لدولة اسرائيل حساب دم طويل مع سمير القنطار، فهو قتل وجرح، وفي الاساس خطط وبادر لتنفيذ عمليات "ارهابية" ضد الاسرائيليين، منذ ان كان في الـ 16 من عمره وقتل بيديه ابناء عائلة "هرن" وشرطيين على ساحل نهاريا وحتى يومنا هذا، لكن ما يميز القنطار عن بقية "الارهابيين" الذين عملوا ويعملون ضدنا كونه من ابناء الطائفة الدرزية في لبنان، اضافة الى عدم تراجع او انطفاء جذوة النضال ومستوى كراهيته ورغباته القاتلة، حتى بعد ان امضى 30 عاماً في السجون الاسرائيلية.
ووضع القنطار نتيجة هذه الدوافع والرغبات نفسه في خدمة العديد من المنظمات وفي فترات مختلفة، فقد نفذ عملية القتل في نهاريا كعضو منتم لجبهة التحرير الفلسطينية، لكن آخر العمليات التي خطط وبادر لتنفيذها في الصيف الماضي، كانت لصالح "حزب الله" الشيعي اللبناني.
وجاءت العملية ضمن سياق منظومة "الارهاب" التي تحاول ايران اقامتها في هضبة الجولان السورية بهدف فتح جبهة اضافية ضد اسرائيل.
لا يوجد في اوساط الطائفة الدرزية في لبنان وسورية، وربما بتأثير من اخوانهم الذين يعيشون في اسرائيل، فئة معادية او شديدة العداء لإسرائيل، كما هو الحال في اوساط الطائفة الشيعية والسنية، لذلك يعتبر سمير القنطار ظاهرة غير مألوفة، وبعض المؤيدين له يصفونه في بعض الاحيان بالظاهرة الغريبة، فهو "قاتل" لا يعرف الحدود والقيود، وفقط عدم براعته منعته من التسبب بأضرار كبيرة وثقيلة.
لم تنف او تؤكد المصادر الاسرائيلية الرسمية التقارير الاعلامية العربية، التي تحدثت عن اطلاق طائرات اسرائيلية صاروخ "جو- ارض" موجها ودقيقا على مبنى في بلدة جرمانة في ريف دمشق من جهة الجنوب، وكان في المبنى سمير القنطار وعدد من النشطاء يعملون في منظومة "ارهاب ايران - حزب الله" ومليشيا سورية موالية للنظام، لكن بعد نشر هذه التقارير في وسائل الاعلام السورية الرسمية، وقناة المنار التابعة لـ"حزب الله"، يمكن القول انها تعكس بشكل او بأخر ما جرى في الميدان.
لا توجد مصلحة للنظام السوري في الاعتراف باغتيال سمير القنطار الذي يعتبر احد رموز المقاومة البارزين لما يسمونه "المقاومة في الجولان"، وكذلك الاعتراف بمقتل 8 نشطاء كبار بينهم فرحان شعلان وهو ايضا من ابناء الطائفة الدرزية.
على الاقل جزء من افراد ما يسمى بـ"لجنة المقاومة الوطنية السورية" هم من ابناء الطائفة الدرزية، وتعمل هذه المليشيا لصالح النظام السوري، وتقاتل ضد المتمردين السنة الذين يحاولون السيطرة بشكل كامل على هضبة الجولان السوري، وتعمل هذه المليشيا بالتعاون مع منظومة الارهاب التي تقيمها ايران و"حزب الله" في المنطقة.
استخدم المبنى المكون من 6 طوابق، والذي انهار فوق ساكنيه كما يبدو، كنقطة اختفاء وقاعدة مشتركة، جمعت كبار قادة المجموعتين، وعلى ضوء هذه الحقيقة لا يوجد مفر من الثناء على من حصل وجمع هذه المعلومات الاستخبارية الموثوقة، وأوصلها في الوقت المطلوب والدقيق بما سمح بتنفيذ هذا الهجوم الدقيق دون التسبب بإصابات بين المدنيين السوريين.
