اعتقال الأطفال ليلا انتهاك لحقوقهم القانونية والإنسانية ‏

علي-أبو-هلال.jpg
حجم الخط

بقلم: المحامي علي أبو هلال‏

 

تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة الاعتقالات في صفوف الأطفال الفلسطينيين بصورة متزايدة، ‏وبما يخالف القانون الدولي الإنساني، واتفاقية حقوق الطفل، وقانون حقوق الانسان، وصعدت سلطات ‏الاحتلال بشكل واضح خلال العام 2021، من استهداف الأطفال الفلسطينيين بالاعتقال، حيث بلغت ‏حالات الاعتقال بحق الأطفال 1000 حالة، بينهم 73 طفلا لم تتجاوز أعمارهم الرابعة عشرة، وحسب ‏مؤسسات تعنى بشؤون الأسرى، يبلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين الأطفال في السجون الإسرائيلية حوالي ‏‏160 طفلا.‏

ولعل من أهم المخالفات التي ترتكبها سلطات الاحتلال في تعاملها مع الأطفال المقدسيين المشتبه في ‏إلقائهم الحجارة، هو اعتقال الأطفال في جنح الظلام واقتيادهم لمراكز التحقيق دون مرافقة والديهم، ‏واستعمال العنف الكلامي والجسدي ضدهم، بالإضافة إلى توقيف الأطفال دون سن المسؤولية الجنائية ‏والتحقيق معهم بأساليب قاسية، وتعريضهم للتعذيب القاسي، وذلك في مخالفة صارخة لاتفاقية حقوق ‏الطفل الدولية لسنة 1989، التي قامت إسرائيل بالتوقيع عليها في تاريخ في الثالث من شهر تشرين الأول/ ‏اكتوبر سنة 1991.‏

وتستمر قوات الاحتلال باعتقال الأطفال ليلا من منازلهم بما يتعارض مع الإعلان الذي أصدره جيش ‏الاحتلال الإسرائيلي، بشأن إجراءٍ إداريٍّ جديد، تعهّد فيه باستدعاء القاصرين الفلسطينيّين للاستجواب، ‏كبديل عن الاعتقالات الليليّة المفاجئة من دون إشعارٍ مسبق. ما دفع مركز الدفاع عن الفرد- هموكيد، إلى ‏تقديم التماسًا إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد الاستخدام الجارف الذي يمارسه جيش الاحتلال للاعتقالات ‏الليليّة للقاصرين الفلسطينيّين، ويطالب الالتماس بتنظيم الإجراء بواسطة استدعاء القاصرين للاستجواب ‏بواسطة أهاليهم‎.‎

يذكر أنّ هذا الالتماس معدّلٌ في إطار التماسٍ تمّ تقديمه من قبل مركز “هموكيد” في نهاية سنة 2020، بعد ‏أن ثبت له وفقًا للمعطيات المحدّثة بأنّ جيش الاحتلال، خلال اعتقالات الأطفال في سنة 2021، يتجاهل ‏أو لا يطبّق الإجراءً الإداريً الذي أعلنه بنفسه عن بلورته عشيّة بحث الالتماس الأصليّ، وهو إجراءٌ كان ‏من المفترض به تنظيم مسألة استدعاء القاصرين للتّحقيق.‏

وكان مركز “هموكيد” قد قدّم التماسًا إلى المحكمة العليا سنة 2020، ضد الممارسة الشّائعة لجيش ‏الاحتلال، والمتمثلة في اعتقال مئات القاصرين الفلسطينيّين في الضفّة الغربيّة من منازلهم في ساعات ‏الليل المتأخرة، وجلبهم للتّحقيق وهم مقيدون بالأصفاد ومعصوبو الأعين، مما يؤدّي إلى صدمةٍ لهم ولأبناء ‏عائلاتهم، بما فيهم إخوتهم الصغار. ويدّعي مركز “هموكيد” بأنّ الاعتقالات الليليّة هي الإجراء الأكثر ‏استخدامًا من قبل جيش الاحتلال، ويستخدمها بوصفها الوسيلة الأولى لجلب القاصرين للتّحقيق، في ‏تعارضٍ مع القانون الدوليّ المتعلّق بمصلحة الطّفل، كما تتعارض الممارسة مع الوعود بالقيام باستدعاءٍ ‏مسبقٍ للقاصرين للتّحقيق معهم، بدلًا من استخدام وسيلة الاعتقال، كوسيلة فُضلى‎.‎

يطالب مركز “هموكيد” في التماسه الحاليّ، جيش الاحتلال بتعديل الإجراء الإداريّ الذي دخل حيّز التنفيذ ‏في آب 2021، بطريقةٍ تغيّر الواقع ميدانيًا، بحيث تكون الطّريقة المتّبعة هي استدعاء القاصرين للتّحقيق ‏بواسطة أولياء أمورهم أو الأوصياء المسؤولين عنهم. كما يدعو مركز “هموكيد” في التماسه، إلى تطبيق ‏نفس الحماية القانونيّة التي يتمتع بها القاصرون الإسرائيليون، على القاصرين الفلسطينيّين، بما يتماشى مع ‏مبدأ مصلحة الطّفل.‏

إن استخدام وسيلة الاعتقالات الليليّة للأطفال الفلسطينيين بوصفها الوسيلة الرئيسيّة، بل والحصريّة تقريبًا، ‏لجلب الأطفال القاصرين للتّحقيق، تشكل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي ولمبدأ مصلحة الطّفل. ولاتفاقية حقوق ‏الطفل. علما أن مرحلة الطفولة من أهم مراحل بناء شخصية الإنسان التي يمكن أن تتأثر بالبيئات القسرية ‏والقمعية التي يمارسها الاحتلال ضد الأطفال الفلسطينيين، الذين يجري اعتقالهم والتحقيق معهم وتعريضهم ‏للتعذيب. ‏

وعليه يجب على إسرائيل، باعتبارها السلطة القائمة بالاحتلال في الأرض الفلسطينية المحتلة، أن تمتثل ‏للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، عند التعامل مع السكان المحتلين لا سيما ‏الأطفال، المنصوص عليه في المادة (50) من اتفاقية جنيف الرابعة، والمادة (77) من البروتوكول الأول ‏لاتفاقية جنيف وبموجب المادة (27/2) من اتفاقية جنيف الرابعة، فإنه يجب معاملة الأشخاص المحميين ‏معاملة إنسانية في جميع الأوقات وحمايتهم ضد جميع أعمال العنف، كما تفيد المادة (38) من اتفاقية ‏حقوق الطفل.‏

كما أن اعتقال الأطفال التعسفي في منتصف الليل، يشكل انتهاكا صارخا للحماية المتوفرة ضد الاعتقال ‏التعسفي للأطفال بموجب المادة (37) من اتفاقية حقوق الطفل. إذ ينصّ الفرع (ب) منها على ” ألا يحرم ‏أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. ويجب أن يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه ‏وفقاً للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة”.‏

إن سلطات الاحتلال تتحمل مسؤولية خرقها للقانون الدولي الإنساني، خاصة انتهك القواعد التي تكفل ‏الحماية القانونية والانسانية للأطفال الفلسطينيين، الذين يجري اعتقالهم في ظروف قاسية في جنح الظلام، ‏وبدون أدنى حد من المراعاة الإنسانية، كونهم الفئة الاجتماعية الأكثر ضعفا، والأجدر بالحماية والرعاية.‏

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.‏