هآرتس – عملاء النظام يلاحقون اللاجئين السوريين في ألمانيا

تسفي-برئيل.jpeg
حجم الخط

تسفي برئيل – هآرتس

 

كان شارع زوناهالا يفصل بين برلين الغربية والشرقية، وبعد سقوط سور برلين جذب إليه آلاف الشباب والفنانين ومحبي أغنيات البوب وأصحاب مطاعم ومقاه، الذين صبوا فيه حياة جديدة وصاخبة. بعد مرور 25 سنة، بدأ سكان هذا الشارع المفعم بالحياة يتغيرون. عندما قررت ألمانيا استيعاب نحو مليون لاجئ سوري، توجه كثير منهم إلى زوناهالا، الذي حمل اسم “الشارع العربي” سابقاً بسبب سكانه اللبنانيين، والأتراك الذين بدأوا يسكنون فيه منذ السبعينيات، والآن يسمى “سوريا الصغيرة”، مطاعم جديدة بأسماء مثل “دمشق” و”حلب” و”شام”، ومقاهٍ تعرض الكنافة والبقلاوة تم افتتاحها بسرعة، في الوقت الذي تبعد فيه مؤسسات اللهو القديمة والسكان الألمان الذين بحثوا لأنفسهم عن مأوى من الجيران الجدد الذين لا يتحدثون لغتهم، وهم غريبون عن ثقافتهم ويظهرون كمهددين.

ليس وحدهم السكان الألمان هم الذين يتجاوزون زوناهالا، فهذا فراس فياض الذي يعيش في ألمانيا منذ ست سنوات، يحذر جداً من زيارة هذا المكان. “بالنسبة لشخص معروف بأنه يعارض هذا النظام، فمن الخطر التجول هنا”، قال في مقابلة مع “بي.بي.سي”. فياض سينمائي وكاتب ومخرج ومنتج للأفلام. في العام 2017 أنتج الفيلم الوثائقي “الشخص الأخير في حلب”، الذي كان مرشحاً للأوسكار. وفي 2019 أنتج فيلم “المغارة”، عن طبيب سوري عمل في مستشفى ميداني في مدينة الغوطة في سوريا، وحاز جائزة الفيلم الوثائقي الأكثر قيمة في مهرجان الأفلام في برلين في 2010.

لكن قبل أن يتحول فياض إلى شخصية سينمائية عالمية، قضى وقتاً مخيفاً في سجن المخابرات في سوريا، المعروف برقم 251، الذي تم إرساله إليه بعد اعتقاله عندما صور أحداث العصيان المدني في سوريا، الذي بدأ في 2011. شهادته التي تثير القشعريرة عن تجربته القاسية في السجن، الذي تعرض فيه للاغتصاب من قبل سجان بواسطة عصا، وتم تجويعه وتعليقه من يديه قبل إطلاق سراحه بدون تهمة، كانت الشهادة الأولى من بين 24 شهادة أسمعت في المحكمة في مدينة كوبلنس، التي ناقشت جرائم أنور رسلان، وهو جنرال سوري ورجل المخابرات العامة الذي كان مسؤولاً عن إدارة السجن وتعذيب أربعة آلاف شخص تقريباً، وعن أعمال اغتصاب و27 عملية قتل. رسلان الذي هرب من الجيش السوري إلى ألمانيا في 2014 كان يبدو أنه واثق جداً من نفسه إلى درجة أنه فتح حساباً على “فيسبوك”، فشخّصه أحد ضحاياه الذي وجد ملجأ له في ألمانيا. قبل أسبوعين، حكم على رسلان، أكبر السوريين الذين قدموا للمحاكمة في دولة أجنبية، على جرائم ضد الإنسانية بالمؤبد.

رسلان ليس “اللاجئ” السوري الوحيد الذي يداه ملطخة بالدماء؛ ففي محكمة فرانكفورت يمثل للمحاكمة الطبيب علاء موسى، الذي عمل في المستشفى العسكري “المزة” في دمشق في العامين 2011 – 2012، وبعد ذلك بمستشفى في حمص. وهو متهم بالتعذيب المنهجي لسجناء ومعارضين للنظام. قام في إحدى الحالات بصب الكحول على عضو تناسلي لسجين وأشعله. وفي حادثة أخرى، حقن مريضاً بحقنة موت. هاجر موسى إلى ألمانيا في 2015 وعمل هناك طبيباً حتى العام 2020. ثم اعتقل عقب تحقيقات لقناة “الجزيرة” و”دير شبيغل”، كجزء من مشروع العثور على مجرمي حرب سوريين وصلوا إلى أوروبا. وحسب التحقيق، أجرى موسى اتصالات مع السفارة السورية في برلين، وطلب المساعدة للخروج من ألمانيا عندما عرف أن هويته كشفت. نشرت “دير شبيغل” بأن جهات في السفارة خططت مساراً لخروجه من ألمانيا، لكن الشرطة نجحت في إحباط الخروج واعتقاله.

يتبين أيضاً أنه على الرغم من نجاحهم في الهرب إلى ألمانيا ودول أوروبية أخرى، يعيشون اللاجئون السوريون في خوف دائم من أذرع النظام. على سبيل المثال، قال فياض إنه بعد أن قدم شهادته في المحكمة في كوبلنس تمت مهاجمته في ليلة وطعن. شهود آخرون تحدثوا عن مكالمات هاتفية هدد فيها المتصل بالمس بأبناء عائلاتهم الذين بقوا في سوريا أو المس بهم هم أنفسهم، وفي حالة واحدة على الأقل اضطر أحد الشهود للدخول إلى برنامج لحماية الشهود التابع لحكومة ألمانيا. والخوف يلاحقهم في الشارع أيضاً؛ فهناك يواجه اللاجئون السوريون أحياناً من كانوا يعذبونهم أو الزعران الذين استخدمهم نظام الأسد ضد المتظاهرين، والآن يتجولون بشكل حر وبدون خوف. حسب تقديرات منظمات لحقوق الإنسان، التي تعمل لصالح السجناء السوريين السابقين، فإنه يعيش في أوروبا، لا سيما في ألمانيا، نحو ألف مجرم حرب كهؤلاء. يعمل بعضهم في أماكن عمل منظمة أو أنهم فتحوا مصالح تجارية ويحظون بالحرية التي تعطيهم إياها الحياة في أوروبا.

“ألمانيا، وبشكل خاص المناطق التي يكثر فيها اللاجئون السوريون مثل شارع زوناهالا، تحولت إلى مناطق رعب”، قال أحد اللاجئين في مقابلة صحافية. “لولا ينبع هذا من عدم معرفتك من الذي ستقابله في الشارع، بل لن تكون واثقاً من هم أصدقاؤك. النظام السوري يقوم بتجنيد عملاء في أوساط اللاجئين لإبلاغه عن نشاطاتهم والانتقام من أبناء عائلاتهم”. الأمل الآن هو أن المحاكمات التي تجريها الحكومة الألمانية ضد مجرمي حرب من سوريا، ستجعل هذه الجهات تغادر الدولة وتعود إلى سوريا أو تهرب إلى دول أخرى. ولكن إلى حين حدوث ذلك، سيواصل رعب النظام السوري التحليق فوق رؤوس الضحايا.