هارتس : نـــتــــنــــيـــاهــــــو وشــــمــــاعــــــة الـــيــســـار

سامي-بيرتس.jpg
حجم الخط

بقلم: سامي بيرتس

 



نجح بنيامين نتنياهو في زرع رواية في أدمغة الكثيرين: هو ملاحق بسبب كونه زعيماً قوياً من اليمين. هكذا نجح في أن يحظى بتأييد الجمهور، وعلى الطريق أيضاً تحول في وعي كل معارضيه ومنتقديه ومن يتحفظون من أفعاله ومن سلوكه الشخصي الى «يسار» والى «عدو الشعب». ولديه، أي نتنياهو، أسهم مفضلة في تحويل «اليسار» الى علامة سلبية في أوساط ملايين الإسرائيليين.
هذا رغم أنه طوال الطريق، رؤساء التحقيق ومن قرروا تقديمه للمحاكمة كانوا من رجال اليمين، بدءاً من المفتش العام للشرطة السابق روني الشيخ وانتهاء بالمستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت. شاهدو الملك جاؤوا أيضاً هم من اليمين (شلومو فلبر وآري هارو على الأقل). والسياسيون الثلاثة الذين تخلوا عنه في أعقاب سلوكه، أفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر ونفتالي بينيت، هم يمين خالص. والآن بعد أن فقد السلطة وتتم محاكمته فإنه يبحث عن خلاصه في اليسار. في البداية عندما أيد انتخاب رئيس حزب العمل، اسحق هرتسوغ، رئيسا للدولة، مع المعرفة بأنه من شأنه أن يحتاج الى قضايا العفو أو مسح السجل الجنائي اذا أدين، والآن عندما اختار أهارون براك، الرئيس السابق لمحكمة العدل العليا والذي هو من كبار حاخامات اليسار، كي يكون وسيطاً في التوصل الى صفقة مع مندلبليت والنيابة العامة.
يبدو أنه في مرحلة معينة أدرك نتنياهو أن ميله لتعيين أشخاص «من جماعتنا» في وظائف رئيسية لا يعمل بالضرورة لصالحه. الشيخ لم يوفر البضاعة. فلبر، هارو ونير حيفتس، اختاروا إنقاذ جلدهم وأن يعملوا كشهود ملك. وماذا بشأن مندلبليت؟ لقد حاول وخفف لوائح الاتهام، لكن لم يكن بوسعه إشباع كل رغبات نتنياهو لأن الملفات وشهود الملك كانت تقول شيئا آخر.
رواية نتنياهو التي تربط النيابة والشرطة والصحف اليسارية مع بعضها على اعتبار أنهم تآمروا من أجل إسقاطه، هي مادة مشتعلة ممتازة لكسب تأييد شعبي واسع، لكن في نفس الوقت هي أيضا تعمل ضده في معسكره. عبادة الشخصية التي نشأت حوله هي التي جعلت ليبرمان، مساعده السابق، يدير ظهره له. ليبرمان ليس هو المقدم المناسب لمحاربة الفساد. فقد تخلى عن نتنياهو لأنه سئم المكانة المقدسة التي سعى اليها رئيس الوزراء السابق، والتي تضعه فوق كل مؤسسة وقانون أو معيار عام في إسرائيل.
          أيضاً بينيت لم يطرح في أي يوم موقفاً قيمياً مناسباً في قضية تحقيقات نتنياهو. في 2019 قال إنه «اذا نجح جهاز القضاء في إسقاط نتنياهو بسبب السيجار ومراسلات في موقع «واللاه» فان هذا سيكون ضربة قاسية لكل المعسكر الوطني. سيكون الزعيم اليميني الذي سيأتي بعده مخصياً وخائفاً من وسائل الاعلام ومن جهاز القضاء». لقد كان لبينيت بالتحديد اسباب للاعتقاد بأنه توجد هنا مشكلة جذرية في سلوك نتنياهو، وليس موضوع يمين ويسار، ولكن حتى المقالات التي اهتم نتنياهو بأن تنشر في «واللاه» ضد بينيت ورجال يمين آخرين لم تجعل بينيت يدير ظهره لنتنياهو في الوقت الحقيقي. فقط بعد ابقاء بينيت وساعر خارج حكومة نتنياهو الاخيرة، تخليا عنه واتحدا في نهاية الأمر من اجل تشكيل الحكومة الحالية.
صفقة ادعاء مخففة على نتنياهو هي أمر مرفوض وليس فيها ما من شأنه أن يبدد أكوام السموم، الكراهية والاستقطاب، التي زرعها طوال سنوات ضد اليسار وجهاز القضاء والإعلام. الادعاءات والاتهامات بشأن حياكة ملفات، وكذلك الحاجة الى اجتثاث ظواهر مرفوضة في العلاقات بين السلطة وأصحاب رؤوس الأموال ووسائل الإعلام، كل هذه تقتضي حسما قضائيا. ولكن اذا تم التوصل الى صفقة ادعاء، يجب أن يكون فيها، اكثر من أي شيء آخر، الندم على تحويل جهاز القضاء والإعلام واليسار الى حائكي ملفات وأعداء للشعب. هذه هي أعمال الخدمة المطلوبة من نتنياهو.

عن «هآرتس»