اوكرانيا ” دُرة التاج ” … السوفيتي

حجم الخط

السفير ملحم مسعود – اليونان

 

إنها الحرب , خيار بوتين … التي اعلنها … وكانه يستجير  بقوله تعالى :

{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ}

الآية:47 إلى آخر السورة ” الشورى “

لما ذكَر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة حذر منه وأمر بالاستعداد له، اي ليس : (  ما لكم من ملجأ يومئذ ومالكم من نكير )

أبدأ مقالنا  اليوم من حيث إنتهيت  في مقالنا  الإسبوع الماضي ولتذكير القارئ الكريم :

في نهاية الحرب العالمية الثانية وعلى فنجان قهوة وآخر من الشاي … سأل الرئيس الأمريكي روزفلت ونستون تشرشل رئيس  وزراء  بريطانيا : هل كانت هذه الحرب ضرورية ؟

اجابه تشرشل : لا لم تكن ضرورية , كان بالإمكان تجنبها بإيقاف  هتلر مباشرة بعد إستيلائه على منطقة السوديت في تشيكسلوفاكيا  … ولكن تشميرلين رئيس  وزراء بريطانيا أخطا في حساباته بقبوله إتفاقية التهدئة في ميونخ …

هذا ما نقرأه في كتب التاريخ … والآن هل التاريخ يعيد نفسه ؟؟؟

في اوكرانيا … وعلاقاتها المخضبة بالدماء مع روسيا …

دعونا ننتظر والليالي من الزمان حبالا

خريطة اوكرانيا

داهماتنا اخبار صباح اليوم الباكر بما لم يكن في الحسبان وبهذه السرعة  … وعلي دوي المدافع وزحف القوات الروسية بإتجاه الغرب الاوكراني  … بإنتظار ما تحمله لنا االساعات القادمة من أخبار , لمعرفة إلى اين ستتوغل القوات الروسية … ومربط خيولها .

اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدء “عملية عسكرية” في أوكرانيا … وتوالت الاخبار حيث سمع دوي انفجارات قوية في عدد من مدن البلاد، بينما تحدثت كييف عن “غزو واسع” يجري حاليا … للبلاد .

من جانبه أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأحكام العرفية في كل أنحاء البلاد. وقال للأوكرانيين “لا داعي للهلع” مؤكدا لشعبه قائلا :  “سننتصر“.

وفي خطاب له دعى  العالم إلى  إنشاء ( تحالفا مناهضا لبوتين ) من اجل السلام … وجاءت تصريحات الرئيس الاوكراني بعد محادثات وإتصالات مع كل من القادة  الامريكييين والبريطانيين والالمان وقال الرئيس الأوكراني  أيضا  : إن العالم يجب ان ينشئ  ” تحالفا مناهضا لبوتين ” وإجبار روسيا على السلام  .

وأثار قرار الرئيس الروسي على الفور موجة من الإدانات الدولية. ودان الرئيس الأميركي جو بايدن يحاسب العالم روسيا“الهجوم غير المبرر” الذي سيسبب “معاناة وخسائر في الأرواح”. 

ومن جانبه أكد بوتين… قائلا : “ليس من بين خططنا احتلال أراضٍ أوكرانية ولا ننوي فرض أي شيء بالقوة على أحد“، داعياً الجنود الأوكرانيين إلى “إلقاء أسلحتهم ” وكان  قبل ساعات قليلة قد أعلن الكرملين أن قادة “الجمهوريتين” الانفصاليتين المواليتين لروسيا في شرق أوكرانيا طلبوا “مساعدة” فلاديمير بوتين “ لصد العدوان الأوكراني “

وفي إستنفار عالمي غير مسبوق من الإتصالات وتنسيق المواقف … على سبيل المثال  سيجتمع قادة الدول ال27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في قمة مساء اليوم ( الخميس ) … زعماء القارة العجوز والمواقف الأوروبية الضعيفة اصلا …  والتي تدور في الفلك الأمريكي ولم تعُد ذات ثقل سياسي في الأزمات الدولية .

تثير الأزمة في أوكرانيا مخاوف من نزاع سيكون الأخطر في أوروبا منذ 1945. وسبق وان حذرت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد من أن التدخل الروسي قد يؤدي إلى نزوح ما يصل إلى خمسة ملايين شخص إضافي .

وكانت  واشنطن قد فرضت وحلفاؤها الغربيون أولى العقوبات ردا على اعتراف موسكو بالانفصاليين الذين تقاتلهم كييف منذ ثماني سنوات في نزاع أودى بحياة أكثر من 14 ألف شخص حتى الآن .

ولا يتسع بنا المقام في متابعة   التطورات على مدى الساعة  … لكن القنوات الفضائية تتولى ذلك بمراسليها الذين وصلوا  المنطقة بكثافة .

