هآرتس – في هجوم على السجن الكردي في سوريا، داعش يسعى لان يُري انه لا يزال حي يرزق

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

هآرتس – تسفي برئيل

 

تقريبا مر اسبوع، منذ اقتحمت قوات داعش سجن الصناعة في مدينة الحسكة في شمال سوريا، واطلقت سراح مئات السجناء، وحتى بيان الاكراد الذين يسيطرون على محافظة الحسكة أول أمس بأنهم نجحوا في السيطرة على السجن ووقف اعمال الشغب واعادة النظام الى ما كان عليه. حوالي 180 شخص، من بينهم 50 كردي و120 مقاتل من داعش و7 مواطنين قتلوا في الهجوم الذي اعتبر العملية الاكبر لداعش في سوريا منذ 2019.  سيارتان مفخختان انفجرت قرب السجن، عشرات مقاتلي داعش اقتحموا ودخلوا واطلقوا النار على الحراس الاكراد وبدأوا يطلقون سراح السجناء. حسب عدة تقارير، داعش استخدم نفق تم حفره من الخارج الى السجن، ومن خلاله تم ادخال السلاح والمقاتلين. موثوقية التقرير غير واضحة، لكن يبدو أن المهاجمين استندوا الى معلومات داخلية ومساعدة من جانب سكان المنطقة، ونسقوا الهجوم حسب الحالة الجوية العاصفة. 

بالنسبة للاكراد والقوات الامريكية التي قدمت لهم مظلة جوية ومساعدة بسيارات مصفحة، اوضح الهجوم أن داعش ما زال حي يرزق، وأنه رغم الاعلانات عن اجتثاثه وانتهاء المعركة ضده، إلا أنه ما زال يستطيع، ليس فقط تنفيذ كمائن متفرقة، بل ايضا تنفيذ هجوم منسق ومدهش. ليس فقط في سوريا اظهر داعش قدرته. 

في السنوات الثلاثة الاخيرة نفذ داعش عشرات الهجمات في العراق وقتل مئات الجنود والمدنيين والمقاتلين، وحتى أنه اوجد لنفسه منطقة جغرافية جديدة في مدينة ديالي وصلاح الدين وكركوك، التي فيها تيكز وحداته ومنها يطلق الهجمات. لا يوجد تشابه بين المساحة الجغرافية التي احتلها داعش في 2014 عندما سيطر على المحافظات الشرقية والجنوبية في العراق وعلى شمال سوريا. ولكن حقيقة أنه ينجح في العمل عسكريا تقريبا بدون أي رد عراقي يمكن أن تشير الى طموحاته الاستراتيجية التي ظهرت. الحادثة في الاسبوع الماضي في محافظة ديالي في شرق بغداد اوضحت ايضا أن الجيش العراقي الذي اعيد تأهيله والذي انسحب بذعر من المعركة ضد داعش في 2014، هو بدرجة كبيرة خدعة. الحكومة العراقية نفسها قالت إن الهجوم في ديالي الذي قتل فيه 11 جندي انتهى بهذه النتيجة المخيفة بسبب الاهمال والتقصير للقوات التي لم تنجح في الرد باطلاق النار على المهاجمين. 

في القاعدة العسكرية التي هوجمت كان يجب أن يكون 70 جندي حسب المعايير. ولكن فعليا كان هناك فقط 12 جندي. حسب اقوال اعضاء البرلمان في بغداد فان هذا دليل واضح على عمق الفساد في الجيش وفي وزارة الدفاع المسؤولة عنه. يبدو أن ظاهرة “الجنود الاشباح” ما زالت لم تجتث حتى الآن. هؤلاء هم جنود مسجلون ضمن القوة البشرية لوحداتهم، وحتى أنهم يتلقون الرواتب. ولكن في الحقيقة هم غير موجودين. كل تسجيلهم استهدف كسب المزيد من الميزانيات التي تنتقل لجيوب قادتهم. تقارير اخرى تتحدث عن الصيانة المعيبة في قواعد الجيش وعن أن الاضواء لم تعمل وعن اجهزة اتصال معطوبة، وبالاساس غياب التنسيق بين الجيش العراقي والقوات الكردية القريبة من المدينة، التي كان يمكنها مساعدة الجنود.

بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق في نهاية كانون الاول وخلفت وراءها فقط مدربون ومرشدون، وعلى خلفية التصريحات المتفائلة التي تم دحضها على الارض والتي بحسبها الجيش العراقي وقوات الامن الاخرى مؤهلة وقادرة على مجابهة التهديدات الداخلية، من بينها داعش، فانه في واشنطن وفي بغداد تزداد المخاوف من أن الولايات المتحدة يمكن أن تجد نفسها متورطة مرة اخرى في المعركة العسكرية في الدولة التي انسحبت منها. ولكن في هذه المرة ربما سيكون التدخل معقد اكثر ازاء الظروف السياسية والاقليمية.

ليس فقط العراق هو الذي يكتنفه الضباب السياسي الخطير الذي يمنع تشكيل حكومة جديدة، بعد اربعة اشهر على الانتخابات، بل ايضا المحادثات النووية مع ايران والاشارات حول استعداد النظام الايراني لاجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، ستجبر واشنطن على اظهار المزيد من الحذر في كل ما يتعلق بالتدخل العسكري في العراق. ايران تعتبر الجارة مجال حصري للهيمنة وتعتبر نفسها شريكة في تاسيس نظامها السياسي.

مخاوف اردوغان

ايضا في اوساط الشركاء الاكراد للولايات المتحدة في الحرب ضد داعش في سوريا يجري صراع ومواجهات داخلية حول مستقبلهم. هؤلاء منقسمون الى معسكرين. الاول يضع آماله على واشنطن والثاني يميل الى تعزيز العلاقات مع روسيا والتصالح مع نظام بشار الاسد. داعش هو في الحقيقة العدو المشترك للمعسكرين. ولكن اذا كان الامريكيون استطاعوا حتى الآن من الاعتماد على جبهة كردية موحدة، فانه الآن من الصعب تقدير مستوى الاستعداد لدى الطرفين للتعاون من اجل شن معركة ناجعة.

في 2015 شكلت الولايات المتحدة “القوات السورية الديمقراطية” (اس.دي.اف)، وهي ميليشيا كردية كان يشارك فيها ايضا مقاتلون من اصل عربي وتركماني. ودمجهم استهدف التغطية على الهوية العرقية للميليشيا وعرضها وكأن هدفها العمل ضد داعش، مع ازالة مخاوف تركيا من وجود قوة عسكرية كردية نقية. اثناء الحرب ضد داعش اظهرت المليشيا وشركاءها نجاعة وشجاعة كبيرة وتحولت الى القوة الاكثر نجاعة في المعركة.

لكن تركيا لم تقتنع بهذا التمويه. وحتى الآن هي تعتبر القوات الكردية تهديد لامنها القومي، بالاساس بسبب أن المقاتلين من حزب العمال الكردستاني (بي.كي.كي) شركاء كاملين فيها. على هذه الخلفية تطورت المواجهة السياسية بين تركيا وامريكا، التي تعتبر من قبل الرئيس رجب طيب اردوغان مؤيدة للارهابيين الذين تحاربهم انقرة منذ اربعين سنة تقريبا. احد الشروط الاساسية لتركيا من اجل ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة هو وقف تقديم الدعم للاكراد. ولكن تركيا ايضا اصبحت ترى أن روسيا تدعم الاكراد وتعتبرهم عنصر حيوي في عملية المصالحة الوطنية التي تحاول، بدون نجاح حتى الآن، الترويج لها في سوريا. عندما اعلن الرئيس الامريكي السابق، دونالد ترامب، عن قرار سحب القوات من سوريا فانهم في انقرة رأوا في ذلك فرصة للسيطرة على مناطق واسعة في شمال سوريا وطرد الاكراد من منطقة الحدود. ولكن الضغط العام والسياسي في الولايات المتحدة ضد قرار ترامب دفعه لتأجيل تنفيذه. المساعدات العسكرية والتمويل للاكراد لم تتوقف، بل ازدادت. والبيت الابيض سمح لشركة النفط الامريكية “دلتا كريسنت” بتطوير وتسويق النفط في المناطق اكردية، وبالتالي خلق مصدر دخل جيد للاكراد، رغم أن النفط يعودي بشكل رسمي للحكومة السورية. وبيع النفط الكردي لسوريا خرق العقوبات التي فرضتها الادارة الامريكية على الاسد.

