منذ 25 سنة، يقدم مطعم "الداد فقط" الفرنسي، وهو أحد رموز القدس، الكبدة داخل ساحة تاريخية. في نهاية هذا الشهر إذا لم يحدث شيء مفاجئ، فان المطعم سيقدم الوجبة الاخيرة ويُغلق. "مررنا بثلاث انتفاضات، وكذلك أعمال الاعتداء على القطار الخفيف الذي هو انتفاضة بحد ذاته"، قال ايلي ليفي صاحب المطعم ورئيس لجنة التجار في مركز المدينة. "لقد ضقت ذرعاً، وليست عندي القوة للصمود أكثر". "الداد فقط" هو الضحية الأخيرة في صراع البقاء في الاعمال التي تعتمد على السياحة والقدس، وقد سبقته رموز اخرى في المدينة منها مطعم كابليير القريب والقديم، المطعم الياباني ساكورا، وحمص أبو يويو ومقاه وبارات وغيرها. لقد اغلقت 30 مصلحة في المدينة في الاسابيع الاخيرة بسبب تراجع الدخل بشكل كبير. مطعم راتشا هو مطعم غروزني حظي بنجاح كبير منذ تم افتتاحه قبل خمس سنوات، والى أن حصلت الازمة الحالية لم يكن بالامكان ايجاد مكان فارغ، ولكن، الاربعاء الماضي، في الساعة 9:30 مساء كان المطعم فارغا باستثناء اثنين. أصحاب المكان بن شالوم وشقيقها اسرائيل شاحر احتفلا قبل يومين بالموافقة على عقد الايجار للمطعم الجديد في تل ابيب على خرائب "أحاد هعام" لميخال أنسكي، وسيبدآن، هذا الاسبوع، في انشائه. وحتى الآن بن شالوم لم تعلن عن اغلاق المطعم في القدس، لكن شقيقها شاحر أصابه اليأس. "ليس لنا ما نفعله هنا". قال. تتذكر بن شالوم اللحظة التي فهمت فيها "ان الحركة قد عادت. في السنة الماضية لم نعمل خمسة اشهر، فهناك شهرا حرب، شهر اعياد، وشهر عمليات، وشهر شتاء وثلوج. لكن في حينه كان الأمل في الأفق، وقال الجميع إن هذا سينتهي. قبل اربعة اشهر فقط عاد الأمر وأخيرا شعرت بأنني أعمل ليس فقط من اجل البقاء بل من اجل الحصول على المقابل. كانت هناك طلبيات، وشعرت أن الامر تغيّر، والمدينة تحتفل. لكن في أحد الايام في بداية تشرين الاول حدثت عملية طعن، وبدأت الالغاءات حيث تم الغاء 70 مناسبة. لا توجد لي اموال لتسديد الدفعة الاولى للاشخاص الذين دفعوا، لم أرغب في الرد على المكالمات من شدة الألم. في عيد الانوار كانت القدس مظلمة، ولم أعرف اذا كانوا سيضيئون الاضواء في القدس في هذا العيد". المطاعم في القدس على الخط الامامي للازمة التي تجتاح المدينة منذ بدأت موجة "الارهاب الحالية"، والتي ترافقنا منذ عيد العرش الماضي. وكما يبدو الامر اليوم حتى وإن كانت عملية الدهس التي حدثت قبل اسبوع ستكون العملية الاخيرة في المدينة، فان الامر يحتاج الى سنوات من اجل أن تعود الاعمال في القدس، وبالذات السياحة، كي تعود الى ما كانت عليه قبل الازمة. حتى صيف 2014 عرفت القدس عدة سنوات من الهدوء، غاب الإرهاب عن المدينة في الشطر الغربي على الاقل، وانتهت الاشغال في القطار الخفيف، وتحول شارع يافا الى شارع هادئ ومليء بالمارة، وتحول سوق محنيه يهودا وماميلا الى اماكن للتسلية اهتم بها غير المقدسيين ايضا، ومعطيات السياحة من البلاد وخارجها حطمت ارقاما قياسية. كل ذلك انتهى في تموز 2014، المظاهرات العنيفة والعمليات الارهابية التي اندلعت في المدينة في أعقاب مقتل محمد أبو خضير وعملية "الجرف الصامد"، كل ذلك أدى الى تراجع كبير في عدد السياح والبيع، ولكن كما تقول بن شالوم فإن انتهاء الحرب والهدوء النسبي قد بعثا أملا جديدا في المدينة. لكن موجة العنف التي بدأت قبل