هآرتس – الحرب في اليمن يمكن أن تعقد المفاوضات على الاتفاق النووي

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل 

 

“الحرب في اليمن يجب أن تنتهي. ومن اجل تأكيد التزامنا نحن نوقف كل المساعدات الامريكية للنشاطات الهجومية في الحرب في اليمن، بما في ذلك بيع السلاح الذي يتعلق بهذه الحرب”، اعلن الرئيس الامريكي، جو بايدن، في خطاب له في شهر شباط بعد توليه لمنصبه. هذا التصريح وجه بشكل خاص الى السعودية، التي اعتبرها بايدن في حملته الانتخابية “دولة مشوشة”، غير مسؤولة فقط عن قتل الصحافي جمال الخاشقجي، بل ايضا هي التي شنت الحرب الطويلة في اليمن، التي قتل فيها مئات آلاف الاشخاص في المعارك أو بسبب الامراض والجوع.

مرت سنة على ذلك وليس فقط أن هذه الحرب لا تقترب من نهايتها، بل هي فتحت من جديد جبهة الى دول الخليج. صواريخ وطائرات مسيرة مسلحة هاجمت في يوم الاثنين الماضي ثلاث ناقلات نفط قرب ابو ظبي، والمطار في المدينة ايضا. ثلاثة اشخاص، مواطنان من الهند ومواطن باكستاني، قتلوا وستة اشخاص اصيبوا. هذا الهجوم غير المتوقع حدث بعد أن اختطف الحوثيون سفينة “روابي” التي تحمل علم اتحاد الامارات قرب ميناء الحديدة بذريعة أنها تنقل السلاح، خلافا لادعاء أبو ظبي الذي يقول إن السفينة كانت تحمل معدات من اجل مستشفى في مدينة جيزان في السعودية.

هذه التطورات الخطيرة تأتي بعد أن فتحت اتحاد الامارات وايران قناة دبلوماسية، التي في اطارها وقعتا على اتفاق تجاري مهم بحسبه البضائع من ابو ظبي ستصل الى ايران ومنها عبر الطريق البري الى تركيا واوروبا. قبل سنتين تم التوقيع على اتفاق تعاون عسكري بين الدولتين، وكان هدفه تأمين الملاحة في الخليج الفارسي بعد أن سحبت دولة الامارات قواتها من اليمن، وفي اعقاب ذلك هجمات الحوثيين ضدها توقفت. ابو ظبي اعلنت في هذا الاسبوع بأنها ستعمل بكل قوتها ضد من نفذ الهجوم، لكنها كانت حذرة من القاء المسؤولية على ايران.

هل يمكن أن الحوثيين هم الذين هاجموا ابو ظبي بدون تنسيق أو مصادقة من ايران؟. المنطق المقبول هو أن كل عمل عسكري للحوثيين، خاصة ضد الدول المجاورة، يكون منسق مسبقا مع حرس الثورة وقوة القدس الايرانية التي تدرب وتمول القوات الحوثية في اليمن. ولكن في الاشهر الاخيرة يبدو أنه بين الحوثيين وايران حدث خلاف شديد حول السلوك العسكري للحوثيين.

في كانون الاول الماضي توفي السفير الايراني في اليمن، حسن ايرلو، الذي اعتبر “قاسم سليماني اليمن”. التقارير الرسمية افادت بأن ايرلو توفي بسبب الكورونا والتأخر في نقله من اليمن الى ايران من اجل تلقي العلاج. ولكن هناك من يشككون في مصداقية هذا التقرير، ومحللون في اليمن يعتقدون أن السفير توفي “بطريقة غير طبيعية”، ومن غير المستبعد أن المسؤولين عن ذلك هم بالتحديد الحوثيين. بين ايرلو وقيادة الحوثيين تطورت علاقات مسمومة بسبب تصرف السفير كحاكم عسكري في المناطق التي احتلها الحوثيون. 

“ايرلو كان يتعامل مع قيادة الحوثيين وكأنه قائدهم. وقد استخف بقدرتهم واتهمهم بالعجز والفشل العسكري، بل ونقل اوامر مباشرة لقادة الحوثيين على الارض أو بواسطة قادة ومدربين من حزب الله اللبناني (الذين ارسلتهم ايران لتدريب الحوثيين)، وليس عن طريق القيادة السياسية للحركة”، شرحت مصادر للحوثيين لوسائل اعلام يمنية. الحوثيون ايضا اشتكوا من أن ايران لم تساعدهم في المعركة الصعبة التي يقومون بادارتها لاحتلال محافظة مأرف وشبوة في جنوب اليمن، التي فيها تتركز القوة الاساسية من احتياطي النفط في الدولة.

