في إحاطة للمراسلين العسكريين، بداية هذا الشهر، أعلن رئيس الحكومة البديل، يائير لابيد: "حتى عندما سأصبح رئيس الحكومة، فإننا لن نجري مفاوضات مع الفلسطينيين" (3/1). بهذا انضم لرئيس الحكومة، نفتالي بينيت، الذي قال في مقابلة مع "نيويورك تايمز" في آب الماضي: "لن تضم هذه الحكومة مناطق ولن تقيم دولة فلسطينية". يخدم تصريح لابيد بالأساس رؤية بينيت، المستعد للاكتفاء بالوضع الراهن، والذي ليس إلا استمراراً للضم الزاحف الذي يتمثل اليوم أيضاً ببناء واسع في "يهودا" و"السامرة".
على فرض أن التناوب سيحدث، فإن هذا التصريح يؤكد على أنه للسنتين الضائعتين لبينيت ستضاف أيضاً سنتان عاقرتان، فيها ستواصل إسرائيل السير في الطريق إلى فقدان الحلم الصهيوني والشريك الفلسطيني.
يعلمنا تاريخ النزاع أنه في الحركة الصهيونية كان هناك في البداية خطان سياسيان، وهما تأسيس دولة يهودية ديمقراطية في كل "أرض إسرائيل"، أو دولة واحدة لكل سكان البلاد. الخط الأول، السائد، حاولت الصهيونية تجسيده عبر دمج ثلاث إستراتيجيات عمل أساسية، وهي هجرة واستيطان، سلام اجتماعي وترحيل طوعي أو قسري للفلسطينيين. ولم ينجح أي واحد من خطوط السياسة ولا أي من هاتين الإستراتيجيتين في حل النزاع أو تحقيق الأهداف الثلاثة الرئيسة للحركة الصهيونية: "أرض إسرائيل"، ديمقراطية، وأغلبية يهودية. هكذا ولد خط سياسي ثالث وهو التقسيم إلى دولتين.
قرار حكومة بينيت – لابيد تبني خط سياسي يتجاهل الحاجة إلى تسوية النزاع يبقي الساحة السياسية مكشوفة لعوامل تريد الدفع قدماً بالخطوط السياسية والإستراتيجيات التي فشلت في السابق، وليس فيها ما يمكنه أن يجلب إشارة الآن. وتتجاهل كل الحكومة الخط السياسي الثالث، الذي هو العبرة من فشل السياسات الأخرى، والذي يؤيده الآن معظم الجمهور، وما زال لم يستنفد. يشجع هذا التجاهل خطاً سياسياً رابعاً وهو الأبارتهايد، الذي يقترحه جزء صغير من الجمهور اليهودي، وهو يهدد الحلم الصهيوني.
من أجل تجسيد الحلم الصهيوني تبنت الحركة الصهيونية خطاً سياسياً يتمثل بإقامة دولة ديمقراطية مع هوية يهودية في كل "أرض إسرائيل". الإستراتيجية الأولى من أجل ذلك كانت هجرة جماعية واستيطاناً. وحقيقة أنه عشية إقامة الدولة اليهودية كانوا يمثلون فقط ثلث سكان البلاد تعني أن هذه الإستراتيجية فشلت لأسباب مختلفة، على رأسها "التأخير القاتل للشعب العبري في بناء البلاد"، كما قال مردخاي نمير في كتابه الذي صدر في العام 1936، ونمو الحركة الوطنية لعرب "أرض إسرائيل"، وسياسة "الكتاب الأبيض" الثالث (1939) والكارثة.
الإستراتيجية الثانية للحركة الصهيونية كانت السعي إلى استبدال الطموحات القومية الفلسطينية بمكاسب اقتصادية. كتب هرتسل في مذكراته في العام 1899: "عندما يسمح بهجرة اليهود الذين سيجلبون معهم ذكاءهم ومهاراتهم المالية ومؤهلات المبادرة لديهم إلى البلاد، فلا شك أن رفاهية كل البلاد ستكون هي النتيجة المفرحة". إن فشل هذه الإستراتيجية شرحه جابوتنسكي في العام 1923 في "الجدار الحديدي": "إن الهذيان بهذا الأمر؛ أن يوافقوا طواعية على تجسيد الصهيونية مقابل تسهيلات ثقافية أو مادية، يمكن أن يجلبها لهم المستوطن اليهودي. إن طرح هذه الأمور ليس له أي أساس". الآن يعود هذا الهذيان، ويجد له مكاناً في الخطاب السياسي، بدءاً بحلم السلام لدونالد ترامب، وحتى سياسة "تقليص النزاع" والسلام الاقتصادي التي تبناها بينيت.
