لم يتوفف رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت عن تصريحاته، بمعارضة إقامة دولة فلسطينية، ومفاوضات سياسية وأنه لن يلتقي بالرئيس، محمود عباس. وكرر موقفه الرافض لذلك خلال سلسلة مقابلات مع الصحف الإسرائيلية، وأنه لا يبدي أي إهتمام للسلطة الفلسطينية، وقلل من أهمية اللقاءات التي عقدها عدد من المسؤولين فيها مع وزير الأمن بيني غانتس، ووزير الخارجية يائير لابيد.
وأن هذه اللقاءات لا تخرج عن الانفاقات الموقعة مع الشركاء في الحكومة خاصة لبيد، والحفاظ على الوضع القائم، وهي ضمن المقام المشترك المتفق عليه، وأن التعامل مع الفلسطينيين، في الضفة الغربية وقطاع غزة، سيكون اقتصاديا فقط.
تصريحات بينت توضح السياسات والممارسات الصهيونية تجاه الفلسطينيين عموماً سواء فلسطينيي الداخل أوالفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة عمومًا منذ النكبة، وحتى وقتنا هذا. وتتجلى هذه السياسة في مزيد من الاستيلاء على أكبر قدر من أرض والاستيطان فيها وتهويدها، وتحقيق أغلبية يهودية، وتغيير الهوية الفلسطينية لتلك المناطق.
وهذا ما تحاول القيام به حكومة بينيت في النقب وعمليات تحريش القرى التي يسكنها الفلسطينيين، وممارسات الشرطة والقمع الشديد بزرع مئات أفراد الشرطة لتخويف وردع البدو في النقب.
واستحضر بينت مصطلح "الجدار الحديدي" الذي وضعه زعيم التيار التنقيحي في الحركة الصهيونية، زئيف جابوتينسكي، ويعني استهداف "العدو العربي" بشكل هائل ومواصلة هذا الاستهداف حتى بعد استسلامه، في اشارة إلى ما جرى في النقب والاحتجاجات في الداخل الفلسطيني في أيار/ مايو الماضي، على خلفية العدوان على غزة، وهبة القدس والشيخ جراح. والتهديد الصريح لفلسطيني الداخل، وقال: سنقيم جدارا حديديا مقابل انعدام القدرة على الحكم، والانفجار الذي جرى خلال "حارس الأسوار" زعزعنا جميعا. ماذا سيحدث في حرب مقابل حزب الله في الشمال؟ لا ننقل دبابات عن طريق وادي عارة؟ نحن ملزمون بالقدرة على الحكم.
بينيت ربط ما يجري في انحاء فلسطين، في الداخل والضفة والقطاع، وارسال رسائل تهديد واضحة باستهداف الكل الفلسطيني، وقال أننا نزيد قواتنا العسكرية بشكل كبير، ونستثمر الكثير في أدوات لم تكن بحوزتنا. في المقابل قال: أنا لست أقل شدة في تعزيز الاقتصاد، في غزة وفي الضفة الغربية، وينبغي تعزيزه بقدر الإمكان بالنسبة لي.
الواقع أن السياسة الإسرائيلية المعتمدة هي سياسة الأمر الواقع المستمرة منذ سبعة عقود، واستمرار الإستيطان والمخططات الاستيطانية والحلول الأمنية، والتنكر لحقوق الفلسطينيين، والسياسة الأن هي ذاتها كما في السابق، وهي أكثر وضوحا في التعامل معهم، وأنه لا مكان لما يسمى مشروع تسوية. بل ممنوع عليهم التفكير في ذلك. وكل ما هو مطروح حتى تحت ما يسمى تقليص الصراع، هي مجرد تسهيلات واشغالهم بمشاريع اقتصادية تبعية، من خلال وعود ولقاءات من دون جدوى، واجبارهم على القبول بانهم مجرد سكان تحت الامر الواقع ولا يتمتعون بأي حقوق سياسية.
