الأميركيون.. أحداث وأجيال

جيم زغبي.jpg
حجم الخط

بقلم:جيمس زغبي

 

في كتابه الطليعي الصادر عام 2008، وهو بعنوان «الطريقة التي سنكون عليها»، استخدم شقيقي جون زغبي عقوداً من استطلاعات الرأي كي يرصد ويحدد القيم ووجهات النظر العالمية التي تميز أجيال الأميركيين. وجادل بأن خبرات حياة كل جيل التي يشاركون فيها معاصريهم، مثل الأحداث الحاسمة واللحظات المحورية، شكلت وجهات نظرهم وقيمهم والشعور بما هو ممكن. فجيل والدتي، على سبيل المثال، شكلته الحربان العالميتان والكساد الكبير. وعرف هذا الجيل الضيق والخسائر، ولذا تقشف وادخر كي يحقق الأمن والاستقرار لأفراده ولنسلهم. واشتركوا في التضحية في حروب كبيرة أذكت الشعور الوطني واشتركوا أيضاً في الاعتقاد بأن الحكومات عامل تحفيز بناء وفي الالتزام تجاه الخدمة الوطنية.
وعايش جيلي الحرب الباردة و«الخطر الأحمر». وكان الاختفاء تحت الطاولات المدرسية في تمرينات من حين إلى آخر للتدريب على التعامل مع هجمات نووية لا يوفر أي حماية بل خلق الخوف من القنبلة ومن الشيوعيين الذين قيل لنا إنه من الوارد أن يهاجموننا. ثم جاءت حرب فيتنام والتجنيد الذي أجبر ملايين الشباب على القتال في حرب لا يمكن الفوز بها. والحركة المناهضة للحرب الناتجة عن هذا قسمت الأمة ومزقت الإحساس بالوطنية أيام الحرب الباردة. وفي الوقت نفسه، تصاعدت حركة الحقوق المدنية، ليتحقق لنا ليس فقط التقدم في حقوق الأميركيين الأفارقة لكن أيضاً وعي متصاعد بالظلم العرقي. وأخيراً، روع جيلي حادث اغتيال الرئيس كيندي وشقيقه روبرت ومارتن لوثر كينج وانزواء الرئيس نيكسون. والصدمة الجماعية لهذه الأحداث البارزة تركت البلاد في حالة هلع ومثلت تحديات في نهاية المطاف للثقافة السياسية والاجتماعية السائدة التي شكلت جيلاً.
وخلال فترة بدأت بهدوء نسبي انتهت فيها الحرب الباردة، وشعرت أميركا أنها القوة العظمى الوحيدة المنتصرة، بلغ أبنائي سن الرشد. وكانت هناك مشكلات بالتأكد. فقد أصبحت السياسات الحزبية شديدة الاستقطاب. واتسعت الفجوات الاقتصادية واستمر الغضب من الظلم العنصري. لكن على مدار عقد ونصف، عاش كثيرون بشعور متجدد من الوعد والأمل. وهذا الهدوء مزقته هجمات الحادي عشر من ايلول الإرهابية وما أعقبها من خوف وهستيريا وطنية. وتسببت الحروب في أفغانستان والعراق في خسائر فادحة في الأرواح والصورة الطيبة والهيبة. وفي محاولة لاستعادة الحماسة الوطنية التي دعمت الوحدة الوطنية خلال الحروب الكبرى والحرب الباردة، صعدت إدارة بوش بتنظيم القاعدة وصدام حسين وإيران إلى مستوى التهديدات الوجودية. ومع استمرار الحروب، اتضح أننا لم نعد القوة العظمى الوحيدة. وحل سوء الظن والانقسام محل الوطنية.
ثم حل الركود الكبير بين عامي 2008-2009. ففي غضون بضعة أشهر فحسب، تضاعفت البطالة، وفقد كثيرون مدخرات حياتهم، وواجه واحد من كل خمسة من أصحاب المنازل حبس الرهن العقاري. وفي لحظة القلق الوطني هذه، اُنتخب باراك أوباما رئيساً برسالة أمل وتغيير. وتلا هذا حملة مثيرة للانقسام في موضوعات مستترة وغير مستترة للغاية حول الاستياء العنصري و«الآخر»، مما أفسح المجال لاستقطاب حزبي أعمق، وكراهية للأجانب، وتراجع لثقة الجمهور في المؤسسات التي كانت تحظى بالاحترام، وانتخاب دونالد ترامب في نهاية المطاف. وبعد تتبع هذه الخلفية، يتساءل المرء عن اللحظات والأحداث التي ستشكل حياة أحفادنا أو ستخيفهم.
تفاخر زميل الدراسة لحفيدتي أنه خلال «التمرينات على إطلاق النار» قام بتأمين «أفضل مكان للاختباء» فيه بحيث لا يستطيع مسلح أبداً العثور عليه. ويتقبل الأطفال الآن هذه التمرينات بشكل طبيعي، لأن إطلاق النار الجماعي يحدث يومياً تقريباً، بمعدل إطلاق نار في مدرستين كل شهر. وهذا الجيل يتأثر أيضاً بالانقسام العرقي العميق، والحركات الجماهيرية التي اندلعت رداً على أعمال الشرطة الوحشية وأعمال العنف الأهلية. ومع ظهور كوفيد-19، تعطلت الحياة الطبيعية خلال العامين الماضيين. وحُرم الأطفال، في مراحل مختلفة من النمو، من التفاعل الاجتماعي المطلوب، ناهيكم بتأثيره على تعلمهم.
وأخيراً، هناك الغضب الحزبي، واستخدام كراهية «الآخرين» كسلاح، وافتقار حقبة ترامب للتمدن وآثارها الباقية على ثقافتنا السياسية والاجتماعية. وهذه التطورات التي تشكل ملامح العصر سيكون لها تأثير بعيد المدى على الجيل الذي يبلغ سن الرشد في العقد الثالث من هذا القرن الجديد. ويبقى لنا أن نراقب كيف ستسير الأمور ومدى قدرتها، في هذا السياق، على استعادة الإحساس بالهدف والوحدة الوطنيين.