"عدم الاتفاق حول سلوك الائتلاف لا يمكن أن يبرر تنصُّل أعضاء الكنيست من مسؤوليتهم في تمثيل المصالح التي باسمها تم انتخابهم للكنيست، في إطار لجان الكنيست"، هذا ما قالته رئيسة المحكمة العليا، استر حيوت، في قرارها في تشرين الأول والذي رفضت فيه الالتماس الذي قدمه أعضاء كنيست من "الليكود" و"شاس" حول تشكيلة لجان الكنيست.
الواجب الذي تحدثت عنه حيوت لا يهم اعضاء المعارضة، وهم يستمرون في الغياب عن جلسات اللجان. في هذه الأثناء لا يهم إذا كان ادعاؤهم مبرراً، واذا كان الائتلاف تعامل معهم بعدم انصاف. الحقيقة المثيرة للغضب هي أن عشرات اعضاء الكنيست يحصلون على رواتب ويشغلون مساعدين ويحصلون على ميزانيات وهواتف وصحف وكل الامتيازات الاخرى، دون أن يعملوا. في مسلسل "سوبارنو" كان لعرض السيرك هذا تعبير رائع: "نو شو جوبس". الوظائف التي تم توزيعها على المخلصين للزعيم دون أي التزام بالذهاب الى العمل. في افضل الحالات هم يأتون الى العمل ويشربون البيرة ويعودون الى البيت.
في الوقت الحالي، راتب عضو الكنيست الشهري هو حوالي 45 ألف شيكل أي أن الحديث يدور عن مبلغ 3 ملايين شيكل في الشهر. من الصعب تخيل مصنع، أو حتى وزارة حكومية، يكون مستعدا لدفع رواتب وامتيازات لعشرات العمال الذين يقضون وقتهم في الكافتيريا دون استدعائهم لجلسة استماع قبل اقالتهم. ولكن عندما تكون الكنيست هي ملك لوالد أعضاء الكنيست فمن الذي سيقول لهم ماذا تفعلون؟
النتيجة هي أن الجمهور في إسرائيل، صاحب البيت في الكنيست ومشغل العاملين فيها، ليس فقط يمول هؤلاء العاطلين، بل ايضا نصفه بقي دون تمثيل. اصوات مئات آلاف الناخبين وكأنها رميت في القمامة، ولا يوجد من يدعي باسمهم، ويحاول التأثير على صياغة قوانين اساسية، والمبادرة الى تقديم مشاريع قوانين تخدمهم. يتبين أن اعضاء الكنيست المضربين يعملون مثل لجنة عمال صلبة، منذ أن تسلم اعضاؤها عملهم فإنه يمكن لصاحب العمل القفز فوقهم.
انضم الآن لأعضاء المعارضة حليف مخلص وهو حزب "ازرق ـــ ابيض". رئيس هذا الحزب، وزير الدفاع بني غانتس، قرر أن حزبه لن يشارك في التصويت في الكنيست على قرارات الائتلاف بسبب "المس البارز بأمن الدولة". أمن الدولة، حسب غانتس، يعني أمن مخصصات التقاعد لجنود الخدمة الدائمة. الهدف هنا واضح، اذا لم تتم المصادقة على الزيادة التي يريدها فإن جنود الخدمة الدائمة سيقدمون استقالتهم من الجيش، وستبقى الدولة بدون قادة، هكذا اعتاد الادعاء رؤساء لجان شركة الكهرباء والصناعات الامنية والموانئ وسلطة الموانئ. هم امسكوا في يدهم العداد.
غير المفهوم هو لماذا لا يستقيل غانتس من منصبه ويعفي نفسه من المسؤولية عن تحطيم أمن الدولة. الوزير الذي لا يمكنه الوفاء بالتزامه بسبب تنكيل أصدقائه يجب عليه وضع المفاتيح على الطاولة. هذا ما فعله افيغدور ليبرمان عندما استقال في 2018 من منصب وزير الدفاع بسبب ما اعتبره "خضوعاً للارهاب". ولكن غانتس لم يفعل ذلك. وقد أظهر الذكاء السياسي مرات كثيرة. غانتس غير غبي كي يترك بغضب كرسي وزارة الدفاع القوي. هو ببساطة لن يصوت. ايضا مثل زملائه في المعارضة يشعر بأنه حصل على الكنيست بالوراثة. إذا أراد يأتي وإذا اراد لا يأتي. ولا يهمه على الاطلاق إذا تمت هندسة حل يوازن بين احتياجات الدولة وشهوة الجيش المرضية. ومجرد قراره عدم التصويت هو إشارة للطابع المشوه الذي يعتبر فيه نفسه ممثل الجمهور. يبدو أنه لا يوجد أمامنا إلا أن نشكر غانتس لأنه اتخذ خطوة معتدلة، لأنه كان يمكنه الإعلان بأن جيشه سيتوقف عن التدريب، ولن يذهب إلى الحرب إذا لم يحصل على مخصصات التقاعد العالية التي يريدها.
الجميل في الامر هو أن اعضاء المعارضة العاطلين عن العمل واعضاء حزب "ازرق ــ ابيض" النحيف ايضا يتحدثون باسم الحفاظ على شرف الديمقراطية. وفقط من المؤسف أنهم يظهرون كشخص يقتل زوجته باسم الحفاظ على شرف العائلة.
عن "هآرتس"