معهد INSS الاسرائيلي – هل ستسرع قرارات “مركزية فتح” من هبوط شرعية السلطة؟

حجم الخط

معهد INSS الاسرائيلي - بقلم: يوحنان تسوريف

 

ثمة سلسلة قرارات اتخذتها اللجنة المركزية لحركة فتح برئاسة أبو مازن عشية انعقاد المجلس المركزي لـ م.ت.ف، تثير غضباً في الساحة الفلسطينية وتساؤلات عن مستقبل م.ت.ف وإمكانية المصالحة الفلسطينية الداخلية. كما تتعلق التساؤلات بالقدرة على تنفيذ السياسة التي تعهد بها أبو مازن في خطاب ألقاه في أيلول 2021 في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بسحب الاعتراف بإسرائيل والتراجع عن الالتزامات معها إذا لم ينتهِ الاحتلال في غضون سنة واحدة.

في إجراء فرض على أعضاء اللجنة ولم يترك مجال عمل حقيقي لمعارضيه، أُعلن عن سلسلة تعيينات وترشيحات لشخصيات من المقربين لأبو مازن والموالين له. وجاء في بيان اللجنة أنه تقرر تجديد الثقة بأبو مازن رئيساً لحركة فتح ورئيساً لـ م.ت.ف، والمصادقة على ترشيح حسين الشيخ، وزير الشؤون المدنية المقرب منه لعضوية اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، وإقرار ترشيح روحي فتوح، عضو اللجنة المركزية لـ”فتح”، وهو أيضاً من الموالين لأبو مازن، لمنصب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، بدل سليم الزعنون العجوز الذي طلب مؤخراً إنهاء مهام منصبه.

لهذه القرارات آثار عظيمة الأهمية على السيطرة على مؤسسات م.ت.ف وحركة فتح، وكذا على الصراع الذي بدأ على خلافة أبو مازن. فإعطاء الثقة لأبو مازن واستمرار توليه رئاسة م.ت.ف جاء لتعزيز شرعيته كرئيس في ضوء هبوط معدلات التأييد له في أوساط الجمهور منذ ألغي في نيسان 2021 قرار إجراء الانتخابات في أيار، وللسماح باستقرار حكمه حتى انتقال السيطرة إلى خلفائه.

إن ترشيح حسين الشيخ هو الخطوة الأكثر إشكالية؛ لأن قيادة فتح تضم مسؤولين أكبر وأجدر منه، والميزة التي في عضوية اللجنة التنفيذية تمنحه تفوقاً بالمنافسة على خلافة أبو مازن. أما في الخطاب الجماهيري، فتورطاته الماضية في قضايا الرشوة والتحرشات الجنسية تحتل مكاناً واسعاً. الشيخ يلتصق بأبو مازن، ويرافقه في كل الاتصالات التي تحفظ العلاقة مع الجهات الخارجية وإسرائيل، وتضمن بقاء السلطة الفلسطينية. إذا ما نجح في خلافة صائب عريقات، الذي توفي قبل نحو سنة، في منصب أمين سر اللجنة التنفيذية والمسؤول عن ملف المفاوضات السياسية، فإنه سيقف في موقف انطلاق أكثر راحة من الآخرين في صراع الخلافة. ومع ذلك، فإن انتخابه لا يضمن له منصب أمين سر م.ت.ف. ويذكر أن صائب عريقات نال هذا المنصب بعد سنوات عديدة من مسؤوليته عن ملف المفاوضات في م.ت.ف، ولم يعتبر كخليفة محتمل للرئيس. أما أبو مازن بالمقابل، فكان أمين سر اللجنة التنفيذية في عهد عرفات، واعترف به الجميع خليفة له قبل سنوات عديدة من أن يصبح رئيساً.

