اعترف أحدهم قال لي: أوشكتُ على طلاق زوجتي، بعد مرور اثنتين وعشرين سنةً على زواجنا، كنتُ أظنُّ بأن زوجتي لا تستحقني، كنتُ أظنُّ بأنني الأفضل، غير أن ظروف حياتنا الفلسطينية الصعبة، بخاصة في زمن جائحة الكورونا أثبتت لي العكس تماماً، لأنني صرتُ أعتقد بأنني لا أستحق هذه الزوجة، فقد كانت مثالاً للزوجة الفلسطينية المناضلة.
اقتنعتُ بأنها كانت الأفضل عندما فرضت عليَّ جائحةُ الكورونا أن أحتجبَ عن أبنائي تسعة أيام كاملةً في إحدى غرف البيت، كنتُ أعاني من ضيق تنفس وسعالٍ وحرارة، استطاعتْ زوجتي خلال ذلك أن تكون طبيباً بارعاً، ومايسترو ينظمُ أوقات الدواء والغذاء، قررتُ بعد شفائي أن أكتبَ لها الرسالة التالية مكافأة على جهودها:
"زوجتي العزيزة، كنتِ المايسترو لأسرتنا المكونة من ثمانية: ابنتين وثلاثة أبناء، بالإضافة إلى والدتي العجوز، سأظل مَدينا لكِ، لأنكِ غيَّرتِ طريقةَ حياتنا منذ بدء جائحة الكورونا؛ بعد تقليص مرتباتنا الشهرية، فقد صمَّمتِ جدولاً بتكاليف الحياة، كنتُ أظنُّ أنكِ ستفشلين، غير أنكِ أدرتِ هذه الملف بكفاءة، والأهم أنكِ عوَّدتِ الأبناء على هذا الجدول، كما أنكِ عوَّضتِ النقصَ الكارثي في برامج التعليم حينما تحولتِ إلى مُدرِّسة للأبناء، خصَّصتِ لكل ابنٍ وقتاً للمتابعة، والمراجعة.
كنتِ أيضاً مرشدةً صحية، تحافظين على التزام الأبناء بالتوعية وتعقيم الأدوات، لستُ أبالغ حين أقول: كنتِ نمطاً فريداً لبطولات المرأة الفلسطينية، ذكَّرتِني بقدراتكِ في بداية سنوات زواجنا في الحرب الإسرائيلية على غزة، العام 2008، حين حوَّلتِ منزلنا إلى مركزٍ لاستضافة المهجَّرين، كنتِ تخبزين في اليوم الواحد عشرات أرغفة الخبز لواحدٍ وعشرين مُهجّراً من أقاربنا، ممن شرَّدتْهم طائرات الاحتلال من منازلهم.
كنتِ نموذجاً للمرأة الفلسطينية التي تمكنت من أن تكون امرأةً جميلة، وفي الوقت نفسه مناضلةً تُضحي بنفسها في سبيل أبنائها ووطنها.
نسيتُ أن أذكرَ بطولةً أخرى، أسجلها لكِ خلال جائحة الكورونا، كنتِ مواظبةً على رعايةِ والدتي العجوز، قُمتِ بدور الراعية والممرضة، تُقدِّمين وجباتِ الغذاء والدواء في مواعيدها لهذه الأم.
كذلك لم تنسي أن تقومي بواجباتكِ تجاه عائلتكِ الشخصية، كنتِ تزورينهم يوما كلَّ أسبوعٍ، تحملين إليهم وجباتِ طعام، وبعض الحلوى التي تصنعينها بيديكِ.
لن أنسى دوركِ في احتمال نزواتي وغضبي، فقد كنتِ بالنسبة لي طبيباً نفسياً، تبتسمين أثناء جائحة غضبي، تحاولينَ إخراجي من حالة الكآبة والإحباط، كنتِ تُعلِّبينَ في هاتفكِ الرقمي الصغير كلَّ يومٍ بعضَ لقطاتِ الفيديو الباسمة، والمسرحيات المضحكة، تجمعيننا كل مساء تعرضينَ علينا ما استطعتِ جَمْعَهُ!
كنت أرى أبنائي يبتسمون ويضحكون فأضحك معهم، أشاركهم التعليقات والبسمات!
لقد كنتِ مانعةَ الصواعق والأزمات، في ذروة هذه الجائحة!
أخيراً، أعترفُ بأنني كنتُ أجمعُ بعض أخطائك الناجمة عن الغفلة والنسيان المعتاد، بسبب مسؤولياتكِ الكثيرة لأجدَ مبرراً مقبولاً للانفصال عنك، أعترف اليوم بخطئي، ها أنا أقدمُ اعتذاري إليك أيتها المناضلة الفلسطينية، فأنت قد ساهمتِ في تصليب أسرتنا في وقت الأزمة، كنتِ نموذجاً لنضال المرأة الفلسطينية، كنتِ مِشعلاً هادياً، وطبيباً حاذقاً.
زوجتي العزيزة الغالية، أرجو أن تقبلي اعتذاري!