واعتماداً على التقدير والتوقع، اقول انه اذا صدقت التقارير وكان الجيش الاسرائيلي هو من يقف وراء هذا الهجوم، فان الامر يعبر عن انجاز استخباري وتنفيذي عملياتي للجيش واذرعه المختلفة، وانجاز للسياسة الامنية الهادئة التي تنفذها اسرائيل على جانبي خط وقف اطلاق النار في الجولان، بهدف ايجاد وخلق ما يسميه "حزب الله" بـ"المنطقة الامنية" بطريقة غير رسمية، استنادا لوسائل استخبارية وعناصر بشرية، اقاموا مانعة "يعرق ويشوش" على نشاط "الارهابيين" وعمليات اطلاق الصواريخ اتجاه مستوطنات الجولان، انطلاقا من اراضي الجولان السوري "المحرر".
هناك اساس منطقي للافتراض أن سمير القنطار ورفاقه لم يقتلوا الليلة بسبب الاعمال التي قاموا بها في الماضي، بل بسبب قدرتهم ودافعهم على إلحاق الضرر والأذى مستقبلا.
وحتى نفهم القصة والقضية من المهم الاشارة وبناء على مصادر اجنبية، ان خبراء الحرس الثوري الايراني وقيادة "حزب الله"، بحثوا منذ 2013 عن طريقة عمل تردع اسرائيل وتمنعها من استهداف قوافل السلاح التي تشق طريقها من سورية نحو قواعد "حزب الله" في لبنان، ويسعى هؤلاء الى التوصل لطريقة عمل تلحق اكبر ضرر وتوقع اكبر خسائر ممكنة بإسرائيل، بما يجعل قيادة الامن الاسرائيلي تفكر مرتين قبل ان تقرر مهاجمة قافلة سلاح تابعة لـ"حزب الله".
لكن هذه الطريقة والعملية لا تؤدي الى تصعيد خطير على الجبهتين السورية واللبنانية، والسبب واضح ويكمن في مصلحة ايران و"حزب الله" عدم اعطاء اسرائيل في هذه المرحلة السبب والذريعة لتنفيذ عملية عسكرية، قد تؤدي إلى تدمير وانهيار النظام السوري، او على الاقل جعل النظام ثمرة ناضجة تسقط في ايدي المتمردين السنة، وعلى رأسهم "داعش" و"جبهة النصرة".
وفي هذا السياق، تقرر في العام 2013 فتح جبهة "ارهاب" جديدة ضد اسرائيل انطلاقا من الجولان، وعمل في هذه الجبهة "حزب الله"، سورية، وايران، وارسل سمير القنطار، الذي أطلق سراحه ضمن صفقة تبادل الاسرى في العام 2008 من لبنان الى سورية، ليقود ويقف على رأس تنظيم مقاومة يشكل "حزب الله" المحرك الاساسي لها.
تحاول اسرائيل ان توجد في الجولان منطقة صديقة لها نسبيا، لذلك الحق سمير القنطار ورفاقه ضررا استراتيجيا بالمشروع الاسرائيلي، حين تسبب بإيجاد شرخ او على الاقل زعزع علاقات اسرائيل مع الطائفة الدرزية في إسرائيل وسورية ولبنان ايضا.
رغم ان حسن نصر الله تعامل بقليل من الاستهانة مع سمير القنطار، لكنه اهتم وواضب على ابداء الكثير من الاحترام له بهدف اذلال اسرائيل التي اجبرها على اطلاق سراحه.
اختار "حزب الله" سمير القنطار ليقود مجموعة المقاومة في الجولان لأنه درزي وله علاقات مع الدروز الذين يشكلون غالبية سكان محافظة السويداء "جبل الدروز" القريب من الجولان السوري، وقرية خاطر الواقعة تماما على الحدود مع اسرائيل ومنحدرات جبل الشيخ الجنوبية.
خطط سمير القنطار خلال السنوات الماضية 5 عمليات نفذت قرب الجدار الذي يفصل الجولان الإسرائيلي عن الجولان السوري، اضافة لعمليات اطلاق صواريخ نفذها دروز بتوجيه منه.
غالبية هذه العمليات جاءت على شكل انتقام فوري بعد غارات اسرائيلية على قوافل للسلاح او اغتيال نشطاء "ارهاب" نسبت اعلاميا لاسرائيل.
