هارتس : وجـه إسـرائـيـل الـقـبـيـح فـي مـطـار بـن غـوريـون

ليفي.jpeg
حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي

 



الدولة التي اهتمت بإخلاص كبير بمواطنيها في أوكرانيا، وأيضا بيهودها، هي التي أغلقت اكثر من أي دولة اخرى أبوابها، وبدرجة معينة قلبها، أمام الضحايا الآخرين. الدولة التي في صلب روحها الوطنية توجد لائحة اتهام شديدة ضد العالم الذي صمت وحرف نظره وأغلق أبوابه، تتصرف بالضبط مثله في زمن الاختبار. الدولة التي عرفت كيف تستغل بشكل جيد وتستثمر الشعور بالذنب لدى العالم تجاهها من أجل تحقيق اهدافها السياسية يمكن أن تجد نفسها ازاء موقف جديد للعالم، الذي ربما لم ينس صمتها وتلعثمها وسيأتي يوم ويحاسبها على ذلك. وفي النهاية، الدولة التي تهربت من عقوبة احتلالها اللامتناهي يمكن أن تجد نفسها أمام عالم جديد، ربما لن يبقى موافقاً ولن يصمت.
من المثير رؤية رجال وزارة الخارجية وهم يخرجون عن أطوارهم كي ينقذوا من الجحيم كل شخص يحمل جواز السفر الإسرائيلي، بمن في ذلك الذين وطئت أقدامهم للتو هنا. رغم أنه طوال أسابيع طلب منهم الخروج واستخفوا بذلك. في دولة يبحث المواطنون فيها عن جواز سفر آخر لزيادة الأمان تبين أن جواز السفر الإسرائيلي هو بوليصة تأمين. أيضا القلق على اليهود، الذين لم يخطر ببالهم في أي يوم أن يهاجروا الى هنا، يمكن أن يثير إعجاب عشاق الجنس اليهودي. ولكن عندما يتوقف لاجئو الحرب في المطار الإسرائيلي، مطرودين أو ان يطلب  منهم إيداع مبلغ ضخم لا يوجد لديهم من اجل تذوق طعم الحرية والامن الشخصي، عندها يتبين أن شيئاً ما في الضمير الأخلاقي الإسرائيلي مشوه تماماً بل مريض. هذا الاهتمام بالفقراء جيد، أما الاهتمام بهم فقط فهو أمر فظيع.
الاهتمام بأبناء شعبك هو أمر مفهوم، أما الاهتمام فقط بهم فهو أمر مشوه. هل يوجد حقا فرق بين طفل من أوكرانيا هرب للبحث عن النجاة ولا يوجد له جدة يهودية وبين طفل من أوكرانيا له جدة يهودية؟ ما هو الفرق؟ هذا الفرق يسمى عنصرية. والنبش في الدم، خاصة في زمن الحرب، يسمى انتقاء. في الوقت الذي يستيقظ فيه الاتحاد الأوروبي رويدا رويدا ويتبين أنه جسم متوحد وقيمي أكثر مما اعتقدنا فإنه يظهر الوجه القبيح لدولة اللاجئين والكارثة. عشرات السنين من الانتقاء في مطار بن غوريون، بما في ذلك طرد لاجئين من كل العالم، تؤتي أكلها؛ ايضا عشرات السنين من الطرد والاحتلال، التي مرت دون أي عقاب من المجتمع الدولي، تؤتي أكلها. في ساعة الظلمة هذه التي هبطت على العالم فإن إسرائيل تظهر كدولة ظلام للأغيار. لم يكن على أي أحد أن يتوقع منها أن تكون منارة للأغيار. لماذا هذا النور؟ لماذا وبفضل ماذا؟ لا شعب الله المختار ولا اختيار، لكن على الاقل أن نكون مثل الجميع.
كم سيكون جميلا لو أن إسرائيل تصرفت مثل بولندا الظلامية أو هنغاريا المظلمة، ولا نريد الحديث عن السويد وألمانيا، التي هي النور الحقيقي للأغيار، وفتحت ابوابها مثل هذه الدول. هناك التزام لإسرائيل باللجوء، ليس فقط بسبب ماضيها، بل بشكل خاص بسبب المجتمع الأوكراني الكبير في إسرائيل من العمال الاجانب. دولة تمنع الذين يتولون باخلاص رعاية المسنين فيها والذين ينظفون بيوتها، من احضار ابناء عائلاتهم من اجل انقاذ حياتهم، هي دولة غير اخلاقية بوضوح. جميع المبررات حول سلوك أوكرانيا في فترة الكارثة فقط تزيد من خطورة الصورة. الخادمة التي تعيش هنا منذ سنوات من المحظور عليها انقاذ أبنائها واحضارهم الى بيتها الجديد هنا. فقط لكونهم غير يهود. هذا حقيقي بل مقبول على معظم الإسرائيليين كما يبدو.
لا، هذا ليس بسبب الخوف من روسيا. فالخوف من روسيا هو فقط الذريعة. وهذا ليس بسبب الحكومة، أي حكومة، فقد اثبتت هذه الازمة أخيرا أنه لا يوجد فرق اخلاقي بين الحكومة الحالية والحكومة السابقة سيئة السمعة. فهما منغلقتا القلب بنفس الدرجة. حكم بينيت هو مثل حكم نتنياهو، وحكم ميري ريغف هو مثل حكم اييلت شكيد، وايضا ميراف ميخائيلي شريكة في ذلك. هذا شيء مدفون عميقا في الجينات الوطنية. سنوات من غسل الادمغة عن الحاجة الى أن نكون اقوياء، فقط اقوياء، مع حكايات عن الشعب المختار والضحية الوحيدة في التاريخ، التي رافقها تطوير كراهية الاجانب بأبعاد غير شرعية في أي دولة اخرى، تخرج، الآن، الى النور في عرض قبيح بشكل خاص. ربما أن هذا هو الخطأ الاول لدولة قامت على طرد مئات آلاف اللاجئين، وربما هو دين الصهيونية التي تقول بوجود تفوق يهودي في كل شيء. ومهما كانت الاسباب فإنه لا يوجد أي سبب يبرر أخذ رهن ولو شيكلاً واحداً من لاجئ حرب في مطار بن غوريون.
الظلام يغطي الهاوية.

 عن "هآرتس"