قامت وسائل إعلام عبرية قبل أيام، بنشر ما اعتبرته موقفا للاتحاد الأوروبي بتعليق قيمة الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، كونها لم تنفذ "أوامرهم" بتعديل المنهاج المدرسي الفلسطيني، والذي يتحدث عن القضية الفلسطينية وفقا للتاريخ والحقيقة.
دعم الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية كان جزءا من التزامات دولية بعد توقيع اتفاق اعلان المبادئ (اتفاق أوسلو) عام 1993، تأكيدا لمسؤولية أممية، ولكنه بالمقابل مظهرا لدور إقليمي تمارسه تلك الدول من خلال علاقتها بالصراع الدائر.
ودون البحث في مسببات الدعم وغاياته تفصيلا، فهي لا تقدم ما تقدمه "حبا" في الجين الفلسطيني، بل تأكيدا لدور ومكانة سياسية وسط التطورات العالمية، ولعل فلسطين أيضا منحت للدول دورا ربما لم يكن يسمح بها في فترات سابقة، من قبل أمريكا ودولة الفصل العنصري، ولكن القضية الفلسطينية ساهمت بكسر فيتو معلوم في فترات سابقة.
ولأن الأمر يتعلق بمسألة ليست شكلية وموقف مرتبط بجوهر القضية الفلسطينية، كان الأكثر أهمية سياسية أن تربط دول الاتحاد الأوروبي أي مسألة خاصة بالصراع في المنطقة الى حين انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطين فوق أرضها، كما قررته الجمعية العامة للأمم المتحدة 19/67 لعام 2012، بما فيها القدس الشرقية، الهدف المركزي الذي يجب أن تعمل له ومن أجله دول الاتحاد الأوروبي لو حقا تريد سلاما دائما، ورغم أنه ليس غير عادل بالمعنى التاريخي، وحتى وفقا لقرارات الشرعية وخاصة قرار التقسيم، وليس للحق التاريخي.
كان منطقيا لو ربطت دول الاتحاد الأوروبي بتعديل المناهج من طرفي الصراع، وأن ترى العنصرية المطلقة تجاه الفلسطيني ليس في منهاج فحسب، بل في قوانين أقرها برلمان تلك الدولة، والتي يفترض أنها معاداة صريحة لأبسط قواعد الإنسانية، دولة تقر كل ما هو مخالف للقانون الدولي والإنساني وتحتل أرض وشعب، هي دون غيرها من يجب أن تكون هدفا للحصار والمقاطعة بل والنبذ من المنظومة العالمية.
لتذكير دول الاتحاد الأوروبي، من اغتال اسحق رابين، رئيس وزراء إسرائيل نوفمبر 1995، كان من بين أعضاء المجموعة الحاكمة، ولا نعتقد أن سبب الاغتيال مجهولا، فقط لأنه اختار السلام مع منظمة التحرير، فهل دولة تغتال رئيس حكومتها فقط لأنه قرر وضع نهاية للاحتلال والبحث عن علاقات مختلفة، لا تستحق العقاب..ولا نعرف ماذا كان رد فعل تلك المجموعة سوى بيانات لطم آني، انتهى أمرها بعد انتخاب أحد المشاركين في قتل رابين رئيسا لحكومة مارست كل أشكال العنصرية والقتل والاستيطان والتهويد ضد الفلسطينيين.
كان منطقيا أن تطلب دول الاتحاد الأوروبي وتعاقب دولة الكيان على القوانين العنصرية التي أقرتها، وأن تقف أمام منهاج كاره للآخر، أي آخر غير يهودي، بدلا من التواطئ لتشويه الموقف الفلسطيني وتعتبر حركة مقاومة الاحتلال "معاداة للسامية"، وكأن السامية هي فقط لليهود أو الجين اليهودي، وهذه سذاجة سياسية نادرة، وجهل بالحقيقة لمعنى التعبير.
ممثلي دول الاتحاد الأوروبي، يرون يوميا حرب التطهير العرقي والعنصرية ضد الفلسطينيين في أنحاء الضفة والقدس، وخاصة الشيخ جراح وسلوان وبناء مراكز "إرهاب متقدمة" باسم المستوطنات وحصار غير إنساني لقطاع غزة يضم ما يقارب الـ 3 مليون إنسان، دون أن تلجأ لأي خطوة عملية تواجه كل ذلك، سوى بيان متلعثم أو "مناشدة خجولة" لحكومة الكيان بأن تكف وتتوقف عن تلك الممارسات، دون أي خطوة عملية جادة.
لكنها تصل الى حد "التنمر السياسي" واستغلال الحاجة الفلسطينية للدعم، لتعمل على فرض تغيير مسار تاريخ القضية الوطنية، وتعمل على استبدال الرواية التاريخية برواية صهيونية زائفة.
دول الاتحاد الأوروبي مصابة بتوتر كبير لأن المنهاج الفلسطيني يتحدث عن فلسطين، لكنها لم تنطق كلمة فيما تقوله عصابات الإرهاب بدولة "من النيل الى الفرات"، و"دولة اليهود" في تجاهل كامل لوجود سكان ومواطنين أهل البلاد الأصليين.
ليس مطلوبا من الشعب الفلسطيني أبدا، أن يدفع ثمن "العقدة اليهودية" الساكنة في الثقافة الأوروبية التي أصابت غالبيتها نتاج الممارسات النازية، لكنها لم تر ذات الممارسات في جرائم حرب موثقة قامت بها دولة الاحتلال منذ عام 1948 حتى مجزرة أطفال غزة الـ 69 خلال شهر مايو 2021، وعمليات قتل على الهوية والشك.
وكي لا تستمر تلك المهزلة، يجب على الرسمية الفلسطينية أن تكسر جرة صمتها على تلك "الإهانة" للوطنية الفلسطينية، وتعلن أن كل ما تريده دول "العقدة اليهودية" مرفوض الى حين إزالة قوانين العنصرية والتهويد وانتهاء الاحتلال كاملا وإقامة دولة فلسطين.
ولأن الأمر ليس متعلق بالبعد الرسمي، نتطلع أن تقف كل المنظمات الأهلية لتصيغ ردا واضحا على ممارسات عنصرية جديدة، بعيدا عن "ضغط التمويل"، لو كان الأمر متربط الوطنية وليس بغيرها!
ملاحظة: أحسن الأمير تركي الفيصل، مدير الاستخبارات السعودية الأسبق بوصفه ما يحدث أمريكيا أوروبيا حول أوكرانيا بأنه نفاق دولي...حرب أوكرانيا لا يجب أن تمر دون تدفيع دولة الأبرتهايد الثمن..بدها حركة يا "مقاطعة"!
تنويه خاص: رئيس حكومة "الإرهاب السياسي" كسر "قدسية يوم السبت" كما يقولون، للسفر الى روسيا ويلتقي مع بوتين...الحركة لن تكون بركة أبدا لكنها حركة ليقول لليهود بعد ملطمة زيلينسكي عملنا اللي علينا..براءة ذمة تحت الخوف!