توجه ممثلي عدد من ممثلي الفصائل الفلسطينية إلى الجزائر، استجابة لدعوة رئيسها عبد المحيد تبون لعقد جلسة حوار وطني لتهيئة الأجواء، لإنجاز مصالحة فلسطينية طال انتظارها، في ظل غياب الثقة من الفلسطينيين على قدرة الفصائل خاصة حركتي فتح وحماس من إنهاء الانقسام وإتمام المصالحة.
ينظر الفلسطينيون إلى دعوة الجزائر باحترام وتقدير كبيرين، ومواقفها القومية الداعمة للقضية الفلسطينية والعلاقات التاريخية بين الشعبين، وتوجد علاقة حب غير عادية بين الجزائر وفلسطين.
لكن هذا لا يعني أن الجزائر قد تتمكن من احراز تقدم في ملف المصالحة الذي استفذ كل الوسائل لاتمامها من أجل اعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، وما تعيشه من بؤس الحال والأحوال.
تعيش الحالة الفلسطينية أوضاع غاية في الصعوبة والتعقيد على جميع الصعد،خارجياً، وداخلياً حيث تعمل دولة الاحتلال الإسرائيلي على تعزيز الانقسام وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وفرض واقع على الأرض لحسم الصراع وتمارس الجرائم اليومية، من قتل واعتقالات، وزيادة مخيفة في التوسع الاستيطاني، وعنف وارهاب المستوطنين وحصار قطاع غزة وارتكاب جرائم حرب وتهديد يومي بارتكاب المزيد مها. وغياب أي افق سياسي، وترفض قيادة الاحتلال التواصل مع قيادة السلطة الفلسطينية، إلا من خلال المسار الأمني والاقتصادي.
كما ان الانقسام قوض أسس العلاقات الفلسطينية الفلسطينية، اجتماعيا واقتصاديا وسياسياً، في ظل اختلاف الرؤى والمواقف، وبات مع الزمن من الصعب جسرها بين الاطراف المتصارعة على السيطرة على ما يسمى النظام السياسي الفلسطيني.
وخارجياً، على المستوى الدولي لم تعد القضية الفلسطينية على جدول أعمال العالم، باستثناء بيانات الادانة والشجب لما تقوم به دولة الاحتلال، والقيادة الفلسطينية شبه معزولة على المستوى الدولي والعربي، برغم المحاولات البائسة التي يقوم بها الرئيس محمود عباس حشد الدعم المالي لدعم ميزانية السلطة المنهارة.
إضافة إلى وضع السلطة المتهالك، وتعاني من ضعف شديد، وسوء الإدارة والفساد والمحسوبية، والعزلة التي تعيشها من قبل الانظمة العربية التي يتسارع كثير منها لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال بالسر والعلن، ولم تعد تحظى القضية الفلسطينية بالدعم السياسي والمالي الحقيقي، وترك الفلسطينيين يواجهوا مصيرهم وحدهم.
باستثناء بعض الدعم السياسي البيروقراطي، من بعض الدول، كالاردن ومصر التي لم تعد تبذل جهدا كبيرا حتى في ملف الانقسام والحصار المفروض على قطاع غزة، ولم تنجح في الضغط على دولة الاحتلال بعقد تهدئة، وتراجع الدعم السعودي والخليجي.
ربما باستثناء قطر والجزائر التي لم تتوقف عن دعم القضية الفلسطينية مالياً، لكن الجزائر لا تستطع لعب دور مركزي في ملف المصالحة في مواجهة مصر التي بذلت جهود كبيرة، وتحتكر ملف المصالحة والحصار بالعلاقة مع دولة الاحتلال، وجكم الجغرافية والدور التاريخي لها مع القضية الفلسطينة.
وكذلك الخلافات العربية واربتاط الانظمة العربية المؤثرة بالولايات المتحدة الامريكية ودولة الاحتلال. وما جرى من تحولات كبيرة في تطبيع عدد من الدول العربية مثل الامارات والبحرين وفجورهما المقيت في تطبيع العلاقات.