ترشيح روحي فتوح رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني، جاء كي تودع إدارة مداولات المجلسين الوطني والمركزي في يد شخصية موالية، في عهد تكون فيه حاجة لاتخاذ قرارات تثير المعارضة في الشؤون السياسية، والخلافة ونقل الصلاحيات، وربما أيضاً لتعديل اللوائح والإجراءات. فتوح، رجل حركة رفح في أصله، كان من المقربين لأبو مازن والمنفذين لكلمته. وشغل في الماضي منصب رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، بل وشغل مكان عرفات بعد وفاته حتى انتخاب أبو مازن رئيساً. ويثير تعيينه النقد بسبب وصمة الفساد التي التصقت به.

إن عملية اتخاذ هذه القرارات توصف كاختطاف، طبخها أبو مازن ومقربوه دون إمكانية طرح مرشحين إضافيين والسماح بالإعراب عن التحفظات، وذلك وفقاً لزعم من شارك في الجلسة. والمتضررون المركزيون من الخطوة هم: جبريل الرجوب، الذي لا يزال في نظر كثيرين أحد المرشحين للخلافة، ومحمود العالول، وهو من قدامى حركة فتح الذي كان يعتبر حتى القرار مرشحاً ومقرباً من أبو مازن، وكذا توفيق الطيراوي، وهو رجل فتح الكبير، ورئيس المخابرات العامة سابقاً، الذي ابتعد في السنوات الأخيرة عن أبو مازن.

إن محاولة دحر هؤلاء الأشخاص عن السباق قد يفتح جبهة أخرى داخل “فتح”، ليس أبو مازن معنياً بها. فقد ادعى جبريل الرجوب في أثناء النقاش بأنه ضحية مؤامرة حاكها ضده مقربو الرئيس، ولا يعقل أن يكون الولاء هو الشرط الحصري لتلقي مثل هذا المنصب أو غيره. لم يطلق ثلاثتهم انتقادا ًعلنياً على قرارات التعيين، ولكن واضح أن خيبتهم كبيرة. الرجوب نفسه عاد قبل وقت قصير من انعقاد اللجنة المركزية من جولة له في سوريا ولبنان، حيث فشل في محاولاته إقناع الجبهة الشعبية المشاركة في اجتماع المجلس. وفي المقابلات مع وسائل الإعلام اللبنانية، بالغ الرجوب في مدح المصالحة الفلسطينية الداخلية وعلاقاته مع حماس على نحو غير واضح ما إذا كان منسجماً مع إرادة أبو مازن.

انعقد المجلس المركزي في 6 شباط. وبخلاف الماضي، فإن استعدادات الاجتماع الذي سبق أن تأجل غير مرة وجهود مقاطعته، تجددت بقوة أكبر عقب هذه القرارات، ولم تتضمن دعوة لمشاركة حماس ومنظمات أخرى من خارج م.ت.ف. ومن شبه اليقين أن ينجح أبو مازن ومقربوه من إقرار الترشيحات التي اتفقت عليها اللجنة المركزية، رغم الاعتراضات، وهكذا ستشتد سيطرتهم على م.ت.ف، وعلى السلطة الفلسطينية وكل مؤسساتهما. أما معاني هذا القرار فستكون:

تأجيل انتخابات المؤسسات الوطنية إلى أجل غير مسمى. فتح أبو مازن غير مستعدة لطرح نفسها للانتخابات في الفترة المقبلة، وذلك أغلب الظن خوفاً من الفشل، بسبب فقدان التأييد الجماهيري لها ولزعيمها.

تعزيز التعلق بإسرائيل في شؤون الأمن والحياة اليومية، وكذا بالمحافل الخارجية في مجال التمويل والشرعية الدولية.

التسليم بعدم وجود مسيرة سياسية في صيغة مفاوضات للتسوية الدائمة والاكتفاء بمسيرة متدنية التوقعات. وثمة شكوك في تحقيق تهديدات أبو مازن في الخطاب الذي ألقاه في الجمعية العمومية.