بعد ذلك قررت ادارة بايدن الغاء الاعفاء من العقوبات الذي اعطاه ترامب لشركة النفط. ولكن الاكراد الذين يسيطرون على معظم حقول النفط في شمال سوريا يواصلون بيع النفط لنظام الاسد بشروط ممتازة. من ناحية انقرة هذه اثباتات كافية على خيانة الولايات المتحدة لمصالح تركيا. ولكن الاكراد الذين اعتبروا موقف امريكا دليل على التحالف الاستراتيجي مع واشنطن لم يتوقفوا عن السؤال حول هل ومتى ستقرر واشنطن ادارة الظهر لهم وأن تفضل تركيا عليهم. 

خارطة الطرق الكردية

الخلافات الداخلية الكردية تطورت على خلفية ما يعتبر سياسة انفصال لبايدن عن الشرق الاوسط، التي وجدت التعبير في الانسحاب من افغانستان والعراق. الاكراد يخافون من أن هذه السياسة ستؤدي ايضا الى انسحاب 700 جندي امريكي من سوريا. عدم اليقين هذا اثار مؤخرا، بصورة اشد في الاسابيع الاخيرة، خلافات بين المنظمات الاعضاء في “بي.كي.كي” التي تسمى قوة “قنديل”، على اسم جبال قنديل في العراق، التي توجد فيها بؤرة نشاطهم وبين القوات الكردية السورية الاخرى. 

حزب العمال الكردي يدفع نحو المصالحة مع نظام الاسد وصياغة خارطة طرق تضمن حقوق ومكانة الاكراد في الحكومة التي ستشكل في اعقابه. بهذا فانهم يستندون الى التحالف التقليدي بين الاسد وزعيمهم عبد الله اوجلان، المسجون في تركيا منذ 1999. الجناح الكردي الآخر بقيادة مظلوم عبدي، القائد الاعلى لـ اس.دي.اف يسعى الى تعميق العلاقة مع الولايات المتحدة ويعتبرها درع حيوي للبقاء العسكري والسياسي لقواته وللمحافظات الكردية ذات الحكم الذاتي، وايضا ركيزة ضرورية للصراع الذي يشنه الاكراد ضد تركيا. 

الخلافات السياسية خلقت بطبيعة الحال ايضا صراعات شخصية بين عبدي والممثل الاعلى في “بي.كي.كي”، الدار خليل، على السيطرة على المحافظات الكردية وعلى املاء الخط السياسي. في هذا المرجل يمكن للمرء ايضا أن يجد اصابع ايران التي تدعم حزب العمال الكردي وجهوده للمصالحة مع نظام الاسد. بهذا فهي تريد أن تحقق ايضا الهدوء في المحافظات الكردية في الغرب. النتيجة في هذه الاثناء هي أنه حسب خارطة تقسيم الولاءات الكردية بين روسيا وسوريا وايران من جهة، وبين الولايات المتحدة من جهة اخرى، يصعب العثور على المسار الذهبي الذي يمكن بواسطته بناء مصالحة كردية أو التوصل الى حل سياسي للازمة في سوريا.

هذه الشروخ بين الحركات والقوات التي يجب عليها اظهار التضامن الاستراتيجي والفكري، هي بالضبط الشروخ التي يبحث عنها داعش من اجل العمل وزيادة قوته. وقد وجدها في سوريا في 2011 عندما منحته الحرب الاهلية والانقسام الداخلي بين مليشيات المتمردين السوريين مجال واسع للعمل. وقد عثر عليها في العراق ايضا في المواجهات بين الحكومة الشيعية وبين الاقلية السنية التي تمت ملاحقتها واضطهادها من قبل النظام. هو يحاول زيادة قوته في افغانستان وفي مناطق التماس بين قوات طالبان. وهكذا فعل في شبه جزيرة سيناء عندما نجح في تجنيد عدد من القبائل البدوية التي عانت من قبضة القاهرة الحديدية.

كما يبدو الهجمات الصدفية لداعش في سوريا وفي العراق تعتبر باهتة مقابل حملة الاحتلالات التي قام بها التنظيم في السابق. ولكن بالتحديد في الفترة التي فيها نشاط منظمات ارهابية اسلامية، مثل داعش والقاعدة بفروعها، يبدو منضبط أو بعيد عن الحماسة والتصميم من العقد السابق، يجدر أن نتذكر الرؤية التي تتجاهل وتستخف والتي ميزت الدول العربية والغرب تجاه هذه التنظيمات في البداية، وبالمفاجأة والصدمة التي نجحت في احداثها عندما كان يبدو أنه لن تقوم لها قائمة.