اصيب في عمليات القنطار جنديان اسرائيليان من قوات المظليين، وقتل مواطن فلسطيني من سكان بلدة عرابة، كان يرافق والده الذي يعمل في صيانة الجدار "الحدودي" لصالح وزارة الجيش، لكن بشكل عام كان سمير القنطار قصة فشل وخيبة للامل بالنسبة للجهات التي تقف خلفه حين نجحت اسرائيل بإحباط العمليات التي خطط لها، وقتل فيها العناصر التي عملت بتوجيهات منه، كما حدث على سبيل المثال مع 4 دروز من قرية خاطر قُتلوا، الربيع الماضي، اثناء محاولتهم زرع عبوة ناسفة.
غرز إسفين بين إسرائيل والدروز
وبسبب فشله عين مكانه قائد جدي تولى قيادة منظومة "الإرهاب" الايرانية، وكان هذا القائد الجديد ابن القيادي في "حزب الله"، عماد مغنية، وقتل هذا الابن في غارة جوية اسرائيلية استهدفته وبعض القيادات السورية والإيرانية والتابعة لـ"حزب الله"، اثناء جولة لهم على طول خطوط وقف اطلاق النار في الجولان قبل القيام بتشغيل منظومة "الإرهاب" في كانون الثاني الماضي.
وبعد اغتيال "مغنية الابن" وعملية الانتقام التي نفذها "حزب الله" وقتل فيها جنديين من لواء "غفعاتي" في منطقة مزارع شبعا، اعطي سمير القنطار فرصة اخرى لقيادة المجموعة واثبات نفسه عبر منظومة "الارهاب" التي اقيمت، وتضم في معظمها عناصر من الدروز الذين يدعمون النظام السوري.
هنا نجح سمير القنطار في زرع اسفين "ضميري" بين اسرائيل والدروز على طرفي الحدود في الجولان، حين ادعى ان اسرائيل تسلح "جبهة النصرة" التي تخطط لذبح الدروز في السويداء وقرية خاطر.
ادت هذه الاتهامات الى وقوع مواجهات بين ابناء الطائفة الدرزية، الذين حاولوا منع اسعاف الجرحى السوريين في المستشفيات الاسرائيلية، وقتلوا احد هؤلاء اثناء نقله في سيارة اسعاف عسكرية.
وبات من الواضح ان سمير القنطار استخلص العبر والدروس واصبح اكثر خبرة ونجاعة، بفضل التدريب والتعليم المتواصل الذي تلقاه على ايدي "مشغليه" الايرانيين، وبفضل التعاون مع المليشيا الدرزية المؤيدة للنظام السوري، والتي نفذ افرادها بعض العمليات لصالح مجموعة سمير القنطار، الذي تفاخر الصيف الماضي اثناء مقابلة مع التلفاز اللبناني بالعمليات التي نفذها، وقال انه يعرف تماما بانه على قائمة الاغتيال الاسرائيلية، لكنه لا يخاف ذلك لتشكل هذه المقابلة نبوءة حققت ذاتها على الاقل وفقا للتقارير الصحافية الاجنبية.
والآن لم يبقَ سوى الانتظار لمعرفة كيف سيرد شركاء سمير القنطار على عملية الاغتيال المنسوبة لاسرائيل، وافترض ان "حزب الله" وايران سيكتفيان برد رمزي مثل اطلاق صواريخ باتجاه اسرائيل دون ان تتسبب باضرار كبيرة، وربما يقرر "حزب الله" عدم الرد مطلقا حتى لا يتسبب في تصعيد خطير مع اسرائيل، يلحق الضرر في جهوده المتواصلة لحماية النظام السوري ومؤيديه من المحور الشيعي المتطرف.
يجب ان نتذكر ان الروس موجودون بالقرب منا، وبوتين يصرح صباح مساء انه ضد كل عملية "ارهابية"، لكن في هذه الحالة تملك اسرائيل "حالة" قوية حين يتعلق الامر بسمير القنطار الذي تفاخر علنا بافعاله.
وتوجد مصلحة روسية بعدم تصعيد الاوضاع حاليا في سورية، على ضوء انطلاق الجهود السياسية لوقف الحرب الاهلية الدائرة في هذا البلد، لذلك من المنطقي الافتراض ان الروس لن ينظروا بعين الرضا لعملية انتقام ينفذها "حزب الله" ويسقط خلالها ضحايا كثر، لكن في الشرق الاوسط لا يمكن توقع الاحداث، وكل ما هو غير متوقع وغير منطقي يصبح في لحظة منطقياً ومتوقعاً.
عن "يديعوت"