يديعوت : عندما تتصرف الشرطة الإسرائيلية مثل منظمات الجريمة!

بندرور يميني.jpeg
حجم الخط

بقلم: بن – درور يميني

 

 




كان هذا في 25 تشرين 2014، في جلسة لجنة الدستور في الكنيست. فقد روت النائبة اوريت ستروك انها تحدثت مع صديقاتها عن تظاهرة أمام بيت آفي ديختر كان يفترض أن تجرى حين كان لا يزال يتولى منصب رئيس "الشاباك". وقد أوقفن حتى قبل أن يصلن إلى مقصدهن. وقد شكت في حينه، منذ ذاك الحين، من أنه كان هناك تُنصت على هواتفها. بل ربما على هواتف صديقاتها.
توجهت إلى رئيس اللجنة، ميكي ايتان، الذي توجه من جهته الى الشرطة وطلب الفحص. فجاء الرد. تلقى الجواب الرسمي، ولكن بالخطـأ، تماما بالخطأ تلقى ايضا مسودة الجواب. وماذا كان هناك؟ اعتراف من الشرطة بأنها قامت بالتنصت. لم تكن ستروك مشبوهة بشيء، ولكن كان التنصت سياسيا بكل معنى الكلمة. ان مكافحة الجريمة، كما يعود ويؤكد الناطقون المختلفون بلسان الشرطة، تستوجب استخدام الوسائل التكنولوجية الاكثر تطورا. فالشرطة لا يمكنها أن تبقى متخلفة عندما يصبح المجرمون اكثر فأكثر تطورا، بما في ذلك في المجال التكنولوجي. هذا صحيح، ولكن النقد هو ليس على استخدام الوسائل المتطورة ولا حتى على مجرد استخدام وسائل التجسس من انتاج NSO. النقد هو على الاستخدام غير السليم على نحو ظاهر والذي يتضمن جمعا للمواد دون إذن ودون صلاحية، في ظل التوغل الى مجالات ليس لها أي صلة بينها وبين مكافحة الجريمة.
يعلمنا القضاء اليهودي: العدل بالعدل اتبع. بمعنى حتى اتباع العدل ينبغي أن يتم بوسائل سليمة. الكفاح في سبيل الحقوق الأساس، والتي تتعلق أيضا بحقوق المشبوهين، يتواصل مئات السنين. "الاجراء المناسب" اصبح حجر أساس في الاجراء القضائي. وهو منصوص عليه في الدستور الأميركي، وبقدر اقل بقليل في القضاء الإسرائيلي أيضا. فمنتجات التحقيق يفترض أن تنجح في اختبار "ثمار الشجرة السامة"، تلك الثمار التي تم جنيها بخلاف القانون. يمكن مثلا تنفيذ تنصت لهواتف آلاف المواطنين. هذا لا يهم ما الذي أراد المحققون الوصول اليه في الأصل، ولكن من الواضح ان مثل هذا التنصت سيعطي ثمارا، أي أدلة، تبرر لائحة اتهام ضد احد ما. ولكن هذا سيحصل في ظل مس خطير بالحقوق الأساس. لا يوجد مجتمع سليم يمنح إذنا لتنصتات كهذه.
غير أن هذا المس وقع، ظاهرا، في اعقاب استخدام برنامج تجسس NSO. فقد اشتري في عهد المفتش العام، اسحق دنينو، ودخل الى الاستخدام في عهد من حل محله، روني ألشيخ. يبدو أن هذا هو العهد الذي استبدل فيه الحظر على "ثمار الشجرة السامة" رويدا رويدا بقاعدة جديدة: "كل الوسائل مشروعة لتحقيق الغاية". كما أن هذا هو الانزلاق من مجتمع ديمقراطي الى مجتمع أصبحت فيه الخصوصية سائبة. إن التنصت على نشطاء الاحتجاج ليس عاراً فقط بل مخالفة جنائية. وملاحقة التفضيلات الجنسية لنشيط احتجاج، كي تستخدم ذات يوم ضده، ربما للابتزاز، هو استخدام يشطب السور الذي يجب أن يفصل بين جهاز انفاذ القانون ومنظمات الجريمة والابتزاز.
في أجهزة إنفاذ القانون واساسا الشرطة والنيابة العامة، توجد أيضا استثناءات وتجاوزات. هذا يحصل أيضا في دول ليبرالية. وعلى هذه التجاوزات توجد آليات رقابة. لكن هذه الآليات عطلت. ادارت النيابة العامة كفاحا مخيفا ضد القاضية المتقاعدة، هيلا غرستل، التي تولت منصبها سنتين فقط مأمورة الرقابة على النيابة العامة. "في النيابة العامة، يوجد شيء ما عليل"، قالت بعد ان اضطرت لأن تترك منصبها، "شاي نيتسان ليس ملائما لمنصب النائب العام للدولة".
في دائرة التحقيق مع الشرطة "ماحش"، والتي يفترض أن تشكل آلية الرقابة على الشرطة، حصلت أغلب الظن أمور مشابهة. في الدعوى التي تقدم بها موشيه سعده، الذي كان يتولى منصب رئيس "ماحش"، طرحت ادعاءات قاسية حول العلاقة بين نيتسان وألشيخ. وعلى حد قوله، في لائحة الادعاء المرفوعة قبل شهرين، بما في ذلك أيضا ضد التنمر المزعوم من جانب نيتسان "أخصى ألشيخ (ماحش) بحيث تحقق أقل ما يكون". ادعاءاته الأساسية هي في موضوع "تلوثات التحقيق" في قضية إثر قضية.
على هذه الخلفية فإن التحقيق الصحافي الصادم الذي تجريه "كلكليست" لا يرتسم كنقطة انعطافة بل كتواصل للتعفن الذي حل بآليات انفاذ القانون. فهذه لم ترغب في الرقابة. فما فعلته هذه الغرستل فعلته لسعده. وفي واقع الامر، تشهد قصة ستروك على ان هذا بدأ قبل وقت طويل من استخدام برنامج تجسس NSO. هذا جميل عندما تريد الشرطة ان تكافح الجريمة بصفتها هذه. ولكن يتبين أنها تستخدم هذه الوسائل ضد نشطاء سياسيين رغم أنه لم يكن ظل اشتباه بارتكاب مخالفات جنائية.
وماذا يحصل عندما يطرح النقد؟ الجواب ثابت: تحريض، ومس بسلطة القانون. هكذا الشرطة، هكذا النيابة العامة، هكذا أيضا القضاة. كفى، يكفي، فهل غرستل وسعده هما أيضا عدوان لسلطة القانون؟ الردود الثابتة لم تعد مقنعة بل تفاقم المشكلة فقط. تنعقد الحكومة، اليوم (أمس)، كي تقرر في لجنة تحقيق في موضوع الغواصات. توجد حالات نادرة تكون فيها حاجة وطنية عليا لتشكيل لجنة تحقيق، حاجة ديمقراطية. فها هو يوجد لنا اضطرار آخر كهذا: لجنة تحقيق في مواضيع التنصت.

عن "يديعوت"