيد قالا لكم لا، قلت. هما يعتقدان بان وجود القنصلية يضعف مكانة القدس كعاصمة إسرائيل؟
          «القدس هي عاصمة إسرائيل»، قال. «السفير الأميركي يعمل ويسكن فيها. نأمل في أنه اذا ما استؤنفت المفاوضات المباشرة، فان القرار حول القدس سيتقرر بين الطرفين».

          نصيحة للإسرائيليين
*الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي يبدي موقفا نقديا جدا تجاه إسرائيل، قلت. هل نحن نخسر تأييد الحزب؟ هل نخسر تأييد الشباب اليهودي؟
          «صحيح. توجد أصوات معادية لإسرائيل ولكنها قليلة»، قال. «من المحظور عليكم ان تخطئوا برد فعل زائد. نصيحتي للإسرائيليين ولليهود الذين يعملون من اجل إسرائيل مزدوجة: الأولى، لا تعطوا اهتماما زائدا لحفنة من الناس؛ الثانية، من المحظور عليكم أن تدفنوا رأسكم في الرمال. لأصدقاء أبنائي لا يوجد نفس الحب لإسرائيل ونفس الاهتمام الذي كان لجيلي. علينا ان نعمل بكد أكبر كي نربيهم».

عن «يديعوت»