في خطاب قد يكون هو الأطول له منذ أن استلم مقاليد الحكم في روسيا، قدم فلاديمير بوتين ما يمكن اعتبارها" مقدمة تاريخ جديد" للمشهد العالمي عبر البوابة الأوكرانية، بعدما استعرض مهارة في استخدام الوقائع التاريخية التي مرت على روسيا، منذ قيام ثورة أكتوبر البلشفية وحتى تاريخه، وأظهر للعالم أن روسيا القيصرية قدمت تنازلات "تاريخية" من أراضيها لتصبح أوكرانيا كما هي عليه الآن.
وبطريقة خارج الاستفزاز اللفظي، مر بهدوء عما فعلت روسيا القيصرية ثم البلشفية والتضحيات التي تم دفعها لتلك الدولة التي لم تصن "خيرا سياسيا واقتصاديا"، وحاولت التآمر على من ساهم بتشكيلها وكأنها شوكة في ظهر الوطن الذي دونه ما كانت هي كما هي.
سرد تفصيلي لوقائع تخللها أرقاما عن الدعم المالي والاقتصادي قاربت الـ 250 مليار دولار، دون ان ينسى تبيان حكامها بأنهم "لصوص فاسدين" وطبعا جبناء، يهربون الأموال الى الخارج دون أن يلتفتوا لمصلحة بلدهم، والتي وضعوها تحت "الوصاية الأمريكية"، لتمثل خطرا على روسيا لن يسمح به أبدا.
بوتين، وقبل الذهاب الى خطاب "استرداد الحق الروسي" المستلب أوكرانيا، فاجأ العالم ببث جلسة مجلس الأمن القومي الروسي على الهواء، في سابقة ربما يذكرها التاريخ بأنها خارج المألوف، قد لا تتكرر كثيرا، نقاش كشف أن روسيا يجب أن تستعيد "حقوقها" بكل السبل الممكن.
استعراض قوة سياسية وحزم لغة لا يسودها لعثمة أو تردد أو ارتباك، سبقته أوسع عملية استعراض للقوة العسكرية الحديثة، التي تعلن لكل من يبحث النيل من بلاده وقراره، ان اليد الروسية أطول وأصلب مما تعرفون، ولن تبقى داخل "الجيوب" لو حاول البعض التطاول عليها.
يوم 21 فبراير 2022 أصبح علامة فارقة في التاريخ الإنساني، ليس بما وقعه ابوتين مرسوما للاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، بل بما أصبح مرسوما لـ "خريطة جيوسياسية عالمية جديدة" ستفرض منطقها القادم، بأن العالم لم يعد أحادي القطب ولن يعود، بعدما اختفى القطب الثاني بانحلال المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي ومعها حل حلف وارسو، لتسود القوة الأمريكية المشهد العالمي وحيدة تفرض ما تراه هي دون غيرها.
ولم تتأخر القوات الروسية ساعة لتنفذ أمر رئيسها الأعلى لـ "ضمان السلام" في الجمهوريتين بعدما طالب حكامها مساعدة عسكرية، قرار بسرعته رسالة محددة، أن الذي حدث ليس "مزحة سياسية" بل هي مفصل لصناعة تاريخ جديد، يأخذ بالحسبان أن "روسيا" دولة عظمى كانت يوما، وعادت بعد تيه طال سنوات.
مرسوم بوتين، والذي قد يحدث "ضجيجا مؤقتا" لدى أطراف متعددة، وستعمل الولايات المتحدة كل ما يمكنها، كي تستخدم غيرها وقودا في المعركة، ولكنها لن تصل الى وقف قاطرة التغيير التي أطلقها المرسوم الروسي لبناء عالم متعدد الرؤوس، قد يشمل 3 محاور، أولها تقوده أمريكا بريطانيا، وثان تقوده روسيا والصين وثالث تقوده ألمانيا وفرنسا.
ملامح الخريطة السياسية العالمية الجديدة بدأت ولن تعود الى الوراء...مهما علا "الطنين الأمريكي"!
ملاحظة: أمريكا تحدثت كثيرا عن الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ووجوبية تنفيذها فورا، ومندوبتها ترطن في مجلس الأمن حول القرار الروسي...طيب هي دولة الكيان مش محتلة أرض وفيها تطهير عرقي وفصل عنصري باعتراف كل من له عقل..ليش مش متذكرتها "الحجة أمريكا"!
تنويه خاص: بدون أي استفتاء مدفوع الثمن السياسي قبل المالي..أغلبية أهل فلسطين مع قرار روسيا، ويمكن بعضهم رقص طربا بكلام بوتين..ليس كراهية ببلد ولكن كراهية فيمن يحميها..وطبعا الفهيم فاهم أنها رأس الحية ما غيرها اللي ما بتتسمى أمريكا!