هآرتس – هنا في موقف سيارات شاطيء دور، يوجد قبر جماعي

حجم الخط

هآرتس – بقلم  آدم راز 

 

​“لقد قاموا باخراس هذا الامر”، قال الجندي موشيه ديامينت في محاولة لاختصار الكلمات. “محظور التحدث. هذه يمكن أن تكون فضيحة كبيرة. أنا لا اريد التحدث عن ذلك، لكن هذا حدث. ما العمل؟ هذا حدث”.

​لقد مرت 22 سنة على العاصفة التي ثارت حول احتلال قرية الطنطورة في حرب الاستقلال، في اعقاب بحث اكاديمي اجراه طالب اسمه ثيودور كاتس، الذي تضمن شهادات عن اعمال فظيعة نفذها لواء الكسندروني بالأسرى العرب. البحث أدى الى نشر مقال في “معاريف” بعنوان “المذبحة في الطنطورة”. ولكن دعوى التشهير التي قدمها الجنود جعلت كاتس يتراجع عن اقواله.

​ليس جميع الشهادات التي جمعها كاتس تم فحصها عندما تنفجرت القضية، وبقيت على مستوى نقاش مهني بين الطلاب. الآن وقد اصبحت اعمارهم 90 فما فوق، فان عدد من مقاتلي اللواء يعترفون أنه في الطنطورة، الآن هي شاطيء دور قرب كيبوتس نحشوليم، حقا حدثت مذبحة. الجنود يصفون مشاهد قتل مختلفة، منها يتبين أن عدد القتلى في القرية اكبر بكثير من العدد الذي قيل في الوقت الذي حدثت فيه، حوالي 20 قتيل. لأن الاموات لم يتم احصاءهم في نهاية الحرب والاحداث الدموية التي رافقتها فانه لا يوجد اتفاق حول عدد الضحايا. الشهادات التي تجمعت خلال السنين تذكر ارقام مختلفة، عدد قليل من القتلى وحتى اكثر من 200 قتيل حسب احدى الشهادات.

​حسب اقوال ديامينت فان سكان القرية اطلقت النار عليهم وقتلوا في نهاية المعركة بواسطة رشاش نصف آلي، على يدي شخص متوحش. ديامينت قال إنه عندما تم تقديم دعوى ضد كاتس فان الجنود تظاهروا وكأنه لم يحدث أي شيء استثنائي بعد احتلال القرية. “قالوا: نحن لم نعرف ولم نسمع. بالتأكيد عرفوا، جميعهم عرفوا”.

​الجندي حاييم لفين قال إن احد الجنود تقدم من مجموعة تتكون من 15 – 20 أسير و”قتلهم جميعا”. حسب قوله، هذه الحادثة اثارت فيه الصدمة، وقد توجه لاصدقائه من اجل السؤال حول سبب الموضوع. “لا توجد لديك فكرة كم قتل هؤلاء”، اجابوه.

​ميخا فيتكون، وهو مقاتل آخر في اللواء، تحدث عن ضابط وقال: “لقد اصبح بعد ذلك شخصية رفيعة في وزارة الدفاع، الذي بمسدسه الشخصي قتل عربي تلو آخر”. حسب قوله، “لقد كان مضطرب قليلا، وهذا كان أحد اعراض اضطرابه”. فيتكون قال إنه فعل ذلك لأن الاسرى رفضوا الافصاح عن مكان السلاح المخبأ الذي بقي في القرية.

​أحد المقاتلين الآخرين وصف احداث اخرى حدثت في القرية: “من غير اللطيف التحدث عن ذلك. لقد قاموا بادخالهم في برميل واطلقوا النار عليهم في البرميل. أنا أتذكر الدماء داخل البرميل”. جندي آخر قال باختصار إن الجنود ببساطة لم يتصرفوا مثل بشر في القرية، وعاد الى الصمت.

​هذه الشهادات مثل شهادات اخرى تظهر في مشروع توثيقي مؤثر للمخرج الون شفارتس، الذي فيلمه الوثائقي “الطنطورة” تم بثه في يوم الخميس الماضي في مهرجان ساندينس في الولايات المتحدة. ويبدو أنه يقلب الصورة التي ترسخت لدى الجمهور الاسرائيلي في اعقاب دعوى التشهير واعتذار كاتس. على الرغم من أن شهادات الجنود في الفيلم قيلت بأجزاء جمل وشظايا اعترافات إلا أن الصورة الشاملة واضحة: جنود في اللواء قتلوا شباب غير مسلحين بعد المعركة.

