في العقدين الأخيرين حقق العلماء إنجازات هائلة في شتى المجالات، بعضها غيّر حياتنا بالكامل، وبعضها بدرجات أقل، لكنها في المجمل سيكون لها أثر حاسم على مستقبل البشرية.. إذ إنها أسست لعهد جديد كليا، سيشكل نقطة تحول تاريخية، تماماً كما افتتحت الآلة البخارية عصر الثورة الصناعية، وكما أتاح اكتشاف الكهرباء اختراع ما لا حصر له من الأجهزة، وكما دشن الإنترنت ثورة المعلوماتية والاتصالات.
في هذه الفترة القصيرة جداً من عمر البشرية، تحققت إنجازات تفوق بأهميتها ما تحقق طوال العصور الماضية، والأهمية المقصودة هنا قدرتها على إحداث التغيير، كما فعلت من قبلها بقية الاختراعات والاكتشافات، فهي نتاج لها، وثمرة تراكماتها.
وإليكم تلخيصاً لأهم تلك المنجزات:
الإنجاز الأضخم، والأكثر تكلفة إنشاء المركز الأوروبي للأبحاث النووية "سيرن" على الحدود السويسرية الفرنسية، وهو ثمرة أكبر تعاون علمي دولي على الإطلاق، بعد محطة الفضاء الدولية، ويعتبر أضخم معجّل تصادمي للجزيئات في العالم، وطوله 27 كيلومتراً، يهدف إلى فهم أفـضل لنشـأة الكون من خلال محاكاة نظرية الانفجار العظيم، بخلق تصادمات في سرعة تقارب سرعة الضوء؛ ضمن سلسلة تجارب ستغير نظرتنا إلى العالم وإلى نشأته. رغم أنها أثارت مخاوف البعض من إمكانية إحداث ثقب أسود، قد يلتهم كوكب الأرض.
وفي مجال الفضاء، تم إطلاق تلسكوب "جيمس ويب" العملاق، ليحل مكان تلسكوب "هابل"، وهو ثمرة جهد 25 عاماً بين علماء ناسا وعلماء مؤسستي الفضاء الأوروبي والكندي، ومن المؤمل أن يجيب عن الكثير من التساؤلات التي شغلت بال البشرية.
كما رصد العلماء دليلاً جديداً على الانفجار الكبير، وهي النظرية التي تصف التوسع المذهل للفضاء، الذي حدث منذ 13.8 مليار عام. حيث لاحظوا دليلاً مباشراً على هذا التمدد الكوني في شكل موجات الجاذبية، وتموجات حرفية في الزمكان المتبقي بعد الانفجار الكبير.
كما اكتشف العلماء أقرب كوكب للأرض قد يكون قادراً على استقطاب الحياة، لكنه بعيد جداً.
وأيضاً تم التقاط أول صورة حقيقية لثقب أسود في مركز إحدى المجرات البعيدة.
كما هبطت أول مركبة فضائية "فينيكس" على سطح المريخ بالقرب من قطبه الشمالي، والتقطت صوراً للكوكب الأحمر في غاية الدقة، وأخذت عينات من تربته ليتبين للعلماء احتواؤها على جليد مائي.
فيما يواصل مسبار "فوياجر1" رحلته في أقاصي الكون، بعد أن غادر المجموعة الشمسية قاطعاً 20 مليار كيلومتر، ما يعادل 130 ضعف المسافة بين الشمس والأرض.
الإنجاز الأبرز، والذي سيطور الطب وسينقل علم الأحياء إلى مستوى جديد، هو فك رموز الجينوم البشري بأكمله، والكشف عن تفاصيل البنية البشرية على المستوى الجزيئي.
وهذا الاختراق مكّن من تطوير علم الأحياء الاصطناعية، حيث تمكن علماء من إنشاء أول عضو حيوي باستخدام جينوم اصطناعي، وذلك بتجميع جينوم بكتيريا من أكثر من مليون زوج من الحمض النووي، ثم تصميم أصغر ميكروب اصطناعي، مكون من 473 جيناً فقط، ثم إنشاء 5 كروموسومات خميرة اصطناعية؛ والتي يمكن تعديلها لتصبح مضادات حيوية مصنعة، أو إنشاء اللحوم المزروعة في المختبر.
