لطالما اشتهرت مصر بصناعة الغزل والنسيج بسبب القطن طويل التيلة الذي يُعّد الأفضل في العالم؛ إلا أنّه في الفترة الأخيرة ولأسباب عديدة تعرّضت هذه الصناعة إلى تدهور كبير.
هذه الصناعة بدأت منذ عهد محمد علي باشا الذي أحدث نهضة صناعية في مجالات عديدة، لعل أهمها هي الصناعات المتعلقة بالملابس.
وفي كتاب "الصنائع والمدارس الحربية في عهد محمد علي باشا" لمؤلفه عمر طوسون، ذكر عدد كبير من مصانع الغزل والنسيج بالقاهرة، وكان أهمّها مصنع الخرنفش الذي أُنشئ في 1816، وفابريقة مالطة في منطقة بولاق بالعاصمة القاهرة، وفابريقتا إبراهيم أغا والسبتية للغزل، وغيرها من المصانع الكثيرة.
وتحاول مصر استعادة أمجاد القطاع من خلال افتتاح أكبر مصنع غزل بالعالم في مدينة المحلة الكبرى، شمال مصر، في النصف الثاني من 2022، بحسب وزير قطاع الأعمال المصري، هشام توفيق، في تصريحات صحفية.
وقال عدد من الخبراء إنَّ هناك تراجعًا كبيرًا في الصناعات النسجية بمصر وسط أزمات عدّة، ما بين التهريب من المنافذ الجمركية للأقمشة، إلى تهالك البنية التحتية الخاصّة بالصناعة المصرية الأبرز طيلة عقود.
أكبر مصنع
وكشف رئيس إدارة غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعة المصري، محمد المرشدي، أنّ "أزمة تدهور صناعة النسيج بمصر بدأت بعد 2005 والاعتماد على استيراد الأقمشة من الخارج".
وأشار المرشدي إلى أن صناعة الغزل والنسيج تعتمد على 7 مراحل كل صناعة قائمة بذاتها لكنّها مرتبطة ببعضها البعض، فكل صناعة منها تستطيع إنتاج الخامات، إلا أنّه في النهاية لابد من تكاملها.
وأوضح أن المراحل الأساسية قبل تصنيع الملابس الجاهزة تعتبر من الاستثمارات الكبيرة في قطاع الغزل والنسيج والتي تعتبر تكلفة فرصة العمل بها حاليًّا في مصر من 450 لـ 500 ألف جنيها مصريا.
نظام السماح المؤقت
ويؤكد رئيس غرفة الصناعات النسجية المصرية أنّ فرصة العمل في الملابس الجاهزة تتكلف من 15 لـ 20 ألف جنيهًا مصريًّا، ويُطلق عليه "الاستثمار الطائر" الذي من السهل نقله لأي مكان طالما تحقق الأمان والاستقرار في الإنتاج وتصريف المنتجات.
ونفى وجود إحصائيات لحجم إنتاج صناعة الغزل والنسيج بمصر حاليًّا، لأن كثير من المصانع تعمل على تخفيض الإنتاج، مشددًا على أن "مصر تستطيع تغطية احتياجات السوق المحلّي، وتصدير الفائض للخارج".
وكشف أن 25 بالمئة من العمالة المصرية يعملون في مجال الغزل والنسيج، ملقيًّا باللوم على نظام السماح المؤقت الذي استغله البعض لتهريب البضائع والأقمشة بصورة غير شرعية.
ونظام السماح المؤقت المقصود به الإعفاء بصفة مؤقتة من الضرائب الجمركية وغيرها من الضرائب والرسوم لما يتم استيراده من مواد أوليّة وسلع وسيطة بقصد إجراء عمليات تصنيعية عليها.
إلا أنّ رئيس غرفة الصناعات النسجية المصرية يشير إلى أنّ قيمة كبيرة من التكلفة أصبحت متوفّرة للمستثمر لذلك يتم إغراق الأسواق بالأقمشة بأسعار أقل من تكلفة الإنتاج، وفقًا لتعبيره، وهو ما ساهم بشكل كبير في تدمير الصناعة.
وعقّب على قرار إعادة هيكلة المجلس الأعلى للصناعات النسجية الذي أعلنت عنه وزيرة التجارة والصناعة المصرية قائلًا إن "الأهم من ذلك هو مراجعة كل الواردات التي تأتي من الخارج".
وشدد على أن هناك توجيهات رئاسية بحل أزمات قطاع الغزل والنسيج، بهدف إنتاج ما يتم استيراده، مشيرًا إلى ضرورة "إعادة صياغة الإجراءات الموجودة حاليًّا، والثغرات الموجودة بنظام السماح المؤقت والمناطق الحرّة".
وتابع: "الصناعة الوطنية والمحلية قادرة على المنافسة في حالة وضع الضوابط وسداد التكاليف الخاصّة التي تُفرض على المنتج المحلّي".
العراقيل
بينما ترى عضو لجنة الصناعة بمجلس النوّاب المصري، إيفلين متى، أنَّ هناك الكثير من العراقيل التي تقف في طريق نموّ الصناعة النسجية في مصر.
وأشارت في تصريحه، إلى أن "بعدما كانت مصر أحد المصدرين لكل دول العالم في هذا القطاع، أصبحت تستورد بعض المنسوجات لكي يتم إنتاجها وتصنيعها وتصديرها مرّة أخرى مُصنّعة أو زيادة القيمة المضافة عليها".
وأوضحت أن الهدف من تطوير هذه الصناعة ليس فقط التصدير، ولكن وجود أيضًا "قطن ذو جودة عالية لصناعة المنسوجات من خلاله".
وكشفت أنَّ لجنة الصناعة طالبت بحضور وزير الزراعة المصري، السيد القصير، لمناقشة طريقة اختياره لبذرة القطن التي تحتاجها ماكينات الصناعة، وما هي خطّة الدولة لتطوير مصانعها كي يتم حلج ونسج هذا القطن.
10 بالمئة
وأوضحت أن على سبيل المثال "مرحلة الصباغة (هي مرحلة ضمن مراحل تصنيع الملابس الجاهزة) التي تحتاج إلى كميّة مياه كثيرة، فسعر المياه للمصانع العاملة في هذه الصناعة باهظة، وتضّر بها"، مطالبة بـ"تخفيض سعر المياه أسوة بمصانع الأسمنت والسيراميك".
وأردفت: "تحدثّنا في أزمة الغاز أيضًا التي تعوق هذه الصناعة عن النمو خاصّة وأنها تحتاج لكمية هائلة منه، وكان لابد من دعم الدولة لهذه الصناعات سواء بكهرباء وغاز ومياه".
وكشفت أن حجم الإنتاج أقل بكثير من السابق، حيث وصل "تقريبًا" لـ 10 بالمئة من الإنتاج المحلي، أما باقي تصنيع الملابس الجاهزة مُصنّعة من أقمشة ومصنوعات مستوردة من الخارج سواء بالطريق الشرعي أو الطريق غير الشرعي".
وأرجعت أسباب تدهور الصناعة أيضًا إلى "تهالك البنية التحتية في المصانع الموجودة حاليًّا، التي تحتاج إلى إعادة ترميم وتأهيل".
المصدر: سكاي نيوز عربية