الحرب على مأرب وشبوة تجري منذ سنتين واحتلالها من قبل الحوثيين يمكن أن يحسم مصير حكومة اليمن المعترف بها ومستقبل الدولة. في هذا الشهر وصلت هذه المعركة الى الذروة عندما اقترب الحوثيون من مداخل مدينة مأرب، ووجهوا بمقاومة شديدة للقوات اليمنية. الاخيرون استعانوا بمظلة جوية سعودية، التي طائراتها نفذت 60 هجوم في يومين، وقتل فيها 200 مقاتل حوثي تقريبا.

هزيمة الحوثيين في مأرب وشبوة اثارت حملة اتهامات داخلية في اوساطهم حول مسالة المسؤولية عن فشل الهجوم. قادة ومقاتلون اتهموا القيادة الحوثية وحتى أنهم وجهوا خيبة املهم نحو ايران التي لم تمنحهم الدعم والمساعدة الكافية امام قوات العدو، حسب رأيهم. في عدد من التصريحات غضب الحوثيون من أنه في حين أن ايران تطور العلاقات الدبلوماسية مع دولة الامارات والسعودية فان هاتين الدولتين تواصلان الهجوم بقوة على الحوثيين. مواقع انترنت الحوثيين سارعت الى نشر صور فظيعة حول نتائج هجمات السعودية في العاصمة صنعاء، التي ظهر فيها اطفال ونساء وشيوخ قرب البيوت المدمرة، المستشفيات والعيادات فارغة وغرف العمليات تضاء بالمصابيح بسبب نقص الوقود.

الحوثيون اوضحوا وبحق أنه رغم أن دولة الامارات سحبت قواتها في 2020 إلا أنها تواصل تمويل ومساعدة قوات محلية وتشغلها ضد الحوثيين. القوة الاساسية التي تشغلها ابو ظبي تسمى “قوات العمالقة”، التي تضم 50 ألف مقاتل. دولة الامارات طورت هذه القوات وشكلت منها 17 لواء، تعمل خارج الاطار العسكري في اليمن وهي غير خاضعة لحكومة اليمن المعترف بها والتي رئيس حكومتها، عبد ربه منصور هادي، يعيش في الرياض.

ابو ظبي خصصت هذه القوات لخدمة اهدافها وكي تبني لها قاعدة نفوذ عسكري وسياسي، بواسطته يمكنها المنافسة في السيطرة على اليمن امام السعودية. “العمالقة” كانت القوة الاساسية التي سيطرت على عدن، التي اصبحت العاصمة البديلة لصنعاء التي احتلت في 2014 من قبل الحوثيين. بعد ذلك شنت هذه القوات معارك ضد الخصوم السياسيين الخاضعين لحكومة اليمن. في المعركة على محافظة شبوة ومأرب امرتهم دولة الامارات بالقتال ضد الحوثيين، وحسب تقارير من ساحة المعارك يتبين أن هذه القوة كانت الاكثر نجاعة في احباط هجوم الحوثيين. بطبيعة الحال وجدت ابو ظبي نفسها في مرمى النار وتحولت مجددا الى هدف لهجمات الحوثيين. 

الخوف الآن هو من أن الحوثيين يمكن أن يخرجوا عن سيطرة ايران وأن يديروا حرب خاصة بهم لا تأخذ في الحسبان المصالح والخطوات السياسية الايرانية. ايران جربت في السابق مثل هذا التطور في العراق، عندما انقسمت المليشيات الشيعية التي تمولها. وايضا الوحدات التي ما تزال تخضع لاوامرها لا تظهر امتثال كامل للتعليمات التي تأتي من اسماعيل قاءاني الذي حل محل قاسم سليماني. يبدو أن قاءاني لا ينجح في أن يفرض ارادته عليها وأن يمنعها من تنفيذ عمليات مستقلة، التي تستند الى اجندة سياسية محلية.

