معادلة… “ريّان” والوطن البئر

69db5a5b872bb7ce4f09d917d4df6665.jpg
حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

أغلب الظن ان الطفل المغربي “ريّان” ذو الخمس سنوات، والذي سقط في بئر بعمق 32 مترا، قد مات منذ الساعة الاولى، إن لم يكن جراء السقطة السحيقة، فيكون جراء الكسور التي لحقت بجسده الغض، او جراء الالم الذي طغى على روحه المتكسره في هذا المنفى العميق، او بحلول الظلام، ظلام الليل وظلام البئر وظلام الوجع و ظلام الخوف، وظلام البرد وظلام الوحدة وظلام الجوع، وكل الظلامات التي خلقها ربنا.

أين وطني لينقذني ليسعفني ليطعمني. أمي فقط، تلمسني فتحييني. (قال مظفر النواب : يا وطني المعروض كنعجة صبح في السوق).
بعد خمسة أيام من النقاشات والاقتراحات والاختلافات و الجدالات، قرروا ان يحفروا بئرا بمحاذاة البئر و بنفس العمق اكثر قليلا ، ثم نفقا الى حيث يرقد ريان. لو وقعت هذه الحادثة قبل خمسين سنة، كان سيتنادى اهل القرية فيحضروا حبلا طويلا وطفلا رفيعا فينزلوه الى حيث ريان، ثم يسحبوه ليربطوا به دلوا او قفة او سلة قماشية “خريطة”، فيضع ريان فيها. كان يمكن ان لا يستغرق ذلك اكثر من ساعتين او ثلاث. أما ونحن امام امكانيات الدولة العصرية فان الامر استغرق خمسة ايام، لماذا لم يستخدموا ريبوتا او انسانا آليا. بل لماذا اكاذيب اننا اطعمناه واسعفناه؟؟

حال ريان كحال فلسطين التي سقطت في بئرها منذ 74 سنة ، بل منذ وعد بيلفور قبل 105 سنوات ، تزاحم العرب على انقاذها بالزعيق والصراخ والخطاب والشعار؛ بالوحدة طريق العودة، ام بالعودة طريق الوحدة، حتى انقضّت اسرائيل على البقية الباقية منها في حرب الايام الخمسة او الستة، (حسن نصر الله يقول ست ساعات) والضجيج العربي الذي صاحبها من انها مجرد نكسة، واليوم أسقطوا انقاذها او تحريرها من حساباتهم بالمطلق، وانتقلوا للاختلاف ان كان السلام هو طريق التطبيع ام التطبيع هو طريق السلام.

حال ريان كحال فلسطين، يخرج نعيه من القصر العربي، حال الوطن الكبير صراخا وعويلا ودعاء أن ينقذه الله، كيف ينقذه وهو ميت؟ (عبد اللطيف عقل قال: وقتلنا القدس حبا. قالوا صباحا فداها العيون، وداسوا على رأسها في الظهيرة).

لقد جردنا ريان من ثيابنا وكشف حقيقة خوائنا المطبق. كان كل همه ان يقول لكم اوقفوا الات حفركم وضجيجكم وصخبكم وصراخكم وصلواتكم وادعيتكم و بثكم المباشر، كل هذا لا ينقذني، اريد ان اموت بهدوء، انا الذي كان يبعدني عنكم ثلاثين مترا، الآن اريد ان ابعدكم عني بعد الدنيا عن الآخرة. سيقول السياسيون والمحللون الذين يتنفسون من رئة الطاغية: انه مجرد طفل بين عشرات الاف الاطفال الذين يموتون كل يوم قصفا عربيا. وسيدخل الداعية على خط الطاغية: هذا قدر الله، ولا حذر في قدر، لقد اختاره الله لانه أحبه، سيشفع لوالديه يوم القيامة. في انتظار ريان آخر من قطر آخر في بئر آخر. لا تحزن يا ريان، فكلنا في الوطن البئر، وعاش المليك.