​فعليا، عندما قدمت دعوى التشهير لم يجر نقاش جدي للشهادات التي جمعها كاتس. الاستماع لهذه التسجيلات يظهر بأنه لو أن المحكمة تعمقت فيها في حينه فان كاتس لم يكن سيضطر الى الاعتذار. نعم، أكثر من مرة الاقوال التي قالها له الجنود كانت محملة بالاشارات وجزئية، لكنها تجمعت وشكلت حقيقة لا لبس فيها.

​“ما الذي تريده؟”، سأل شلومو أمبر، الذي اصبح بعد ذلك عميد ورئيس قسم الدفاع المدني، سأل كاتس “أن اكون روح جميلة واقول الشعر؟ لقد وقفت جانبا، هذا كل شيء، كفى”. أمبر اوضح بأن الامور التي حدثت في القرية لم ترق له. “لكن لأنني لم ارفع صوتي في حينه فانه لا يوجد أي سبب كي أتحدث عن ذلك الآن”، قال.

​احدى الشهادات القاسية في فيلم شفارتس هي الشهادة التي قدمها الجندي عميتسور كوهين، الذي تحدث عن اشهر الحرب الاولى. “أنا كنت قاتل. لم آخذ أسرى”، قال. لو أنه كان هناك فصيل من المقاتلين العرب وايديهم مرفوعة لكان اطلق النار عليهم جميعا. كم عربي قتل خارج اطار المعركة؟ “لم احصي. كان معي رشاش مع 250 رصاصة. أنا لا يمكنني أن احصي”. شهادات جنود الكسندروني تنضم الى الاقوال التي كتبها في السابق الجندي يوسف بن اليعيزر. “كنت احد الجنود في احتلال الطنطورة”، شهد بن اليعيزر. “كنت اعلم عن القتل في القرية. عدد من الجنود قاموا بالقتل بمبادرة شخصية منهم”.

​من الشهادات والوثائق التي جمها شفارتس من اجل الفيلم يتبين أنه بعد المذبحة تم دفن القتلى في قبر جماعي يوجد الآن تحت موقف السيارات في حوف دور. القبر تم حفره بشكل خاص لهذا الهدف وعملية الدفن استمرت لفترة طويلة. في نهاية شهر أيار، بعد اسبوع على الاحتلال، وبخوا احد القادة الذي كان في المكان لأنه لم يعالج بصورة صحيحة دفن جثث العرب. في 9 حزيران كتب قائد القاعدة المجاورة ما يلي: “امس فحصت القبر الجماعي في الطنطورة ووجدت أن كل شيء على ما يرام”.

​باستثناء الشهادات والوثائق يعرض في الفيلم تحقيق خبراء قارنوا الصور الجوية من القرية قبل وبعد الاحتلال. مقارنة الصور والاشخاص ثلاثية الابعاد، التي نفذت بمساعدة ادوات متطورة، تمكن ليس فقط من تحديد الموقع الدقيق للقبر، بل ايضا قياس حجمه، 35 متر الطول و4 امتار العرض. “لقد اهتموا باخفاء ذلك”، قال كاتس، “بصورة بحيث أن الاجيال القادمة ستذهب الى هناك دون أن تعرف على ماذا تدوس”.

​اعتراف جنود الكسندروني يسلط ضوء جديد على قضية الطنطورة والنضال من اجل الحقيقة التاريخية. في آذار 1998 قدم كاتس اطروحته في قسم تاريخ الشرق الاوسط في جامعة حيفا. عنوان بحثه كان “خروج العرب من القرى الى سفوح الكرمل الجنوبي في 1948”. كاتس الذي كان في حينه في الخمسينيات حصل على علامة 97. بحثه تم تقديمه كالعادة لمكتبة الجامعة، وكاتبه كان ينوي مواصلة كتابة رسالة الدكتوراة. ولكن برنامجه تشوش.

