إطالة زمن "حرب أوكرانيا"..ليس لصالح "محور الغرب"!

1638599527-781-3.jpg
حجم الخط

كتب حسن عصفور

 ما قبل اعلان روسيا إطلاق عمليتها العسكرية في أوكرانيا، كانت دول المحور الغربي (أمريكا ودول أوروبا بما فيها بريطانيا التي تترقوص حائرة بين البقاء والخروج) تعلم يقينا، أن الرئيس بوتين اتخذ قراره النهائي نحو الذهاب لرسم معادلة سياسية ـ أمنية جديدة، ولن يقف الأمر عند حدود دعم جمهوريات (إقليم دونباس – دونتسك ولوغانسك) ذات الأغلبية الروسية، التي عانت اضطهادا قوميا، وصفه الإعلام الروسي بأفعال نازية جديدة.

تجاهل "دول المحور" التعاطي الإيجابي مع المطالب الروسية ما قبل 24 فبراير 2022، لم يكن سوى مظهر استخفافي بقدرة للدولة الروسية، وكذا رئيسها، حيث رأت أن ما سيكون مغامرة محدودة ستنتهي بهزيمة سياسية يعيد روسيا الى عهد يلتسين، دولة كبيرة اسميا، لكنها بلا حضور أو قرار أو مشاركة.

ولعل الإدارة الأمريكية، الفاقدة لرؤية شمولية لمجمل القضايا المركزية العالمية، لعبت دورا محرضا نحو دفع روسيا لقرارها الذي لم يكن ليتأخر،  أي كانت الظروف، والاستعداد لذلك عسكريا كان تحت النظر، وبشكل علني الى درجة عدم التصديق انها ستقوم فعلا بتطبيق القول، ولكن واشنطن استخدمت الحاكم اليهودي في أوكرانيا، ليقوم بدور تمثيلي جديد، وتحدي روسيا من خلال الحديث عن "التسليح النووي" والرغب بالانضمام الى الناتو، ورفض تنفيذ اتفاق مينسك 201، و2015، بعدما الغى كل الاتفاقات مع روسيا الموقعة عام 1991، كون ذلك باب العبور الروسي لبدء ما سيعرف في التاريخ لاحقا بـ "حرب أوكرانيا".

هل كان بالإمكان تجنب الحرب التي تقترب من حرب دولية، ببعدها الأمني – السياسي والاقتصادي، بالتأكيد، نعم، لو تصرفت دول المحور الغربي بمسؤولية حقيقية لعدم الذهاب الى "الخيار صفر"، بتقديم صفقة مستحدثة من الالتزامات التي قدمتها "دول محور الغرب" الى روسيا بعد حل حلف وارسو وانفكاك عقد المنظومة الاشتراكية ودول الاتحاد السوفيتي، باحترام سيادة روسيا بكل أبعادها، ومنع قيام أي عناصر أو امتدادات تنال من عمق أمنها القومي، والذي يختلف كثيرا عن تعريف أمريكا لـ "أمنها القومي"، وحدوده ما تستطيع ان تكون.

مناورة دول "محور الغرب" لجر روسيا الى "حرب أوكرانيا"، اعتقادا أنها عملية توريط كما حدث زمن الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، أدت الى اصابته بأضرار مهدت لما حدث في نهاية الثمانينات أوائل تسعينات القرن العشري، بانهيار المنظومة والاتحاد، دون تقدير حقيقي للتطورات الخاصة في روسيا، بمختلف جوابها مع زعيم فريد، رؤية وحسما، وقدرة على قراءة الآخر، ما يفتقده غالبية قادة دول المحور.

وخلال 12 يوم من بداية "حرب أوكرانيا" تأكد جيدا، خلافا لكل الدعاية الغربية، أن حسابات البيدر الغربي لن تكون هي ذاتها حسابات الحقل لما قبل الحصاد الروسي، الذي لن يقف عند أهداف "عملية 24 فبراير"، بل ستذهب الى ما هو وراء ذلك، لرسم المعادلة الدولية الجديدة، ينتهي فيها، ومرة واحدة القطبية المركزية للهيمنة الأمريكية، وإعادة الاعتبار لمصالح الدول بعيدا عما كان.

ولعل إطالة أمد "حرب أوكرانيا" ستأتي خلافا لكل ما تعتقده دول "محور الغرب"، حيث الخسارة الكبرى ستكون لها، وخاصة في المجال الاقتصادي الذي ظنت أنه سلاحها لكسر روسيا وحصارها، مع التذكير أن الارتدادات ستنال من مواطني دولها، ونمط حياتهم، ولعل الروس شعبا ومؤسسات أكثر قدرة على امتصاص الحصار من دول "محور الغرب".

رسائل بوتين عبر ماكرون وشولتز، بدأت غاية في الوضوح، كل الأهداف يجب أن تتحقق سلما أو حربا، لغة ربما غابت لسنوات عن المشهد العالمي، ولكنها بدات قاطعة مفاجئة، ومع كل يوم يزيد في الحرب سيكون الثمن السياسي أعلى...

بوتين، يدرك جيدا أن دول "محور الغرب" لن تنجر الى حرب عسكرية، ليس لأنها حريصة على السلم العالمي، بل لأنها ستدفع ثمنا يعني نهاية دول من الخريطة الجغرافية، ومناورات "الردع الاستراتيجي" والتأهب النووي، رسائل لا تقبل التأويل والتفسير بغير ما هي وضوحا، وأسقطت كل الغموض.

موضوعيا، "حرب أوكرانيا" ستخدم البعد الاستقلالي لدول أوروبا، وستحاصر الهيمنة الأمريكية عليها، وقد تعود رؤية الرئيس الفرنسي جاك شيراك ذات العمق الديغولي لإنهاء حلف الناتو واستقلالية أوروبا الى النقاش خلال "الحرب" أو بعدها.

كل يوم حرب في أوكرانيا تعني خسارة أمريكية أولا ولدول أوربية مرتعشة ثانيا...وتفكير بمعادلة سياسية عالمية جديدة لدول كانت تنتظر من يقرع الجرس...!

ملاحظة: مشهد وزير خارجية أمريكا "اليهودي" بيلنكن منتقلا من بلد الى بلد مهددا متوعدا، بشكل بهلواني، تذكر بطالب مدرسة في دورة تدريبية يحاول الاجتهاد ليقول أنا بأفهم..والصحيح شكله طلع "مش هيك بالزبط"!

تنويه خاص: شو "السر النووي" اللي أجل لقاء ما يسمى بالإعلام المحلي "القيادة الفلسطينية" اجتماعها من الأحد الى الخميس..معقول بدأها تصيغ "مبادرة سياسية" لوقف الحرب..طبعا ما تروحوا لبعيد مش "حرب أوكرانيا" بل "حرب البلادة"!