خطــــأ بـوتــين الـــفـــادح

سيفر بلوتسكر.jpeg
حجم الخط

بقلم: سيفر بلوتسكر

 

 


للمعنيين في المقارنات التاريخية أوصي بقراءة الفصل عن 1938 في الكتاب التاريخي لمارتين غيلبرد «تاريخ القرن العشرين». في أيلول 1938 يلقي الطاغية في ألمانيا النازية أدولف هتلر خطاباً يبث إلى أرجاء أوروبا يفصل فيه مطالبه من تشيكوسلوفاكيا المجاورة. يقول فيه: إن تشيكوسلوفاكيا ليست دولة شرعية بل جملة من القبائل والأعراق التي يتحكم بها سوفيات ويهود. حكومتها الإجرامية تلاحق، تعذب وتقتل أبناء الأقلية الألمانية، وبالتالي «لا مفر لألمانيا النازية غير مد يد المساعدة والنجدة للإخوان المقموعين وتحريرهم». في المرحلة الأولى من خلال ضم أراضٍ ذات أغلبية ألمانية إلى الرايخ الألماني الثالث. من المفضل بالتوافق، وإن لم يكن فبالقوة.
خذوا هذا الخطاب اللعين الذي استقبل في حينه في لندن وفي باريس بتفهم وبأكثر من مجرد موافقة، وبدلوا كلمة «تشيكوسلوفاكيا» بـ»أوكرانيا» و»الأقلية الألمانية المضطهدة» بـ»الأقلية الروسية المضطهدة»، ومع بعض تعديلات التحرير والأسلوب يقول لكم خطاب قيادة الكرملين الحالية لتبرير الغزو لأوكرانيا.
لكن فليحيا الفرق الكبير. في خريف 1938 صادقت حكومتا بريطانيا وفرنسا على الإنذار النازي ووقعتا في ميونيخ على اتفاق استسلام، ينقل إلى سيطرة هتلر أجزاء من تشيكوسلوفاكيا دون إطلاق رصاصة واحدة. أما الآن فإن العالم – باستثناء بضع دول في محور الشر الجديد، بينها إيران، فنزويلا وسورية – يرفض المطالب الروسية تجاه أوكرانيا ويتعاطى مع بوتين كدكتاتور خطير تصممت شخصيته في أثناء خدمته في الكي.جي.بي السوفياتي.
هذا وغيره. صحيح أن الغرب الديمقراطي لم يبعث بجنوده إلى أوكرانيا، ولكنه يهاجم النظام الروسي بوساطة عقوبات اقتصادية، تكنولوجية ومالية هدامة ومتعددة المراحل تمس بالحلقات الأكثر كشفاً للنظام. وسيكون تأثيرها العام هداماً. ستؤلم بشكل خاص السياسيين وأرباب المال في قمة السلطات الروسية وستضعضع الأساسات – المتضعضعة أصلاً - للاقتصاد.
أحيانا يكون الأبيض ببساطة أبيض، والأسود ببساطة أسود. هذا الوضع الآن بين روسيا وأوكرانيا. لا يوجد هنا «من جهة ومن جهة أخرى» ولا يوجد «هم أيضاً مذنبون». يوجد تطلع إمبريالي من الكرملين لاحتلال دولة مجاورة وضمها كحجر أساس للقيصرية الروسية المتجددة، وتوجد مقاومة شجاعة من الحكومة المنتخبة الديمقراطية من كييف ومن الشعب الأوكراني للعدوان والاحتلال.
عندما يكون الأبيض أبيض والأسود أسود يمكن أيضاً التحرر من الدعاية الروسية. لا، كييف ليست مهمة لروسيا مثل الخليل لليهود. فالقومية الأوكرانية انفصلت عن الروسية قبل سنوات جيل، وتعاظمت في أعقاب سياسة التجويع الجماعي للسكان الأوكرانيين من قبل ستالين في الثلاثينيات.
لا، لم يتصرف الغرب بـ»غرور» وبـ»عدوان» تجاه روسيا. إلا إذا كان الغرور والعدوان يعرفان كدعم – محدود ومتردد – لقوى ديمقراطية وليبرالية. لا، روسيا لم تغز أوكرانيا كي تحمي الأقلية الروسية و/أو لتمنعها من الانضمام إلى حلف الناتو بل كي تجسد حلم إعادة إقامة الإمبراطورية الروسية الكبرى. ولا، بوتين ليس عبقرياً إستراتيجياً يكشف عجز الغرب – هو بالذات الذي رمم بعدوانه «الناتو»، رفع مستواه من نادٍ للمداولات إلى سور واق عسكري، وأخطأ تماماً في تقدير التطورات في ميدان المعركة وفي ميدان المواجهة السياسية – الإعلامية.
لم توفر حربه ضد أوكرانيا دليلاً على التفوق التكنولوجي المزعوم للجيش الروسي، بل العكس، أعطت دليلاً واضحاً على دونيته وتخلفه العميقين. روسيا بوتين معزولة، مكروهة وضعيفة مثلما لم تكن أبداً. وفي صالح رئيسها يقال: إنه أمام العوائق غير المرتقبة يعرف كيف يتراجع. حتى هنا على الأقل.
شعرت بالفخر عندما أطلق وزير الخارجية يائير لابيد الشجب العلني لعدوان موسكو، وشعرت بغضب وحرج من المحللين الإسرائيليين الذين ليس فقط أصبحوا عُمياً عن رؤية الأسود والأبيض في حرب أوكرانيا، بل استوعبوا أيضاً رواية الحكم الروسي ومبرراته الواهية للغزو. يبدو أن الفكرة الكاذبة وبموجبها «بوتين أحلى رجل، الغرب أرانب متعالين» منتشرة في إسرائيل انتشاراً واسعاً تقريباً مثلما بين أسوار الكرملين. إن الإعجاب بالقوة وبنزعة القوة تفقد عندنا الكثيرين صوابهم وتشوش عقولهم.

عن «يديعوت أحرونوت»