الحوثيون بالهجمات ضد دول الخليج يوضحون أن السيناريو الذي فيه ايران هي صاحبة البيت الحصرية والتي يمكنها أن تكون الوسيط بينهم وبين السعودية ودولة الامارات وبهذا تحصل لنفسها على رأس مال سياسي في المنطقة وفي الغرب، هو سيناريو غير مضمون، وأن نجاحه يتعلق قبل أي شيء آخر بتحقيق طلبات الحوثيين.

حتى الآن رفض الحوثيون، الذين اداروا في السابق حوار مع السعودية، كل اقتراح لحل دبلوماسي طالما أن السعودية ودولة الامارات تواصل مهاجمتهم بمساعدة امريكية. الحوثيون يطالبون باخراج القوات الاجنبية من اليمن، ودفع تعويضات عن الاضرار التي لحقت بهم في سبع سنوات الحرب وتوزيع عادل للموارد والمناصب السياسية بواسطة الحوار بين الاطراف. حتى الآن فشلت كل المحاولات للوصول الى طاولة المفاوضات. وباستثناء التصريحات والزيارات من قبل مبعوثي الامم المتحدة والمبعوث الامريكي الخاص الى اليمن، فانه لم تبدأ أي خطوة حقيقية.

الادارة الامريكية التي بدأت حملتها اليمنية بقرار استهدف ارضاء الحوثيين، ازالة اسمهم من قائمة التنظيمات الارهابية الدولية. وهي في الواقع جمدت بيع السلاح الهجومي للسعودية، لكن في تشرين الثاني الماضي صادقت على صفقة لبيع صواريخ جو – جو بمبلغ 650 مليون دولار. الادارة الامريكية فسرت الصفقة بأن الامر يتعلق بسلاح دفاعي ليس من شأنه أن يستخدم في الحرب في اليمن.

الآن، وجد بايدن نفسه في مأزق. مهاجمة الاهداف في دولة الامارات وتصميم الدولة التي هوجمت على الرد، يمكن ليس فقط أن تشعل اكثر ساحة المعركة، بل هي ستهز ايضا المفاوضات حول الاتفاق النووي مع ايران. وحسب واشنطن فان الحوار الدبلوماسي الذي تطور بين السعودية واتحاد الامارات وبين ايران يمكن أن يشجع ايران على تليين مواقفها في المفاوضات من اجل الدفع قدما بعلاقاتها مع دول الخليج بعد أن وضعت تحسين علاقاتها معها على رأس سلم اولويات سياستها الخارجية.

حتى اذا كانت الحرب في اليمن لا تعتبر جزء من المفاوضات النووية، فانه يمكن للولايات المتحدة وحلفائها في الخليج أن تتطلع الى أن ترغب ايران في انهاء الحرب من اجل تمهيد الارض لتعاون اقتصادي وسياسي اكبر مع جاراتها. للمفارقة، حدث الآن بين ايران وواشنطن اتفاق مصالح غير معلن للعثور على حل سياسي يضع نهاية للحرب. اذا اشتعلت المواجهة في اعقاب الهجوم من جديد مع الحوثيين فان سيناريو المصالحة هذا يمكن أن يتحطم وأن تضطر الولايات المتحدة الى اعطاء الضوء الاخضر للسعودية والامارات لشن حرب شاملة في اليمن، رغم فشلهما حتى الآن في تحقيق حسم رغم تفوقهما العسكري.

من اجل تهدئة الامارات والسعودية فقد افادت مصادر في الادارة الامريكية بأن الرئيس بايدن يفحص مرة اخرى وضع الحوثيين في قائمة التنظيمات الارهابية الدولية، وأن يتبنى بذلك قرار ترامب. ولكن هذا القرار سيصعب اكثر ادارة مفاوضات سياسية منفصلة معهم، ويدعم طلباتهم في توزيع عادل للسلطة والموارد. السيناريو الاكثر تهديدا هو الذي سينجح فيه الحوثيون في نهاية المطاف في احتلال محافظات النفط في اليمن، وبهذا يفرغوا حكومة اليمن من معظم مصادر دخلها. هذا التطور سيعطي الحوثيين مكانة حكام الدولة وسيجبر الادارة الامريكية ودول المنطقة على اتخاذ قرار بشأن سياسة جديدة نحوهم، الامر الذي يعني إما الحرب أو الاعتراف بحكمهم وانتصار ايران.