إنما  نكتب  ما أمكن على صفحلت الموقع  وبهذه السرعة ( وما أكثر ما كُتب …  عن اوكرانيا ) في محاولة لإسترجاع تاريخ المنطقة  وأحداثها   ,  لان الأزمة الأوكرانية متشعبة ومتداخلة إلى حد طاحن … ما بين البعد التاريخي والديني  والجغرافي والثقافي ايضا .  

وكما تقول سوسن الأبطح ( القدس العربي ) فمرجعية أوروبا وأميركا التاريخية هي الفلسفة اليونانية القديمة، وما تحلت به من ديمقراطية … أما روسيا فهي ابنة الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية. ومن يعتقد أن الصراعات السياسية، خاصة في دول تعرف تاريخها جيداً، هي ذات بعد واحد، لا شك يفوته الكثير .

عندما تفكك الإتحاد السوفيتي ( غوربتشوف …  ) تم التفاهم ضمن أشياء كثيرة على توحيد الألمانيتين     ( كان ذلك شفهيا … بمعنى بدون وثيقة … ولا شهود ) على ان لا يتمدد الغرب والناتو خطوة واحدة بإتجاه الشرق …

ولكن الغرب ضرب عرض الحائط بالاتفاقيات …

لم تلتزم امريكا بتعهداتها وتفاقم الأوضاع , حذر بوتين في قمة بوخارست عام 2008 من ان بيلوروسيا وجورجيا وأوكرانيا هي خطوط حمراء … وهدد بان روسيا ستكون مضطرة لإتخاذ إجراءات عسكرية . وعندما إستمرت تصرفات  ( الناتو )  على حالها وإستيعاب من يرغب ممن لم يكن لهم روابط ودية مع روسيا  , وإجترارهم الذكريات السوفيتية … في اللحاق بالركب الغربي … ناتو وغير الناتو , الأمر الذي جعل روسيا تغزو جورجيا … وإعلان إستقلال  أبخازيا وأوستيتيا الجنوبية … والتي كانت بمثابة  إنذار … للغرب . وكانت أزمة غير مسبوقة في القوقاز منذ نهاية الحرب العالمية الاولى …  ومواجهة هي الأخطر بين روسيا والغرب منذ إنهيار الإتحاد .

وكل من تابع وسمع بما جاء في خطاب بوتين الطويل مساء يوم الاثنين الماضي والذي  كان بمثابة سرد تاريخي ليس الكلام على الـ 250 مليار دولار التي سددتها روسيا عن أوكرانيا , لكنه أراد التاكيد بان شرق أوكرانيا ( أرض روسية قديمة )إضافة للنقد اللاذع الذي وجهه للقادة السوفيات، الذين عاشوا في «الأوهام الثورية» وسمحوا للانفصاليين في كل الجمهوريات بأن يفعلوا ما يشاءون…

وجاء في السرد هذا أيضا مواقف مشابهه وداعم للسرد الصيني … الذي يعتبر تايوان مقاطعة منشقة يجب إعادتها إلى البر الصيني في نهاية المطاف، وبذلك تطابق الرؤية الروسية والصينة بشأن طموحاتهما التاريخية … وهذه حكاية اخرى ..

وفي عودة سريعة للتاريخ …  نتذكر كيف  انفصلت تكساس عن المكسيك في عام 1836، وأعلنت نفسها جمهورية اعترفت بها الولايات المتحدة في عام 1837، وأصبحت الولاية الثامنة والعشرين بعد ثماني سنوات .

وبات من الواضح أيضا أن بوتين يسعى بوضوح استعادة مجد روسيا القيصري. لتحقيق هذه الغاية، ليس فقط أوكرانيا، لكن على فنلندا ودول البلطيق وبولندا أن تقلق. كانوا جميعًا جزءًا من الإمبراطورية الروسية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر …

وهنا تختلف شهية بوتين التوسعية عن الحالة الأمريكية عما كانت تكساس، أو كاليفورنيا، أو أي ولاية أخرى دخلت الاتحاد، والتي  كانت نتيجة إرادة السكان هي القيام بذلك.

لا دول البلطيق ولا بولندا ولا فنلندا لديها مصلحة في العودة إلى روسيا. ولا ينطبق ذلك أيضًا على حلفاء الاتحاد السوفياتي السابقين في حلف وارسو، الذين أصبحوا جميعًا أعضاء في الناتوة  …

اخيرا

نأمل وندعو الله ان تبقى إمكانيات وابواب الدبلوماسية مواربة … وكفى قتال وإقتتال كان إرث الماضي الثقيل .

وللحديث بقية  عن أوكرانيا وجغرافيتها وتاريخها وثقافتها الحافل بالدماء …