أكد رئيس الوزراء نفتالي بينيت، أول من أمس، أنه سيوقَّع قريباً اتفاق جديد بين القوى العظمى وإيران في موضوع برنامجها النووي، وحذر من أنه "سيكون أضعف وأقصر من السابق" (الذي وقع في العام 2015، وخرج منه الرئيس ترامب من طرف واحد في العام 2018). وأضاف بينيت إلى ذلك، كما هو دارج عندنا: "سنعرف كيف نحمي أمن مواطني إسرائيل بقوانا الذاتية".
لا ينبغي أن يكون هناك أدنى شك: الاتفاق النووي، حتى لو كان نسخة غير محسنة لاتفاق العام 2015، هو أفضل من الوضع الذي أدى إليه خروج ترامب من طرف واحد، بتشجيع ودفع من إسرائيل. منذئذ خصبت إيران كميات كبيرة من اليورانيوم، وطورت طرقاً دفاعية سمحت لها بأن تحتمل العقوبات الاقتصادية، وتمتعت بشرعية دولية متزايدة من جانب الدول التي لم تكن شريكة في سياسة ترامب – نتنياهو، وتجاهلت استخدام القوة الإسرائيلية والاغتيالات للمسؤولين الإيرانيين. الطريق إلى النووي مفتوحة أمامها، في مدى زمني أقصر من أي وقت مضى نتيجة قرار ترامب. أما الاتفاق فسيعيد الوضع المادي إلى ما كان عليه في العام 2015 والأهم من هذا: سيسمح للإيرانيين بتأجيل إضافي في نقطة القرار حول النووي والتي يمتنعون عنها منذ سنين.
لكن أقوال بينيت، والسياسة التي اتخذتها حكومته، تدل على أن إسرائيل لا تتعلم شيئاً من إخفاقاتها. بالأقوال وبالأفعال، الحكومة الحالية هي استمرار مطلق لسابقتها: في مفهوم هزيمة إيران، الذي لم ينجح ولن ينجح، وفي استخدام القوة (بينيت تباهى بأنه أمر بالعمل داخل إيران وكأن إسرائيل لم تنشغل هناك بأعمال قوة منذ عقدين) دون غاية إستراتيجية، وبتبجح قال: "سندافع عن أنفسنا بقوانا الذاتية"، حيث يلمح إلى هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية، التبجح الذي دفع فقط أوباما إلى الاتفاق السابق وليس له أساس حقيقي في واقع القدرات والمنفعة. النتيجة الحقيقية لكل هذا كانت دحر إسرائيل إلى زاوية غير ذات صلة بينما يتداول العالم مع الإيرانيين. هكذا كان في عهد أوباما – نتنياهو وهكذا اليوم، في عهد بايدن – بينيت.
ينبغي ربط الأمور أيضاً بالتقارير الأخيرة عن التقدم في مشروع الدقة لدى "حزب الله"، وبانعدام الجدوى للمعركة ضد التموضع الإيراني في سورية. المرة تلو الأخرى تبدو إسرائيل كإحدى الدول الأخيرة التي لا تزال تؤمن باستخدام القوة لغرض استخدام القوة. صورة مثنية لقائد سلاح الجو المنصرف توجت في نهاية الأسبوع بعنوان "يهاجم كل ليلة في نقطة أخرى في الشرق الأوسط". جودة المعلومات الاستخبارية ومستوى أداء سلاح الجو مبهران حقاً، ولكن من الأفضل والأهم أن نسأل: ما هي الغاية والفكرة التي باسمها نهاجم؟
عنيت غير قليل ببناء قوة الجيش الإسرائيلي وهيئات الدفاع الأخرى. وأؤمن بأن إسرائيل ملزمة بأن تكون قوية عسكرياً وأن تكون جاهزة لأن تستخدم قوتها عند اللزوم. ولكن في واقع زمننا فإن استخدام القوة هو المخرج الأخير، وليس بديل السياسة. تصريحات وزير الدفاع غانتس، أول من أمس، في ميونيخ والتي جاء فيها أنه "حتى المنتصر في الحروب يخسر فيها" كانت موجهة للرئيس الروسي بوتين، وكان من الخير لو أنه وجهها أيضاً إلى الحكومة التي غانتس هو عضو فيها.
إسرائيل لن تهزم إيران، بل ملزمة بأن تصل معها إلى توازن، يأخذ بالحسبان صورة العالم الإيراني المركبة. هكذا فقط يمكن لإيران ألا تقرر الوصول إلى قنبلة، وذلك لأن التاريخ يفيد بأن من يقرر التحول النووي سيفعل هذا. إسرائيل لن تحسم بالقوة فقط أياً من المواجهات التي تعيشها، وهذه حقيقة صاغها دافيد بن غوريون قبل سبعين سنة.
إسرائيل ملزمة بأن تطور سياسة ذكية تفحص الواقع بعيون حقيقية، وترى قبل كل شيء المنفعة السياسية، وتتجاهل السياسة الداخلية، وتتوقف عن تنمية الوهم بأن الحل لكل مشكلة هو طائرة حربية.
كارل فون كلاوزفيتس قال كما هو معروف، إن "الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى". دول قليلة فقط في العالم لا تزال تعمل وكأن الحرب هي بديل السياسة. لأسفنا، كما تشهد أيضاً أقوال بينيت، والسياسة التي اتخذتها حكومته أيضاً، بأن إسرائيل لا تزال واحدة منها.
عن "يديعوت"