نمو الذاكرة.. خطوة نحو تطور الأطفال الرضع

1286
حجم الخط

لا يستطيع الأشخاص البالغين تذكر تفاصيل كثيرة عن طفولتهم، وإذا رجعوا بالزمن أكثر نحو طفولتهم المبكرة جدا فقد لا يتذكرون شيئا على الإطلاق، ومع ذلك تبدو هذه الحقيقة مختلفة تماما عن مراحل تطور الأطفال الرضع، فالعلم يخبرنا أن ذاكرة الطفل تبدأ في التشكل منذ يوم ولادته لا بل منذ كان جنينا في رحم والدته. يستطيع الطفل الرضيع التعرف على صوت والداته بعد ولادته، فقد ألفه كثيرا وهو جنين في الرحم، وبعد أسبوع يكون قد تعرف تماما على رائحتها، وخلال شهر يتعرف على الوجوه المألوفة، مثل وجه أمه وأبيه والاشخاص المقربون منه.

ويسمى هذا النوع من التذكر بذاكرة التعرف، أي أن الطفل يستطيع تذكر الأشياء التي عرفها من قبل، ويظل تطور الأطفال الرضع آخذ في الاستمرار حتى يأتي الشهر السادس ليكون الرضيع قادرا على تذكر تفاصيل أكثر تعقيدا، وتسمى هذه الذاكرة بالاستعادية أو الاسترجاعية، والتي تمكن الطفل من تذكر تفاصيل تجارب محددة مر بها، فيستطيع مثلا تذكر أماكن لعبه المفضلة، وتقليد أفعال شاهدها، كما يظهر الطفل سلوكا يتعلق بعاداته اليومية، فيمكنه تذكر ماذا يحدث دائما بعد الطعام أو الاستحمام.

إن البنية العصبية التي تخلق تصورات الذاكرة داخل دماغ الطفل، هي نفسها الموجودة لدى الكبار البالغين، وهو ما نسف الاعتقاد السابق منذ عقود بأن الأطفال الرضع لم يكن لديهم القدرة على تشكيل ذكريات. وفي إحدى التجارب تعمد أحد الباحثين إظهار لسانه أمام مجموعة من الأطفال في الشهر الثاني، وبعد 24 ساعة تعمد أن يدخل عليهم مرة أخرى ولسانه في فمه، ولاحظ أن الأطفال في هذه المرة يمدون ألسنتهم، علامة على تذكرهم لسلوك الرجل.

كما يستطيع الأطفال الصغار تذكر بعض الأشياء التي ترتبط لديهم بتجارب نفسيه، فقد تجد أن طفلك كلما ذهب إلى الطبيب يبدأ بالتوتر أو البكاء، وهو ما يسميه أطباء الأطفال “متلازمة المعطف الأبيض”، حين يربط الطفل ما بين معطف الطبيب وتجارب الفحص الطبي المؤلمة. ورغم ذلك تبدو المعلومة الشائعة عن تطور الأطفال الرضع وكون ذاكرتهم أكثر حدة من البالغين، معلومة خاطئة تماما، فاستدعاء معلومة بعينها وتذكر السياق المصاحب لها، مثل تذكر الشخص والظروف التي تمت مقابلته فيها، هو أمر يتطور من الأطفال إلى المراهقين والبالغين، وهو شيء غاية في التعقيد، فحتى الأطفال بعمر 7 سنوات لا تكون ذاكرتهم بالحدة الكافية.

إن عملية التذكر معقدة جدا وتتمثل في استرجاع معلومات تم تخزينها مسبقا في المخ، فالطفل منذ لحظة ولادته يستخدم حواسه جميعها ليكتشف العالم من حوله، ومن ثم يخزن جميع ما يراه أو يسمعه أو يتذوقه كمعلومات داخل دماغه، لكن قدرته على استرجاع هذه المعلومات يتخلف تبعا لمراحل تطور الأطفال الرضع، فكل يوم يخطوه الطفل في حياته هو خطوة نحو ذاكرة أكثر حدة.