قصة اغلاق معبر رفح، بين قطاع غزة ومصر، لم تعد قصة عادية او قضية يمكن معالجتها بالصبر، او بصمود الاطراف المعنية على حساباتها الخاصة.
فلقد تحولت الى عنوان صغير لمأساة عميقة، تضرب كل المجتمع الفلسطيني بمختلف فئاته.
انها قصة مرضى لا علاج لهم في قطاع غزة ويحتاجون الى علاج خارج القطاع. وهي قصة آلاف الطلاب المقبولين في جامعات خارج فلسطين وينتظرون الالتحاق بجامعاتهم، او هم طلاب مداومون في جامعات اخرى، وقد عادوا للزيارة فلم يعودوا قادرين على استكمال تعليمهم، قصة المعبر هي قصة موظفين او مستثمرين عادوا للزيارة وقد اصبحت اقاماتهم وحقوقهم مهددة، وهي قصة عائلات ترغب في الالتحاق برب الاسرة، هي قصص انسانية لا حصر لها، تكشف عن عمق معانيات مليون وثمانمائة الف مواطن، مقفلة امامهم الطرق والسبل للاتصال والتواصل مع العالم الخارجي.
الشعب الفلسطيني موزع بين مئات الدول، وقد تجد عائلة واحدة موزعة على عديد الدول، ما يجعلهم بحاجة الى تواصل ولو متباعدا زمنيا، لكن اجراء الدول الخاصة بالفلسطينيين يجعل هذا التواصل صعبا ومعقدا للغاية.
بعد الحرب الاسرائيلبية التي وقعت في العام الماضي على قطاع غزة، واعمال المقاومة المفاجئة والباهرة التي قدمتها المقاومة، وما خلفت تلك الحرب من دمار شامل، ومن آلاف الشهداء والجرحى، بعد تلك الحرب البشعة، كنا نعتقد أن كل فلسطيني يستحق ان يتجول بين الدول دون جواز، ودون اية عقبات، وان يحظى باحترام شديد يجعله مرفوع الهامة والقامة.
في الواقع كان التعامل مع الفلسطيني وخصوصا سكان قطاع غزة، وكأنه متهم، او انه يحمل امراضا معدية يستحق بسببها الحجر الصحي والعزل، او انه مشروع مخرب عفوي يمكن ان يقوم بعمل ارهابي في اي مكان تطؤه قدماه.
اشتد الحصار على قطاع غزة بعد تلك الحرب، وبات الداخل اليه مفقودا والخارج منه مولودا، وبحسب الفترات الزمنية الطويلة جدا، بين كل مرة يتم فيها فتح المعبر، فإن عدد المواليد لا يتجاوز المئات، قد لا يعرف الكثيرون ان القلة الذين يحظون بفرصة الخروج او العودة من والى قطاع غزة، يصلون وهم مرضى ومتعبون الى حد الارهاق لان الرحلة تستغرق اربعا وعشرين ساعة، مع معانيات الانتظار والازدحام والخوف على امكانية المرور.
لا اعرف سبباً، لامتناع شركات الطيران العالمية عن نقل المواطنين الفلسطينيين من سكان قطاع غزة، الا وقت فتح معبر رفح، فلماذا لا يحق لهم السفر الى مصر، والبقاء فيها مع مراعاة القوانين الى حين فتح المعبر، او حتى دون فتح المعبر، علينا ان نتخيل نوع وحجم المشكلات التي يعاني منها مواطن فلسطيني انتهى تصريح زيارته في بلد ما وهو مضطر للسفر، فلا يجد مكانا يتوجه اليه؟
والآن لماذا يخضع المعبر، للحسابات السياسية والخاصة، وتجاهل الابعاد الانسانية والحقوقية للبشر، اذا كانت مصر دولة ذات سيادة ولها الحق في ان تتخذ ما تشاء من اجراءات لضمان سلامة البلاد والعباد، فإن المسؤولية تتجه نحو الفلسطينيين، اصحاب السلطة والقرار، نعلم ان قصة المعبر قد دخلت مرحلة الاستعصاء ذلك ان العلاقة بين حركة حماس ومصر في اسوأ احوالها، ولا تسمح بحوار مجد يمكن ان يفضي الى اتفاق بفتح المعبر حتى لو تطوع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون مشكورا بالدعوة لفتح المعبر.
حتى الآن لم يتوقف البحث عن حلول لازمة المعبر، ولكن كل هذه المحاولات لم تصل الى اية نتيجة ويبدو انه من غير الممكن العثور على صيغة تقبل بها الاطراف الثلاثة مصر والسلطة الوطنية وحركة حماس.
تصر مصر على التعامل مع السلطة الوطنية، وترفض اي وجود لحركة حماس على المعبر وعلى الحدود الفاصلة وتصر السلطة الوطنية على تسليم حركة حماس للمعابر دون تواجد لاي عنصر من الحركة فيما تصر حركة حماس على الا تتخلى عن وجود موظفيها على المعبر، لاسباب عديدة من بينها ان الموقف له علاقة بمصداقية تطبيق مبدأ الشراكة.
تخشى حماس من ان تسليم المعبر، سيشكل خطوة اخرى بعد تسليم حكومتها لحكومة الوفاق، وبأن السلطة ستستمر في ابتزاز المزيد من التنازلات دون تحقيق اي تقدم في عملية المصالحة.
لكل طرف اسبابه وذرائعه، ان كانت وجيهة او غير مفهومة ولكن المحصلة هي ان معبر رفح سيظل مغلقا في غياب الشعور بالمسؤولية عن احتياجات وهموم المواطن الفلسطيني المطحون والذي تطلب منه كل الاطراف الصمود والتحدي، دون ان تقدم له اية مساعدة لتعزيز صموده واستعداده للتضحية.
الفصائل من خارج حركتي حماس وفتح قدمت مبادرة مهمة كان الاحرى مناقشتها والتعامل معها بشكل ايجابي لكن الردود جاءت سلبية وغير محتملة، في الواقع وبعد فحص كل الخيارات والاحتمالات، والسيناريوهات التي يمكن ان تؤدي الى فتح المعبر، لم تجد سوى اقتراح واحد يحظى بالاولوية وهو ان تبادر حماس الى الاعلان عن استعدادها لتسليم المعبر بالكامل للسلطة الوطنية، وان تحفظ حقها كسلطة فعلية قائمة في غزة، من خلال صيغة شبيهة بما يتم اعتماده على معبر بيت حانون، داخل المعبر بادارة حرس الرئيس او من يتم انتدابه من قبل السلطة، وتقيم حماس نقطة خارج المعبر تتابع من خلالها ما تراه حقا لها. في كل الاحوال اذا كانت مصر مسؤولة والسلطة مسؤولة، فإن حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة هي المسؤولة مباشرة عن التصدي لهموم الناس واحتياجاتهم في القطاع.