ثلاثة اشهر أطفأت الأمل لدى الكثيرين، ودفعت عشرات الاعمال الى الوراء. الوضع على شفا الافلاس. نحن نخسر منذ ثلاثة اشهر، واذا لم تتحسن الاوضاع فسنضطر الى الاغلاق"، قال شاي غيلي، صاحب المطعم الايطالي توبولينو، بالقرب من سوق محنيه يهودا. أغلبية اصحاب المطاعم الذين قابلتهم المراسلة يتحدثون عن تراجع بـ 60 بالمئة على الاقل من البيع قياسا بسنوات ما قبل 2014. الفنادق في غربي المدينة تتحدث عن تراجع أقل حدة، حوالي 30 بالمئة، وهناك فندق في شرقي القدس يتحدث عن الغاء جميع الحجوزات في عيد الميلاد القريب. والشركات المختصة بمجموعات السياح الداخلية هي ايضا تتحدث عن تراجع بـ 100 بالمئة من الدخل. "كانت هناك ازمات في الماضي ولكن ليس بهذا الحجم"، يقول غيني موتوبولينو. ميخائيل فايس، الذي يقف على رأس منتدى السياحة في المدينة، يملك مصلحتين سياحيتين، شركة تجول في السوق باسم "يالله بسطة" حيث سجل هناك تراجع بـ 30 بالمئة، وموقعا الكترونيا باسم غو جيروساليم الذي تراجع بـ 40 بالمئة. "هذا يعتبر اصابة خفيفة حيث توجد شركات تراجعت بنسبة 80 و90 بالمئة. في السنة الماضية بعد عملية الجرف الصامد كانت اسابيع صعبة، ولكن عندما توقف اطلاق النار حدث تحسن سريع جدا. لكن هنا بسبب عدم وجود وقف للعمليات فان الاسرائيليين لا يأتون الى المدينة". في هذا السياق تقول البلدية إنها استضافت مؤخرا اكثر من 200 وكيل للسفر من انحاء العالم من اجل تقديم اغراءات للسياح في المستقبل ايضا، لكن هذا في الوقت الحالي لا يشجع اصحاب المصلحة. وأحدهم، هو يارون بورغين، مدير "نزل ابراهام"، وهو فندق مشهور، يقول إنه ليس فقط عمليات الطعن هي التي تضر بالمدينة بل ايضا "داعش". "السياح يعرفون أن هنا ليست سورية، لكن هذا الجزء من العالم معروف بأنه يعيش في فوضى ومن الافضل الذهاب الى مكان آخر". في الوقت الحالي الفندق لا يعاني خطر الاغلاق، وسيفتتح فرعا آخر في تل ابيب. "هذا توزيع للمخاطر"، قال بورغين. قبل شهر خرج اصحاب المصالح مع رئيس البلدية، نير بركات، في احتجاج ضد وزير المالية، موشيه كحلون، مدعين أنه يمنع المساعدة عن المدينة. وفي نهاية الحملة اضطر بركات الى الاعتذار عن تهجمه على وزير المالية. وفي النهاية خصصت الحكومة ميزانية بـ 100 مليون شيكل كمساعدة فورية للاعمال. وكعقاب لبركات تقرر نقل الميزانية من خلال مكتب شؤون القدس برئاسة الوزير زئيف الكين وسلطة تطوير القدس وليس عن طريق البلدية. وما زالت الاموال لم تصل بعد، ويبدو أنه ليس باستطاعتها منع اغلاق أي محل. "الامر الاكثر ايلاما هو أنه ليس لدى اصحاب المصالح قوة للحرب"، قالت بن شالوم التي كانت من متصدري الاحتجاج. "انهم يخافون على وجود عائلاتهم وليس لديهم رغبة في الصراخ. كان يجب أن نطفئ الاضواء لتصبح المدينة مظلمة". طريقة اخرى للسلطات لمواجهة هذا الوضع هي حملتان حول القدس ملأتا وسائل الاعلام في الاسابيع الماضية، واحدة عن طريق لاعب كرة القدم السابق، اوري ململيان، الذي يقول إن القدس نظيفة. والثانية من خلال غوري ألفي الذي يدعو الاسرائيليين الى المجيء الى المدينة ليومين على الاقل. في البلدية يشكّون في نتائج الحملتين. وتقول بن شالوم بغضب "ما هذه الحملة من النظافة. يسوقون العاصمة على أنها نظيفة؟ إن هذا يشبه أن تكتب فتاة أنها تستحم كل يوم، في موقع للتعارف".
عن "هآرتس"