وفي مجال الطب أيضاً، بعد الاستنساخ، تمكن العلماء الأميركيون واليابانيون من زراعة الخلايا الجذعية الجنينية من خلايا الجلد البشرية. بطريقة لا تنتهك المعايير الأخلاقية، وتضمن ألا يرفضها الجسم.. كما تم عن طريق الخلايا الجذعية اختراع أول دواء يشفي مرضى السكري كليا. وكذلك تصنيع أول قلب صناعي، وهو جهاز بديل عن القلب تتم زراعته في جسم الإنسان؛ إما مؤقتاً أو بشكل دائم إذا استعصت زراعة قلب بشري للمريض. كما تم تصميم يد صناعية ذكية تتحرّك بقوة التفكير.
في مجال التكنولوجيا، حدثت اختراقات مدهشة في تقنيات النانو وألياف الكربون، والذكاء الاصطناعي والروبوتات، وتم اختراع الطابعات ثلاثية الأبعاد، واكتشاف تقنية البلوتوث لربط أجهزة الاتصال مع بعضها البعض ونقل المعلومات المُحمّلة عليها، كما تم اختراع الأسطح الذكية، ولوحات المفاتيح الافتراضية، والشاشات التي تعمل باللمس، والهواتف الذكية، وشبكات التواصل الاجتماعي، وتقنيات الاتصال المرئي والمسموع.. وازدهار ظاهرة التسوق الإلكتروني، ونشوء شركات التوزيع العملاقة مثل أمازون، وعلي بابا.. وتصنيع السيارات الكهربائية والهايبريد، وسيارات ذاتية القيادة، وابتكار خارطة غوغل التي تغطي كافة المواقع على الكوكب، بما فيها خرائط شبكة الطرقات بتقنية GPS.
كما ظهرت شبكات الجيل الخامس من الإنترنت؛ فقد نجحت سامسونج وهاواوي في اختبار شبكة 5G بقدرة اتصال سرعتها 1 جيجابايت في الثانية، ويمكن أن تصل إلى 8 جيجابت في الثانية، ما سينعكس على عملية معالجة البيانات وتحليل البيانات الضخمة بسرعة قياسية.
وبالتأكيد، في الفروع والتفاصيل سنجد عشرات الاختراعات والاكتشافات المهمة الأخرى.. ما هو أهم من ذلك، معرفة موقعنا مما يجري في العالم، أين نقف؟ وفي أي اتجاه نسير؟ وإلى أين ممكن أن نصل؟
نحن الآن في العام 2022، وإذا رجعنا قليلاً للوراء، سنجد أن العقدين الأخيرين مرا علينا بسرعة رهيبة، وإذا نظرنا قليلاً للأمام، سنجد أن العام 2040، يقترب إلينا بأسرع مما نتصور، فهو أقرب إلينا من العام 2000! وبناء على ما تحقق مؤخراً لك أن تتخيل شكل وطبيعة العالم في العام 2040.
أمام هذه المفارقة المدهشة، والصادمة، ينبغي أن نعيد التفكير في واقعنا ملياً.. وأن نتذكر حصادنا في تلك السنين: استفحال فساد الأنظمة العربية، ما أدى إلى نشوب ثورات الربيع العربي، والتي أنتجت واقعاً جديداً لا يقل فسادا!
كل هذه السنين، وقبلها، ونحن غارقون في التخلف، والفوضى، وفي الحروب الأهلية، والتفجيرات، والإرهاب، والصراعات القبلية والطائفية، وإعادة إنتاج النظم الاستبدادية.. كل هذا لأننا نرفض الاعتراف بحقيقة المشكلة، وعاجزون عن فهم جوهرها، لأننا غارقون في التفكير الماضوي السلفي، ولأننا نعادي العالم بأسره، ونرفض الاندماج في الحضارة الإنسانية.
الحقيقة يا سادة يا كرام، أننا كعرب ومسلمين منقطعون عن العالم، ومنفصلون عن الواقع، ومتخلفون عن ركب الحضارة بسنوات ضوئية.. رغم أن الكثير من الاختراعات والاكتشافات التي حدثت مؤخراً تمت على أيدي علماء عرب، ولكنها تمت في مختبرات وجامعات ومراكز علمية تقع في بلاد الغرب "الكافر"..
وإذا بقينا على هذا المنوال، سنكون من الشعوب المهددة بالانقراض.