من فلسطين إلى أوكرانيا: سمر وحروبها الخمسة

bjTSb.jpg
حجم الخط

بقلم مصطفى ابراهيم

 

 

 تجربة سمر هي حكاية كثير من الفلسطينيين ومعاناتهم المصحوبة بالخوفوالقلق والحقائب المحزومة التي تنتظر بجوار باب البيت، والمستقبل المخفي ظل هذا التوحش وما نعيشه من تمييز وعنصرية وازدواجية المعايير.

سمر فتاة فلسطينية من غزة في بداية عقدها الثاني، تدرس في إحدى الجامعات  الأوكرانية بمدينة خاركوف. كتبتعلى على الفيسبوك “سمر وحروبها الخمسة”.

إنها الحرب الخامسة التي تعيشها سمر لكن هذه المرة خارج حدود فلسطين وخارج مدينتها غزة التي شهدتدورات عدوان وحروب متكررة خلال الـ 15 عاماً الماضية.

سمر تخوض منذ طفولتها معركة البقاء، فهي عاشت أربعة حروب وحشية، وما بينهم من ما تسمى أيام تصعيدوقصف واجتياحات برّية وجوية وجرائم قتل نفذتها آلة الحرب الإسرائيلية على غزة، ودوراتها المتكررة خلال عقدونصف من الزمن.

كانت الحرب الأولى في نهاية العام 2008، وبداية العام 2009، واستمرت 23 يوماً، مروراً بحرب 2012، التياستمرت 12 يوماً. 

وبعد عامين عاشت سمر حرب 2014، التي استمرت 51 يوماً وشهدت ما ارتكبته إسرائيل من مجازر، وما أطلقعليه مجزرة يوم “الجمعة السوداء” في الأول من أغسطس/ آب واستهدفت جميع أنحاء مدينة رفح بما فيها مخيمالشابورة للاجئين في مسقط  رأسها ومكان سكن عائلتها، التي هُجّر أجدادها إليها من قرية برير وهي من القرىالفلسطينية المدمرة في قضاء غزة، والتي تبعد عنها 20 كيلومتراً ودمّرتها العصابات الصهيونية وطردت أهلهاكباقي المدن والقرى الفلسطينية في العام 1948.

في ذلك اليوم المشؤوم استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي بالطائرات الحربية ومدفعية الدبابات جميع أنحاء رفححيث سقط في يوم واحد نحو 150 ضحية من بينهم طفلين من أبناء عمها شقيق والدها، وخمسة أفراد من بينهمثلاث طفلات ووالدتهم وهم من عائلة والدها ووالدتها.

أما الحرب الرابعة فكانت في أيار/ مايو من العام 2021، حينما استهدفت اسرائيل القطاع، وها هي اليوم معبداية العام  2022 تعيش الرعب والخوف في حربها الخامسة في أوكرانيا. 

في اليوم الرابع من الحرب كتبت سمر على حسابها على فيسبوك: “هام مدينة خاركوف: من اجل سلامتكم تحذيرمن الجيش الأوكراني بإطفاء أضواء المنازل هذه الليلة”.

في بداية الحرب أخبرتني زوجتي أن والدة سمر تعيش حالة قلق على ابنتها سمر، وخلال الأيام الأولى ظلت تتابعأخبارها، إلى أن تم قصف خاركييف حيث تدرس هناك ولا يوجد اقرباء لها، وعما إذا كانت وزارة الخارجيةالفلسطينية ستساعدها مع غيرها من الطلاب الفلسطينيين في الفرار من الحرب.

لم تتوقف الأسئلة مع توارد الأخبار التي تناقلتها وسائل إعلامية حول معاملة بعض الدول الأوروبية للاجئين غيرالأوكرانيين، ورفض استقبال أصحاب البشرة السمراء والسوداء والمعاملة اللاإنسانية غير اللائقة بحقهم.

 في لحظات تسللت إليّ المشاعر التي تعيشها سمر هناك، وعاشتها خلال سنوات طفولتها وبداية شبابها في غزة. كنت أحاول أن أعيش معها مشاعرها وخوفها وقلة حيلتها وهي وحيدة في انتظار انتهاء الحرب أو التفكير فيمغادرة أوكرانيا وهي تحزم حقيبتها واحلامها ومستقبلها والتفكير في والدتها واخوتها، والرعب الذي تعيشهويتسلل لها في كل لحظة وتحمله معها كحقائب الفلسطينيين المشتتين في كل العالم. كنت أحاول أن أستوعب حجمخوف والدتها وعائلتها عليها وهي تعيش صوت الانفجارات والصواريخ الطائشة وهي تختبئ في مترو الانفاق معالأوكرانيين وحيدة بدون الأهل والعائلة والأصدقاء في انتظار الخروج من الحرب سالمة والعودة إلى غزة ربما لتشهدالحرب السادسة…

ظلت هذه المشاعر إلى أن علمنا ان سمر غادرت خاركيف بالقطار باتجاه الحدود الرومانية، وفي رحلة استمرت 31 ساعة، حتى وصلت الحدود الأوكرانية مع ما عانته من خوف ورعب وقلق من التعرض للقصف، أو الخشية من عدمالسماح لها بعبور الحدود الرومانية.

سمر وصلت إلى رومانيا أخيراً، وقد نجت من الحرب الخامسة. كتبت بعد نجاتها: “وصلنا بأمان لرومانيا، صحمبسوطة اني قدرت أهرب من قصف خاركوف المخيف، بس متدايقة أني تركت كل شيء وراي في خاركيف،ذكرياتي وحياتي وبيتي وجامعتي واغراضي، وكل شي بخصني لساتو موجود هناك غير المستقبل المجهول اليصرت فيه، إلى لقاء آخر جميل أوكرانيا”

تجربة سمر هي حكاية كثير من الفلسطينيين ومعاناتهم المصحوبة بالخوف والقلق والحقائب المحزومة التي تنتظربجوار باب البيت، والمستقبل المخيف في ظل هذا التوحش وما نعيشه من تمييز وعنصرية وازدواجية المعايير.