الحبس المنزلي للطفل علي قنيبي جريمة إنسانية تستوجب العقاب ‏

11.PNG
حجم الخط

بقلم: المحامي علي أبو هلال

 

تمارس سلطات الاحتلال الاسرائيلي سياسة خطيرة تجاه الأطفال المقدسيين، تُفقِد الطفل الشعور بالأمن ‏الاجتماعي والاستقرار النفسي، فهذه السياسة تهدف إلى تدمير نفسية الطفل وتشكيل أعباء مالية واقتصادية ‏على عائلته، وفقدانه لحقه بالتعليم وممارسة حياته بشكل طبيعي كسائر الأطفال، وهذه السياسة يُطلَق عليها ‏سياسة “الحبس المنزلي”. ‏

تلجأ سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى هذا الاسلوب بحق الأطفال المقدسيين ممن هم دون سن 18 عاما، ‏وتتركز أكثر بمن هم دون 14 عاما، لأن القانون الإسرائيلي لا يجيز في بعض الأحيان تنفيذ الحبس الفعلي ‏بحق الأطفال دون 14 عاما، فيبقونهم بالحبس المنزلي خلال إجراءات المحاكمة التي قد تستغرق وقتاً ‏طويلاً، وذلك إلى حين بلوغهم هذا السن فحينها يستطيعون إيقاع عقوبة الحبس الفعلي بحقهم، دون ‏احتساب مدة السجن البيتي حتى وإن استمرت لسنوات. ووفقا للإحصاءات الصادرة عن “هيئة شؤون ‏الأسرى والمحررين” فقد كان عدد الأطفال المقدسيين الذين صدرت بحقهم أحكام بالحبس المنزلي (120) ‏طفلا في العام 2019 و (90) طفلا في العام 2018 و(95) طفلًا خلال عام 2017، و(78) طفلًا خلال ‏العام 2016م، و(60) طفلًا خلال العام 2015.‏

الطفل الفلسطيني المقدسي علي قنيبي هو أحد ضحايا هذه السياسية، وهو من حي الشيخ جراح بالقدس ‏المحتلة، اعتُقل منذ أكثر من خمسة شهور، بتهمة الاعتداء على سيارة مستوطن، ومدد اعتقاله لأيام ثم أفرج ‏عنه شرط الإقامة الجبرية في منزله.‏

يقول الطفل: “إن النافذة أصبحت متنفسه الوحيد حيث لا يمكنه حتى مشاركة أصدقائه باللعب، مؤكداً على ‏أنه محروم من الخروج لفناء منزله ومن الذهاب حتى لمدرسته إلا بتصريح رسمي من قبل الاحتلال بعد ‏مرور أربعة أشهر من حبسه بأن يذهب للمدرسة مع مرافقة أحد من عائلته‎”.‎‏ وعبر والد القنيبي أن الحبس ‏المنزلي يعتبر سياسة جائرة وأنهم كعائلة هم داخل عقاب جماعي، مما جعلهم كسجانين لحماية طفلهم من ‏السجن الفعلي، ولا يمكنهم من ممارسة حياتهم بالشكل الطبيعي‎.‎‏ وبين أن العائلة تواجه شبح التهجير من ‏منزلها لصالح الجمعيات الاستيطانية في حي الشيخ جراح، كما هو واقع 40 عائلة أخرى مهددة بالتهجير ‏من بيوتهم في ظل وجود قوات الاحتلال‎.‎

من الطبيعي أن يتمتع الأطفال بجميع الحقوق لكافة بني البشر التي نصَّ عليها ميثاق الأمم المتحدة، ‏والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليين، إضافة إلى الحقوق الخاصة بهم التي نظمتها اتفاقية ‏حقوق الطفل لعام 1989، وما سبقها من مواثيق وإعلانات دولية أكدت على أهمية وجود رعاية خاصة ‏للطفل، مثل إعلان جنيف لحقوق الطفل لعام 1924، وإعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة ‏للأمم المتحدة بتاريخ 20/11/1959، والمعترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي العهد الدولي ‏الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ولا سيما في المادتين 23 و 24)، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق ‏الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ولا سيما في المادة 10)، وفي النظم الأساسية والصكوك ذات الصلة ‏للوكالات المتخصصة والمنظمات الدولية المعنية بشؤون الطفل. إضافة إلى أحكام “الإعلان المتعلق ‏بالمبادئ الاجتماعية والقانونية المتصلة بحماية الأطفال ورعايتهم مع الاهتمام الخاص بالحضانة والتبني”، ‏وإلى قواعد الأمم المتحدة الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث (قواعد بكين)، وإلى الإعلان بشأن ‏حماية النساء والأطفال أثناء الطوارئ والمنازعات المسلحة‎.‎

ويوفر القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني مساحة واسعة لضمان حرية الأطفال وتمتعهم ‏بالحماية والأمن والكرامة، وضمان عدم التعرض لهم وحفظ حقوقهم حتى في ظل النزاعات المسلحة، وهذا ما ‏تؤكد عليه اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 وبروتوكولاتها الاختيارية، واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 ‏وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977. تؤكد اتفاقية حقوق الطفل في المادة 37 (أ): “تكفل الدول الأطراف: ‏‏”(أ) ألا يتعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو ‏المهينة.. “. وتنص الفقرة (ب) على أنه “لا يجوز حرمان أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو ‏تعسفية”. كما تؤكد المادة كذلك أنه في حالة الاعتقال (كحالة استثنائية) فإنَّه “يجب أن يجري اعتقال الطفل ‏أو احتجازه أو سجنه وفقاً للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كتدبير أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة”. والفقرة (د): ‏‏”يكون لكل طفل محروم من حريته الحق في الحصول بسرعة على مساعدة قانونية وغيرها من المساعدة ‏المناسبة، فضلا عن الحق في الطعن في شرعية حرمانه من الحرية أمام محكمة أو سلطة مختصة مستقلة ‏ومحايدة أخرى”.

‏إن الحبس المنزلي للأطفال الفلسطينيين من قبل سلطات الاحتلال يتناقض مع جميع هذه الحقوق التي ‏يكفلها لهم القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان، وتتحمل سلطات الاحتلال المسؤولية ‏الدولية عن ارتكاب هذه الجريمة ضد الانسانية، وعلى المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤولياته القانونية ‏والإنسانية لوقف هذه الجريمة الخطيرة التي تمس حقوق الأطفال الفلسطينيين، ومحاسبة مرتكبيها لدى ‏القضاء الجنائي الدولي، وخصوصا لدى المحكمة الجنائية الدولية، حتى لا يفلت مرتكبيها من العقاب.‏

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.‏