عنف المستوطنين: معركة الزيتون نموذجًا

انطوان-شلحت.jpeg
حجم الخط

بقلم أنطوان شلحت 

 

من وقائع عديدة تثبت ضلوع الجيش الإسرائيلي في العنف الذي يرتكبه المستوطنون ضد الفلسطينيين في أراضي 1967، ويأخذ أخيرا منحًى تصاعديًا، يمكن الإشارة مثلًا إلى ما جرى في موسم قطف الزيتون (بين 1/10 و15/11/2021)، فقد ذكر تقرير صادر عن منظمة يش دين (يوجد قانون) الحقوقية الإسرائيلية أنه عقب تزايد حالات عنف المستوطنين، قرّر الجيش الإسرائيلي اعتماد ما سمّاها “آلية تنسيق”.

وبحسبها، يتيح الجيش للفلسطينيين الدخول إلى الأراضي الزراعية مرتين في السنة: لحرث الأرض في الربيع، ولقطف الزيتون في الخريف. وعلى الفلاحين الفلسطينيين تقديم طلب للدخول مع تنسيقٍ، وعلى الجيش أن ينسّق لهم أيامًا محدّدة للدخول بمرافقة جنود إسرائيليين مهمتهم حماية الفلسطينيين.

وينوّه التقرير بأنه بينما من المفترض بـ”آلية التنسيق” هذه أن تمنع عنف المستوطنين وتخريب الأشجار خلال موسم الزيتون، فإن ما يحدث في الواقع أن هذه “الآلية” تعمل ضد الفلسطينيين: أولًا، قطف الزيتون يستغرق وقتًا مُعينًا والأيام المُحدّدة والمنسقة سلفًا لا تكفي لقطف كل المحصول.

وثانيًا، الواقع القائم في الأراضي الزراعية يكشف أن الجيش يفشل على نحو تام في حماية الفلسطينيين. ففي حالاتٍ عديدة، لا يكون الجيش موجودًا وقت وقوع جرائم الاعتداءات، وفي حال كان موجودًا يمتنع الجنود عن التدخل، وبذلك يحمون المستوطنين الذين يعتدون على الفلسطينيين خلال قطف الزيتون. وفي بعض الحالات، يهاجم الجيش الفلسطينيين باستعمال قنابل ضوئية وغاز مسيل للدموع. وأخيرًا، يتيح إغلاق الأراضي الزراعية ومنع الفلسطينيين من الوصول إليها من دون تنسيق فرصًا كثيرة للمستوطنين، حيث بإمكانهم دخول هذه الأراضي وسرقة جميع المحصول وتدمير الأشجار، خلال أيام منع دخول الفلسطينيين.

ووفقًا للتقرير الموثّق بالإحصاءات والصور، في أغلب الحالات، يدخل الفلاح إلى أرضه مع الجيش فيرى دمارًا وزيتونًا مسروقًا من الأشجار.

ما يطلّ علينا من وراء هذه المعطيات ملامح معركة ليست جديدة يمكن تسميتها معركة الزيتون، وتدور لدى كل موسم قطف سنوي، لكن أغراضها غير منحصرة فيه فقط. ولا معنى لقراءة هذه المعركة بمنأى عن سياقها الأعم والأبعد مدى، وهو سياق الحرب التي يخوضها المستوطنون من أجل الحفاظ على “أرض إسرائيل الكبرى”، من باب التمسّك بإحدى فرضيات المستوطنين في الضفة الغربية، وفحواها أن المستوطنات يمكنها أن تمنع تقسيم البلد.

والدلائل على ذلك أكثر من أن تُحصى، فالكاتبة الإسرائيلية أمونه ألون، التي تقيم هي نفسها في إحدى مستوطنات الضفة الغربية، تؤكد، في أحد مقالاتها، أن الدلالة الأهم التي تنطوي عليها “كروم الزيتون اليهودية” في هذه المستوطنات تتمثل في “تعزيز السيطرة اليهودية على الأرض الفلسطينية”، منوّهة بأن ما يخدم هذه السيطرة أكثر من أي شيء آخر حجم الوقائع التي يتم فرضها ميدانيًا.

وسبق للبروفيسور أرنون سوفر، الذي يُعدّ من أبرز الخبراء الإسرائيليين في مجال الجيو- استراتيجيا، أن اعتبر المزارعين اليهود في أنحاء “أرض إسرائيل” كلها بمثابة “الخلية الأهم” في جسد المشروع الاستيطاني الصهيوني، كونهم يربطون “الشعب اليهودي” بأرضه، الأمر الذي ليس في مستطاع أي فرع اقتصادي آخر أن يفعله. وذهب إلى حدّ القول إن ما هو أكثر أهميةً من ذلك، في الوقت ذاته، أن الزراعة في حالة إسرائيل المخصوصة تعني الأمن، ذلك أن المزارع يساهم بدور مركزي للغاية في الحفاظ على الأرض، وهو دور يتعذّر على أي وحدة أو دورية عسكرية إسرائيلية القيام به. وفي رأيه، يشكّل المزارعون من الناحية العملية “عيون الدولة” على نحوٍ يفوق ما تقوم به “عيون” الوحدات الاستخباراتية كلها الموجودة لدى الجيش الإسرائيلي.

وهو لا يكشف جديدًا بتلميحه إلى أن الأرض كانت ولا تزال جوهر الصراع على فلسطين، فقد سبقه إلى هذا كثيرون من منظّري الحركة الصهيونية، ولا سيما الذين تولوا مسؤوليات ميدانية مباشرة عن ترجمة أفكارها أعمالًا.