يمكن أن يكون الجيش الاسرائيلي ليس الأكثر اخلاقية في العالم، لكنه بيقين أحد المنظمات الاخلاقية في الدولة. والدليل الابرز على ذلك هو أنه لا توجد مؤسسة أخرجت من داخلها تنظيما يشبه «لنكسر الصمت» الذي يجمع الأدلة حول التجاوزات والتعذيب والجرائم التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي ضد المدنيين.
تحافظ الشرطة بسرية تامة على تجاوزات قادتها، في أوساط موظفي الدولة، حيث يتم احيانا التجاوز ضد المدنيين.
لم ينشأ اتحاد يهدف الى اقتلاع التعذيب الممارس ضد المدنيين. وفي «الشاباك» إذا قام محققون وفتحوا أفواههم فسيُتهمون بالخيانة، ويتم وقفهم على الحائط.
لكن في «لنكسر الصمت» تجاوزوا هذا المنع الخطير، حيث حطموا شيفرة الولاء للكذب، وأوجدوا بذلك سابقة تاريخية لا تستطيع الأمة هضمها، هذه الأمة التي تربت على الايمان الأعمى بقداسة الجيش وطهارة سلاحه.
لأن قادة الجيش لا يخطئون ويتحلون بالقيم الاخلاقية الأسمى. حتى وإن قتلوا أبرياء فلا مجال للشك بطهارتهم. إلا أن «لنكسر الصمت» الذين أرادوا تطهير الزوايا المظلمة التي أخفيت في الجيش، تعرضوا للكثير.
كان التنظيم يعرف جيداً حقيقة الزيت الذي يغلي، والذي سيصب عليه من أعالي الجدران المحصنة التي أراد أن يهدمها. لقد عرف أنه سيتم تصويره على أنه واش، ويسعى الى الحاق الضرر باسرائيل. وبذلك لم تكن مكانته تختلف عن مكانة منظمة حقوق الانسان التي تسعى الى توثيق الضرر الذي يلحق بالمدنيين.
«لنكسر الصمت» تجاوزت «جمعيات اليسار»، حيث وصفت بأنها «منظمة مخربين» لا يجوز التواصل معها. قرر وزير الدفاع منع نشاط المنظمة في الميدان. أوامر وزير الدفاع هي شكل مخفف، وهي أقل بدرجة من تحويلها الى «منظمة غير قانونية» مثل الجناح الشمالي للحركة الاسلامية. لأن من يشوه صورة الجيش، سواء أكان يهودياً أم مسلماً، فانه يلحق الضرر بأمن دولة اسرائيل. لكن أوامر وزير الدفاع يعلون هي تلخيص رسمي لقرار حكم الجمهور والذي أصدره اليمين ضد المنظمة. وليس فقط ضدها بل ضد كل من يتصل معها، أو ينقل اليها المعلومات أو يقترب منها.
هكذا تعلم رؤوبين ريفلين مغزى هذه المخالفة على جلده. «الاتصال مع تنظيم معاد»، حينما تنفس الهواء مع منظمة «لنكسر الصمت» في مؤتمر «هآرتس» في نيويورك، كل ذلك وهو يجلس تحت علم اسرائيل. هل يتخيل أحد جلوس الرئيس براك اوباما الى جانب أحد قادة «داعش»؟
«تهمة» ريفلين غير قابلة للجدل. كذلك ادعاؤه أنه لم يلق خطابا في منظمة «لنكسر الصمت» تم رفضه؛ لأن مجرد وجوده المشترك مع منظمة التخريب الخطير يبرر اقالته من رئاسة الدولة. ولا يوجد في اسرائيل أصعب من المساس بالمقدسات من خلال اعطاء الشرعية للخونة.
من الخطأ اعتبار أن هذا موقف اليمين المتطرف فقط – لا توجد تيارات في اليمين – هو محيط يتم فيه ابتلاع كل التيارات. هذا هو موقف الجموع التي لا تقبل التزييف في الجوقة. اذاً، المشكلة لم تعد في «لنكسر الصمت» بل في «من يؤيدها ويقف الى جانبها ويدعمها».
ومن حسن حظ ريفلين أن اسرائيل دولة ديمقراطية تؤمن بسلطة القانون وبمحاكمة الخونة وليس إعدامهم بدون محاكمة. لكن لا يمكن الاعتماد على طواحين العدل في أن تقوم بعملها بشكل كامل. فهي بطيئة في العادة، وتفضل عمل الصفقات. ولا يمكن الانتظار في موضوع الرئيس. من يريد القضاء على «لنكسر الصمت» يجب أولا وقبل كل شيء، كما يظهر في الفيس بوك، أن «يُحيد» ريفلين.
عن «هآرتس»