وضع العصي في عجلات المصالحة التنظيمية والمس بالجزائر التي تستضيف وفوداً من الفصائل الفلسطينية في عاصمتها في 15كانون الثاني لتحريك المسيرة. تقف قرارات اللجنة المركزية في تناقض مطلق مع مداولات الجزائر، بل وتقضي على المصالحة في المستقبل المنظور للعيان.

تعزيز إشارة سلبية للجيل الشاب بالنسبة لمدى التزام القيادة بمستقبلهم وتوقعهم لخلق فرص جديدة.

إغلاق معالجة ملفات الفساد المعلقة واستخدامها كأداة لاتهام معارضي القرارات المحتملين، داخل حركة فتح أو خارجها.

إذا لم تتغير القرارات بشأن التعيينات وأقرها المجلس المركزي لـ م.ت.ف فستفسر كتنازل عملي من أبو مازن والتيار الذي يقف على رأسه عن الشرعية الجماهيرية وإلغائها كمصدر صلاحيات لحكمهم. كما ستفسر القرارات كربط لمصيره ومصير حكمه بإسرائيل والأسرة الدولية أو أجزاء منها، ومع دول عربية معنية بالهدوء من الاتجاه الفلسطيني. وستكون هذه عملياً فتح جبهة واسعة مع الجمهور الفلسطيني خائب الأمل والمتطلع للتغيير، وحيال الفصائل الفلسطينية من المعارضة. وستنضم إليهم أجنحة محمد دحلان، ومروان البرغوثي، وخائبي أمل آخرين من “فتح” ممن تمس بهم القرارات وتتركهم دون بيت سياسي. ويذكر أن البرغوثي شكّل قائمة منفصلة للانتخابات التي كانت مقررة في أيار 2021 وألغيت، ولكنه لم يطرد من “فتح” مثل ناصر القدوة، بسبب قوته الانتخابية، وهو يحافظ على مكانه كعضو في اللجنة المركزية.

في واقع كهذا، سيشتد الضغط على الضفة الغربية من جهة حماس من قطاع غزة ومن داخل الضفة الغربية نفسها، بهدف إشعال المنطقة وتشديد الاحتجاج ضد السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وانضمام الفصائل خائبة الأمل بهذا الجهد كفيل بإيقاظ الجمهور الغفير المليء بمظاهر العداء تجاه السلطة وأجهزة أمنها. وعندها سيكون موضع اختبار الولاء الذي تبديه هذه الأجهزة حتى الآن تجاه السلطة الفلسطينية، وذلك لأنها ستتهم بالتعاون مع إسرائيل وتتآكل بالتدريج.

 يدور الحديث عن كتلة كبيرة من الضغط الذي سيقع أيضاً على كاهل إسرائيل، ليس فقط بصفتها الحاكم في مناطق الضفة الغربية، بل وأيضاً بصفتها سيد السلطة الفلسطينية. ومن شأن استخدام العمليات والإرهاب أن يزداد، أما الدفاع عن المستوطنات الإسرائيلية في مناطق الضفة فسيستدعي تعزيز القوات والسيطرة على المناطق في صالح الحراسة والأمن. ومن شأن هذا التطور أن يعيد إسرائيل إلى أماكن خرجت منها قبل مسيرة أوسلو، بل وفي مناطق معينة قد تضع السكان الفلسطينيين تحت سيطرتها.

ثمة لقاءات أجراها مؤخراً وزراء إسرائيليون مع أبو مازن ومسؤولين آخرين في السلطة الفلسطينية تشير إلى تزايد تعلقهم بإسرائيل. ولكن ولمحاولة منع تلك الأحداث التي قد تعيد إسرائيل إلى السيطرة المعززة في الضفة الغربية، على إسرائيل أن تتنكر لمكانة السيد التي من شأنها أن تنشأ في العلاقات بينها وبين السلطة، وان تشدد على استقلال السلطة وتطلعها لتحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي الفلسطيني، وكذا لخلق فرص عديدة قدر الإمكان للشبان الفلسطينيين خائبي الأمل في مجالات العمل المتطورة.