واضح من الجريمة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بالأمس القريب، في قلب مدينة نابلس، أن مصطلحّ “كيّ الوعي” لن يتخلّوا عنه وأنّه سيستمر معشعشا في عقولهم وممارسا على أرض الواقع إلى أمد بعيد، وهي سياسة الردع والاستخدام المفرط للقوّة حتى تشكّل صورة مرعبة تحدّ من الأنشطة التي يمارسها الفلسطينيون في مواجهة الاحتلال والاشتباك معه.
ولم يعد هناك مجالا للعب لعبة الضحية وهم يقومون بدور الجلاد بأبشع صوره الممكنة، وأمام كل جريمة من جرائمهم نجد الصورة واضحة لا غباش فيها: مجرم يمارس العربدة وجبروت الطغاة، يخرج من سياق ما يدّعيه للعالم بانهم يمثّلون مظلومية عالية قد حلّت بهم منذ “الهولوكوست” الى يومنا هذا أمام كل ما يصيبهم. هم بهذه الجريمة وما شابهها تنكشف كلّ دعاويهم وتظهر صورة الجلّاد فيهم وتبرز أنيابهم الحاقدة وتتجلّى كل صورهم القديمة عبر تاريخهم الحافل بالمكيدة والجريمة الى يومنا هذا بما يمارسونه على أرض الواقع.
وعندما يفتقدون تحقيق نصر ذو بال وتصل روحهم المعنوية الى حضيضها وعندما تتعطّش أرواحهم الشريرة للدماء الفلسطينية، فإنهم يلجأون الى هذه المباغتة الفجّة ويضربون ضربتهم ليوقعوا في النفوس وهنا وهلعا ولتصل رسالتهم المرعبة قلوب الناس. وهم بذلك يسعون الى إقامة احتلالهم لفلسطين أرضا وشعبا من خلال حالة الردع هذه.
وعلى الرغم من مفاجآت الشعب الفلسطيني التي أنتجت ثورة وانتفاضات متعددة وهبّات الواحدة تلو الأخرى، إلا أنهم لا يستخلصون العبر ولا يتراجعون في جرائمهم. والسبب معروف وهو أن هذا الاحتلال أصلا قائم على دعامتين أساسيتين لا يمكن الاستغناء عنهما أبدا وهما: العدوان والاستيطان، فالذين يحلمون أو يتمنّون ان يوقف هذا الاحتلال أيّ منهما، فإنهم واهمون ولا يعرفون طبيعة هذا الاحتلال أبدا. فالعدوان والاستيطان جزء لا يتجزأ من روح هذا الاحتلال بل هما معجونان في جيناته الوراثية، ودليلي على ذلك بالاجابة على هذا السؤال: هل توقّف أو تم تعليق أيّ منهما في زمن الحديث عن السلام وتوقيع الاتفاقيات؟ ما بالنا اليوم وقد تنكّروا لكل المعاهدات والاتفاقيات؟.
لا شيء يردّ على “كيّ الوعي” الا “بكيّ وعي” مثله أو تحوّل الاحتلال من “احتلال خمس نجوم” كما هو الحال الان ، الى ان يصبح احتلالا مكلفا كما كان في فترات سابقة. فهو لن يعيد حساباته أبدا إلا اذا شعر أنه سوف يدفع ثمنا باهظا بعد كل جريمة تقترفها يداه.