كانت الإستراتيجية الثالثة الترانسفير الطوعي أو القسري للعرب. في العام 1937 قال بيرل كتسنلسون رداً على اقتراح لجنة بيل: إن "موضوع نقل السكان أثار لدينا النقاش: هل هو مسموح أم محرم؟ ضميري هادئ تماماً بهذا الشأن. جار بعيد أفضل من عدو قريب". كتب يوسف فايتس في مذكراته في العام 1940: "لا يوجد مجال للتسوية! يجب نقلهم جميعاً. يجب عدم إبقاء أي قرية أو أي قبيلة، فقط بهذه الطريقة، تهجير عرب إسرائيل، يأتي الخلاص".
فشلت إستراتيجية الترحيل الطوعي إلى أن جاء قرار التقسيم. عارضه الفلسطينيون بشدة. حتى أن أمين الحسيني كتب في مقال في العام 1954 أنه "اتصل مبعوثون بريطانيون معي شخصياً، ومع شخصيات فلسطينية وطنية أخرى، وعرضوا أن ينتقل عرب فلسطين إلى شرق الأردن – هناك ستعطى لهم أرض هي ضعف الأرض التي يمتلكونها. واقترحوا أن يدفع اليهود لهم كل الأموال المطلوبة لتطبيق هذا العرض. كان من الطبيعي أن يرفضوا هذا الاقتراح المضحك".
لكن إستراتيجية الترحيل القسري حظيت بالنجاح على خلفية "حرب الاستقلال" بعد أن رفض العرب قرار التقسيم. في 17 حزيران 1948 كتب موشيه شريت في مذكراته: "الفرصة التي يفتحها أمامنا الوضع الحالي لحل، مرة واحدة إلى الأبد وبصورة جذرية، المشكلة الأكثر إزعاجاً للدولة اليهودية (أغلبية عربية – الكاتب) هي أكبر بكثير مما توقعنا. حيث علينا استغلال الفرصة التي أتاحها لنا التاريخ، قدر الإمكان، بصورة سريعة وغير متوقعة. النتيجة: الميزان الديموغرافي في نهاية الحرب استقر داخل الخط الأخضر على نسبة 16: 84 لصالح اليهود. هذه الإستراتيجية لم يتم نسيانها، ومنذ حرب "الأيام الستة" هي ترافق الخطاب السياسي في إسرائيل، من أفكار الترانسفير لرحبعام زئيفي وحتى اقتراحات بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
فشل الإستراتيجيات الثلاث دفع القيادة الصهيونية إلى التخلي عن الخط السياسي الأول والموافقة على التنازل عن جزء من البلاد. أيضاً الآن هذه الإستراتيجيات هي غير ممكنة: نسبة اليهود الذين يعيشون بين البحر والنهر هي 48 في المئة فقط، ويتوقع أن تنخفض إلى الثلث في 2050. رفض الفلسطينيين مبادرة ترامب يدل على أنه لا يوجد شريك فلسطيني في "السلام الاقتصادي" أو "تقليص النزاع". والترانسفير الطوعي أو القسري لا يوجد له أي احتمال. بناء على ذلك نقول لبينيت والآخرين الذين يؤمنون بأن الوقت في صالحنا: إنه على المدى المتوسط والبعيد لا توجد أي احتمالية لهذا الخط.
في موازاة الخط السياسي الأول، فإن الخط السياسي الثاني لإقامة دولة واحدة ديمقراطية يؤيده جزء صغير من القيادة الصهيونية، أعضاء "تحالف السلام". كتب يهودا مغانس في العام 1925 أنه "يجب شق طريق تفاهم بين العبريين والعرب لخلق حياة مشتركة في أرض إسرائيل على أساس المساواة الكاملة في الحقوق السياسية للشعبين". فشل هذا الخط؛ لأن الواقع الديموغرافي والجغرافي في "أرض إسرائيل" لم يسمح بإقامة دولة مع أغلبية يهودية. وكتب دافيد بن غوريون لابنه عاموس في العام 1937: "ما نريده ليس أن تكون البلاد كاملة وموحدة، بل أن تكون يهودية. ليس لدي أي رضا عن أن تكون أرض إسرائيل كاملة عندما تكون عربية". أدى هذا الفهم به إلى تأييد إقامة دولة يهودية على جزء من البلاد، سوية مع حاييم وايزمان، الذي قال في المؤتمر الصهيوني في زيوريخ في تلك السنة: "الخيار الموجود أمامنا هو العيش كأقلية في كل أرض إسرائيل أو أن نتحول إلى أغلبية في جزء من البلاد".
الآن من يؤيدون الدولة الواحدة يتجاهلون أن الواقع الديموغرافي للعام 2022 مع إضافة اللاجئين الفلسطينيين الذين سيحظون كما هو متوقع بالعودة إلى بلادهم، يعني تطبيق الحلم الفلسطيني بدولة، ديمقراطية أو إسلامية، مع أغلبيه عربية ثابتة.