ومع الإدراك في إسرائيل أن الجبهة الفلسطينية هي الاكثر خطورة وسخونة وأحداثها مفاجأة أكثر من جبهات أخرى، كما تعتبرها الدوائر الأمنية والبحثية العسكرية وأنها قابلة للانفجار، وأن الساحة الفلسطينية هي الأكثر خطورة على الأمن الإستراتيجي الإسرائيلي من أي وقت، وتصريحات بينيت تؤكد ذلك.
وبالنظر للسنوات الماضية والتطورات التي حدثت سواء في قطاع غزة القابل للانفجار والتصعيد في أي وقت، ولم تستطع إسرائيل بكل قدراتها وضع حلول جذرية أو توقعه كما حدث في أيار/ مايو الماضي، وانعكاس ذلك على مجمل الأراضي الفلسطينية وكافة تواجد الفلسطينيين.
وفي الضفة الغربية لم تتوقف مقاومة الفلسطينين برغم القيود والإجراءات الامنية المستمرة والاعتقالات اليومية، وخلال الفترة الماضية تتصاعد المقاومة، وعملية طعن أو إطلاق نار قد تعقد جميع الأوضاع في الضفة والضغط على عصب مجمل الإسرائيليين واستنفار دولة الاحتلال وجميع أجهزتها.
وعادة ما ينعكس ذلك على فلسطيني الداخل وفي قلب المدن الإسرائيلية، كما حدث العام الماضي، أو كما يجري في النقب الآن، وحالة التضامن الشعبي الفلسطيني في الضفة وغزة والقدس والداخل، وهو قد تكون بروفة لما حدث اثنا العدوان على غزة.
ما ينبغي توضيحه، سواء كان بينيت وشركاؤه في الحكومة من اليمين وما يسمى اليسار الصهيوني مستمرون في تنفيذ واستكمال المشروع الصهيوني، بمزيد من السيطرة على الارض وتهويدها سواء في النقب أو الضفة أو غيرها من المناطق الفلسطينية، بل يزدهر وينمو برغم مقاومة الفلسطينيين. لكن يبقى التحدي أمام الفلسطينيين هو انحطاط الوضع الفلسطيني الداخلي، ويتجلى ذلك في استمرار الإنقسام وتعميقه، من خلال إعادة انتاج مركبات النظام السياسي وأطره القيادية من خلال عقد المجلس المركزي، والتي فشلت في تجقيق أهداف الشعب الفلسطيني، بل تسعى تلك القيادة، التي تراجع دورها إلى ترسيخ مشروعها، على الرغم من تنكر قيادة المشروع الصهيوني لحقوق الفلسطينيين.
ويبدو أن القيادة التقليدية للفلسطينيين لا ترى ما يجري حولها من غضب، ومقاومة الفلسطييين في غزة والضفة والداخل الفلسطيني خاصة هبة النقب، وما جرى في القدس العام الماضي، وإيمان الفلسطينيين في جميع أماكن تواجدهم بالمقاومة واستعدادهم للتضحية والمضي في النضال، وهي الطريق والمسار الوحيد لانتزاع حقوقهم خاصة بعد فشل ما يسمى مشروع التسوية.
الحقيقة الأكثر سطوعاً في مواجهة تهديد بينت وجداره الحديدي والمشروع الصهوني هي غياب القيادة الوطنية الجامعة، المؤمنة بنضال الفلسطينيين وتجربتهم السابقة والقريبة والمستمرة.
وبدل من استمرار الاجتماعات مع المسؤولين في حكومة اليمين الاستيطاني، يجب تكثيف الاجتماعات الفلسطينية الداخلية وعقد حلقات الحوار، وتأجيل انعقاد المجلس المركزي، من أجل إعادة بماء منظمة التحرير الفلسطينية، على أسس تشاركية وحدوية ديمقراطية ونضالية، من أجل حماية المشروع الوطني الفلسطيني، وتعزيز صمود الفلسطينيين ورعاية واحتضان مقاومتهم وحمايتها.
ودعم وتعزيز صمود الفلسطينين في الخارج خاصة في المخيمات، واستثمار امكاناتهم وطاقاتهم الحيوية، في مواجهة التغول الصهيوني والجرائم التي ترتكب بحق الفلسطينيين.