​هذا كان في كانون الثاني 2000 عندما قام الصحافي امير غيلات باستعارة البحث من المكتبة ونشر في “معاريف” مقال حول المذبحة. هذا النشر ايقظ من جديد الشياطين. باستثناء دعوى التشهير التي قدمتها جمعية الكسندروني، ايضا في الجامعة قرروا القيام بخطوات وشكلوا لجنة من اجل اعادة فحص البحث. اللجنة قررت رفضه رغم أنه في الفحص الاصلي تقرر أن كاتس استكمل الاطروحة بامتياز.

​صحيح أن بحث كاتس توجد فيه عيوب، لكن العنوان الذي يجب توجيه الانتقاد اليه هو في المقام الاول جامعة حيفا التي رافقت البحث وكتابته بصورة معيبة، وبعد ذلك انقلبت وتخلت عن طالبها. هذا التنكر مكن من اسكات وابعاد الاحداث الدموية في الطنطورة طوال سنوات. وقد كان يكفي كاتس جلسة واحدة في المحكمة من اجل التوقيع على رسالة اعتذار، التي اعلن فيها بأنه لم تكن هناك مذبحة في القرية وأن عمله مشوب بالاخفاقات. حقيقة أنه بعد بضع ساعات تراجع عن الاعتذار وأن محاميه، افيغدور فيلدمان، لم يحضر اللقاء الليلي الذي استخدم فيه الضغط على كاتس للتراجع، نسيت. الاعتذار دفن الوقائع التي تم كشفها في البحث. وتفاصيل المذبحة لم تتعرض لفحص شامل.

المؤرخون الذين تناولوا القضية، بدءا بيوآف غلبر ومرورا ببني موريس وانتهاء ايلان ببيه، توصلوا الى استنتاجات مختلفة ومتناقضة. غلبر الذي شغل منصب رئيسي في النضال ضد بحث كاتس قال إن بضع عشرات العرب قتلوا اثناء المعركة وأنه لم تحدث أبدا مذبحة. موريس اعتقد أنه لا يمكن معرفة بصورة صريحة ما الذي حدث، لكنه اشار الى أنه عند سماع عدد من الشهادات يظهر شعور بـ “عدم الراحة العميق”. ببيه، الذي هو وغلبر اجريا نقاش تم بثه في الاعلام حول البث، قال إنه حدثت مذبحة في الطنطورة بالمعنى البسيط للكلمة. يبدو أنه الآن، عند نشر الشهادات في فيلم شفارتي، يبدو أن النقاش قد حسم.

​في احد مقاطع الفيلم الدراماتيكية تظهر درورا بلبل، التي كانت القاضية في دعوى التشهير ضد كاتس، وهي تستمع الى تسجيل احدى المقابلات التي اجراها. هذه كانت المرة الاولى التي تتطلع فيها على التوثيق الذي جمعه كاتس، الذي سارع الى الاعتذار وانهى المحاكمة في بدايتها. “اذا كان هذا صحيح فان هذا خسارة”، قالت القاضية المتقاعدة لمخرج الفيلم بعد رفع السماعات. “اذا كانت لديه امور كهذه كان يجب عليه الذهاب حتى النهاية”.

​قضية الطنطورة تمثل الصعوبة التي يواجهها جنود 1948 في تسليط الضوء على الممارسات السلبية التي تفشت فيها – اعمال قتل، عنف ضد السكان العرب، الطرد والسلب. إن سماع شهادات الجنود الآن، ازاء الموقف الموحد الذي اظهروه عندما قدموا دعوى ضد كاتس، يدل ايضا على قوة علاقة الصمت والاتفاق على أنه توجد امور لا يتم التحدث عنها. يجب الأمل بأنه من مسافة زمنية بعيدة سيكون على اليهود الاسرائيليين أسهل أن يتحدثوا عن هذه المواضيع. وتأييد ذلك يمكن ايجاده في حقيقة أن الفيلم حول هذه القضية تم تمويله من جهات مركزية مثل “هوت 8″ و”الصندوق الجديد للسينما والتلفزيون”.

​الاحداث الدموية في الطنطورة تحتاج الى استمرار البحث في القضية. الحقيقة في الواقع لم تعرف بالكامل. ولكن هناك امر واحد يمكن قوله بدرجة كبيرة من اليقين وهو أنه “تحت احد مواقف السيارات في احد مواقع الاستجمام في اسرائيل على شاطيء البحر المتوسط تم دفن ضحايا احدى المذابح البارزة في حرب الاستقلال”.