إن فشل هذين الخطين أدى إلى ظهور التقسيم كخط سياسي ثالث. كتب بن غوريون في شباط 1947 لوزير الخارجية البريطاني بيفين: "التسوية السياسية المحتملة والوحيدة هي إقامة دولتين، دولة يهودية ودولة عربية". وافقت الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 على قرار التقسيم 181، الذي لم ينفذ. يمكن التقدير بأنه لم يكن أيضاً لهذا الاقتراح احتمالية كبيرة لضمان تسوية النزاع والاستقرار؛ لأن التقسيم السياسي، الذي يتحدى من ناحية التواصل الجغرافي، رافق وحدة اقتصادية واسعة معقدة وغير قابلة للتنفيذ على خلفية العداء بين الطرفين. الآن، رغم أن الواقع معقد أكثر ومستقطب أكثر مما كان في العام 1947، إلا أننا نشهد تجدد فكرة الاتحاد الاقتصادي، والكونفدرالية، بصور مختلفة، تهدد الحلم الصهيوني.
في السنوات الأخيرة تسمع في أوساط الجمهور اليهودي أصوات تطالب بتبني خط سياسي رابع وإقامة دولة إثنوقراطية يهودية، أي أبارتهايد. تطرقت القانونية روت غبيزون إلى ذلك وكتبت في العام 2009: "في المستقبل المنظور، لن يستطيع الشعب اليهودي إعالة نفسه كما يجب، مادياً وهوياتياً وثقافياً، دون دولة يهودية. ولكن من أجل الإبقاء على دولة يهودية ديمقراطية يجب أن يكون في الدولة أغلبية يهودية كبيرة. دون هذه الأغلبية لا يمكن تسوية التوتر بين السيادة التي هي غير محايدة، سيادة يهودية، وبين نظام ديمقراطي حقيقي يمنح حقوق إنسان كاملة لكل مواطنيه".
هذا الفهم بخصوص فشل الخطين السياسيين الأول والثاني، وعدم إمكانية تطبيق الخط الرابع، استوعبه الجمهور الإسرائيلي اليهودي، الذي يريد تطبيق الخط السياسي الثالث. في الاستطلاعات التي أجرتها الدكتورة تسيبي يسرائيلي من معهد بحوث الأمن القومي في العام 2021 وجد أن 53 في المئة من الجمهور يؤيدون حل "الدولتين لشعبين" (الخط السياسي الثالث)، و61 في المئة يؤيدون فكرة "على دولة إسرائيل أن تنفذ الآن خطوات للانفصال عن الفلسطينيين من أجل منع واقع تشكل دولة واحدة ثنائية القومية" (أي أنهم يؤيدون الخط السياسي الثالث ويرفضون الخط السياسي الثاني)، و9 في المئة يؤيدون "دولة واحدة دون إعطاء حقوق متساوية للفلسطينيين في المناطق" (الخط السياسي الرابع)، وفقط 5 في المئة يؤيدون "دولة واحدة ثنائية القومية مع مساواة" (الخط السياسي الثاني). يجدر التأكيد لبينيت ولابيد أنه فقط 18 في المئة من الجمهور يعتقدون أن "الخيار الأفضل لإسرائيل" هو "استمرار الوضع الراهن".
يجب أن تطبق هذه المواقف في سياسة الحكومة، وتلزمنا بأن نتبنى من جديد تقسيماً كاملاً لدولتين (مع ترتيبات كونفدرالية محدودة)، على قاعدة خطوط 1967. هذا البديل، الذي يتناسب مع الموقف الأساسي الفلسطيني في العملية السياسية منذ 1988 تم عرضه من قبل إسرائيل للمرة الأولى فقط في أنابوليس في 2008، ومات بسرعة عند انتخاب بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة في العام 2009.
بينيت، الذي أدار عينيه على قبر بن غوريون، يفضل التنكر للحاجة إلى الانفصال السياسي عن الفلسطينيين ضمن اتفاق. ولكن لابيد يجب أن يحول تصريحات الانفصال إلى أفعال، وألا يضيع أربع سنوات ثمينة، فيها خطر اختفاء الشريك الفلسطيني كبير جداً. لقاءاته مع المرشحين لوراثة محمود عباس خطوة مهمة في هذا الاتجاه، لكنها غير كافية.
المسؤولية عن سياسة التجاهل هذه لا تقع فقط على بينيت ولابيد، بل على جميع أعضاء الحكومة الذين يؤيدون حل الدولتين، مثل ميراف ميخائيلي ونيتسان هوروفيتس. الحكومة، التي بسبب التشكيلة الائتلافية غير قادرة على مواجهة المشكلة الأهم، النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، لا يوجد لها حق في الوجود حتى لو نجحت في إبعاد نتنياهو عن النظام السياسي.
عن "هآرتس"