والمفرب الاكثر فجوراً في العلاقة، والتي عززت من علاقاتها بدولة الاحتلال امنياً لحدوه القصوى، حتى أنها سمحت باقامة الصلاة لسلامة جنود جيش الإحتلال الإسرائيلي في العاصمة الرباط، أثناء زيارة غانتس نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الثاني من العام الماضي.
هذا التشابك والتناقض والانقسام في الرؤى العربية، وما تعانيه من ضعف كبير ومنشغلة في همومها ومشاكلها الداخلية، والخلافات فيما بينها، والذي أثر بشكل كبير على دعم القضية، كل هذا لا يعمل في صالح القضية الفلسطينية.
الانظمة العربية فضلت تعزيز علاقاتها مع دولة الاحتلال من خلال اتفاقيات الطبيع على حساب موقفها ودعمها للقضية الفلسطينية، بادعاء البحث عن مصالحها، حتى الدول التي لم تعلن عن علاقتها مع إسرائيل بشكل رسمي كالسعودية ودورها المؤثر في الساحة العربية والاقليمية تراجع بشكل كبير.
قد يكون الانقسام الفلسطيني سبب من أسباب عزوف الانظمة العربية عن دعم القضية الفلسطينية، ونسي الفلسطينيون أنفسهم، وأقاموا سلطة، وانشغلوا بها وبوهم السلطة تحت الاحتلال الذي يمارس ابشع الوسائل لتقويض اي كينونية فلسطينية،
وخلال سنوات الإنقسام عمل طرفي المعادلة على تخليده، ولم يستفيدوا من دروس الماضي البعيد والقريب، والغرق في السلطة والمصالح، وفقد طرفي السلطة خلال السنوات الماضية، مشروعيتهما، وفقدان الثقة بهما، وعداء الفلسطينيين في الخارج والداخل، والذين يعانون شظف الحياة وعبء مقاومة الاحتلال، ومواجهة سياساته العنصرية وجرائمه اليومية.
وفشل الطرفان في التوصل لقواسم مشتركة في ادارة شان الناس وتعزيز صمودهم، والاخطر الاستفراد بمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، الني تعاني ضعف اشد من ضعف السلطتين، وانعكاس ذلك على القضية الفلسطينية، وتحاول القيادة الفلسطينية اعادة هندسة الاستمرار بالاستفراد بمؤسسات الشعب الفلسطيني وتخليد الاستفراد بها.
يبدو أن القيادة الفلسطينية والفصائل بما فيها حماس، لم يدركوا بعد ان الانقسام اضعف الفلسطينيين، واثر على قضيتهم وأفقدهم أوراق القوة للضغط على دولة الاحتلال واحترام العرب لهم وتشجيع دولة الاحتلال على الانفراد بهم، بل عدم الاكتراث لحقوقهم والتنكر لها.
مع الاحترام للدعوة الجزائرية لتقريب وجهات النظر الفلسطينية، وفي ظل التجارب السابقة وجولات المصالحة في عواصم عربية وغير عربية، وما تعانيه القضية الفلسطينية من تدهور خطير وانفضاض الانظمة العربية من حولها ولم تعد سند وداعم حقيقي لهم.
على الفلسطييين الادارك انهم يستطيعو ادارة خلافاتهم وإتهاء انقسامهم وحدهم، والقدرة على اتمام المصالحة هنا في فلسطين.
صحيح أن المصالحة الفلسطينية لم تعد شأنا فلسطينيا داخلياً، لكنها يجب ان تكون شأناً فلسطينياً، من خلال إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام بما يحقق توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، واعادة ترتيب البيت الداخلي باجراء الانتخابات العامة في جميع مؤسسات منظمة التحرير، والسلطة الفلسطينية لتكون عبارة عن هيئة ادارية كبيرة تدير الشان الداخلي الفلسطيني.
يستطيع الفلسطنيون انهاء الانقسام واتمام المصالحة الفلسطينية، إذا أدركوا انهم السند الحقيقي لانفسهم، وتفكيك الخلافات بعيدا عن تأثير ما يجري ما بين الانظمة العربية والتددخلات الخارجية وشروطها، ويستطيع الفلسطينيون البدء من حيث اتفقوا في اتفاقيات المصالحة السابقة، والبناء عليها باعتبارها مدخل، وفق استراتيجة وطنية تحقيق المصالحة والمصالح الفلسطينية.