إسرائيل بين الكولونيالية والأبرتهايد

سليمان ابو رشيد.PNG
حجم الخط

بقلم سليمان ارشيد

 

من “الإثنوقراطية إلى الأبرتهايد الزاحف” هو عنوان الكتاب الجديد الذي أصدره، مؤخّرًا، أورن يفتاحئيل، رئيس قسم الجغرافية في جامعة بئر السبع، ويحوي مجموعة مقالات وأبحاث تُرجمت للمرة الأولى للغة العبرية.

ويعالج الكاتب في هذه المقالات ظواهر وعمليات مختلفة تحدث في المساحة الممتدة بين البحر والنهر، ضمن محاولة لتصنيفها في إطار “الاستعمار الكولونيالي”، الذي تحوّل في السنوات الأخيرة إلى إطار محبّب جدًّا في أوساط النظرية النقدية في البلاد والعالم، كما يقول المؤرخ آدم راز، في استعراضه الموجز للكتاب الذي نشرته صحيفة “هآرتس”.

ويُعتبر يفتاحئيل من أبرز الذين سكّوا مصطلح “الديمقراطية الإثنية” أو “الإثنوقراطية” في توصيف الحالة الإسرائيلية التي تعتمد على التفوق والهيمنة اليهودية على مراكز القوة السلطوية في الدولة، إلى جانب قمع وتهميش سائر سكّانها وانتهاك حقوقهم، وتستند إلى تقسيم السكان إلى طبقات وفقا لهويتهم القومية والإثنية، وليس إلى “الهوية الوطنية” المنبثقة من العيش على أرض واحدة أو على الهوية المدنية المشتركة.

وكغيره من الباحثين العرب واليهود المتابعين للشأن الفلسطيني/الإسرائيلي وتطوراته السياسية على مدى العقود الماضية، يرى يفتاحئيل أنّ ما يصفه بالأبرتهايد الزاحف أصبح يحتل المشهد ويسيطر على عالم المصطلحات السياسية، ليعيد الرواية إلى أصلها التاريخي ويضعها في خانة الاستعمار الاستيطاني.

وهو الذي ينظر، بحسب راز، إلى عمليات تهويد الحيّز بمجمله، بتجلّياته المختلفة بما تنطوي عليه من سيطرة واقتطاع واستملاك، من منظار ثلاثية الإثنوقراطية والكولونيالية والأبرتهايد، باعتبارها ظواهر عضوية في المشروع الصهيوني، يتشكّل في إطارها المجتمع الإسرائيلي.

ويرى الإثنوقراطية ديمقراطيةً سطحيّةً تدعم التفوق اليهودي على “الأقليات الإثنية” و”القومية” الأخرى، بينما تمثل الكولونيالية الإسرائيلية عملية السيطرة اليهودية على حيّز مجموعة أخرى، ويفرض الأبرتهايد قيم مواطنة وتراتبية بين الهويات المتلفة.

كذلك، يرى أنّ مصطلح “يهودية وديمقراطية”، الذي تسعى إسرائيل إلى تكريسه، هو محاولة لتجاهل الواقع الكولونيالي القائم من قبل المحتل الإسرائيلي خارج الخط الأخضر وداخله، بشكل كبير ولإخفائه.

وهو يواجه، في هذا السياق، تضليل وأكاذيب المثقفين التي تطبع وتنسخ في الأكاديميا ومعاهد الديمقراطية الإسرائيلية وتمجّد الليبرالية والديمقراطية الإسرائيليّتين، وتشيد بالخصوصية التاريخية للحالة الإسرائيلية بحقيقة إسرائيل، بدءا من الاحتلال القامع الذي يمارسه جيشها مرورا باقتلاع المجتمع البدوي، وانتهاء بالتعامل مع المهاجرين والشرقيين في إسرائيل، كما يقول.

ويشير إلى الترابط الوثيق الذي أخذ في التزايد ما بين إسرائيل اليهودية والمناطق المحتلة عام 67، في ما يسميه “أبرتهايد زاحفًا”، والذي يعزز تدريجيًّا مبادئ “المنفصل وغير المساوي” في كل مجالات الحياة في المنطقة الواقعة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط، في حين تسيطر السلطة الفلسطينية و”حماس” على مجالات الحياة التي لا ترغب إسرائيل بالسيطرة عليها، ليحولوا أنفسهم إلى خدم لنظام الفصل العنصري في كل الفضاء الإسرائيلي/ الفلسطيني، كما يقول.

لكنّ يفتاحئيل، وإن كان يتساوق مع واقع تبلور حالة أبرتهايد زاحف، كما يسميه، فإنّه لا يرى أنّ الحل يكمن بالضرورة في الدولة الواحدة، ما بين نهر الأردن والبحر، الدولي. لأن حلًّا كهذا من سيواجه، برأيه، صعوبات عميقة بسبب الحق المعترف به من قبل الفلسطينيين واليهود في دولتيهما. هنالك عدة احتمالات أخرى ويفتش عن نماذج أخرى، أكثر صحة حسب رأيه، مثل الكونفدرالية والفيدرالية، والتي تمكن من تقرير المصير لكلا الطرفين، مع حرية حركة، وعاصمة موحدة واقتصاد مندمج في الوطن المشترك.