لا يشكل الهجوم المنسوب لإسرائيل هذا الاسبوع في سورية، والذي قتل فيه ضابطان بمستوى متوسط من الحرس الثوري، في هذه المرحلة تعبيراً عن تغيير في السياسة الإسرائيلية وعن صعود درجة في المعركة تجاه إيران في محاولة لمنع تموضعها في المنطقة. في هذه المعركة، التي تجري منذ نحو عقد من الزمان، نفذ سلاح الجو حتى الآن مهام ذات مزايا مشابهة.
هذه المرة ايضا بقدر ما هو معروف من المعلومات التي يمكن جمعها، لم يكن القتيلان الإيرانيان هدفاً للهجوم. فقد كانا في المكان غير الصحيح في الزمان غير الصحيح، والهجوم الاخير يرتبط اغلب الظن بمشروع الصواريخ الدقيقة. يدور الحديث عن عملية مخططة وهامة انتظرت نضج الظروف العملياتية والاستخبارية والتوقيت السليم، حيث أن احدى الرسائل الإسرائيلية المهمة على خلفية الحرب في اوكرانيا والاتفاق النووي الذي يوشك على التوقيع، هي أن إسرائيل ستواصل العمل في هذا الوقت دون صلة بالتطورات في الساحة الدولية.
الرسائل، مثلما في مرات عديدة في الشرق الاوسط، تمر عبر الصواريخ والمواد المتفجرة، وإسرائيل تسعى لأن تحافظ على تواصل الاعمال العملياتية في ظل محاولة لقطع ما يجري عن الساحة الدولية. لكن الهدف الذي تم اختياره للهجوم لم يكن رمزياً. في الجيش درجوا على أن يسموا هدفاً كذلك الذي هوجم كهدف ذي قيمة عليا، هدفاً نوعياً بمجرد ضربه توجد اهمية عملياتية عالية نسبياً.
ضباط الحرس الثوري، كما يذكر لم يكونوا هدف الهجوم. فكجزء من سياسة العمل الإسرائيلية منذ نحو عقد، فان احد الشروط للعمليات في المعركة الجارية بين الحروب هو ادارة المخاطر التي في اطارها يسعى الجيش الإسرائيلي لأن يفي باهدافه ضد إيران وحزب الله، دون أن يجتاز النقطة التي تتحول فيها المعركة الى تصعيد أمني وتقرب الحرب.
كجزء من هذا الفهم، في إسرائيل حذرون جدا في هذه الهجمات بشأن هوية القتلى في الطرف الآخر. في هذه المعادلة يعد مقاتلو الميليشيات الشيعية بقيمة أقل وان كان حتى بالنسبة اليهم قتلهم ليس هدفاً، والجيش الإسرائيلي يعمل على تقليص عدد المصابين حين تعمد منظمات المعارضة للحكم السوري مرات عديدة الى ان تضخم عمداً أعداد القتلى.
تجاه نشطاء حزب الله من اللبنانيين العاملين في سورية فان هذه المعادلة اكثر تشدداً انطلاقاً من الفهم بأن القتلى اللبنانيين في سورية سيؤدون الى تصعيد أمني. ولهذا فان سلاح الجو والاستخبارات يفعلان كثيرا كي لا يحصل هذا. في كل ما يتعلق بنشطاء الحرس الثوري، المعادلة الواضحة تجاه حزب الله اقل تشدداً بقليل، ولكن لا تزال موجودة، وإسرائيل لا تعمل وفق عقيدة المس بهؤلاء النشطاء في سورية وتتخذ تجاههم ايضا جانب الحذر في الهجمات المنسوبة لسلاح جونا.
الجيش الإسرائيلي معني بأن يحقق اهدافه دون أن يدهور المنطقة الى حرب. فقتلى كثيرون في الطرف الآخر من شأنهم أن يخربوا على هذه الاهداف وبالتالي فان الجيش الإسرائيلي يدير المخاطر واحياناً ايضا باختياره الا ينفذ عملية معينة.
الى جانب ذلك، في السنوات الاخيرة، كما تقدر محافل إسرائيلية، قتل نشطاء من الحرس الثوري الإيراني في سورية في الهجمات المنسوبة لإسرائيل وفي طهران ابقوا على الصمت. اما هذه المرة فقد اتخذوا طريقا آخر واخرجوا الى النور امر موت النشطاء بفارق ساعات طويلة بعد أن ادعوا بداية في سورية بان القتيلين في الهجوم الإسرائيلي كانا مواطنين سوريين. وعبر هذا البلاغ فان اتهام إسرائيل والوعد بالرد يبث الإيرانيون رسالة بان الهجوم الاخير يخرج عن قواعد اللعب غير المكتوبة في المواجهة العسكرية بين الدولتين، والجارية منذ سنين على نار هادئة. كما ان هذا هو السبب الذي جعل الجيش الإسرائيلي يرفع مستوى التأهب في الشمال.
في نظرة الى السنوات الاخيرة، حين كانت إيران تؤطر التعهد وتهدد بالثأر فانها تعمل على اخراجه الى حيز التنفيذ. وبشكل عام يدور الحديث عن قرار مرتب لتنفيذ عملية رد. ولهذا فان التقدير في إسرائيل هو أن الإيرانيين سيردون. اما التوقيت وهوية القوة التي ستنفذ ذلك باسمهم أو بشكل مباشر فهي مسائل مفتوحة ولهذا فان التوتر في الساحة الشمالية كفيل بان يتواصل لزمن طويل.
في السنوات الاخيرة أحبط الجيش الإسرائيلي غير قليل من مثل هذه المحاولات مظهراً قدرات استخبارية وعملياتية مبهرة وبعض من هذه الحالات لم تنشر حتى اليوم. وفضلا عن القيمة العملياتية، فإن لإحباط هذه الاحداث توجد اهمية كبيرة في جانب الوعي ايضا.
سقوط أول لـ اف 35
في جهاز الأمن يتعاطون بجدية مع التهديدات الرسمية من إيران. والتقدير هو أن محاولة الرد ستأتي ولكن ايضا ان إيران لن تسارع الى الارتجال لأن اي فشل إضافي يكون أحياناً أسوأ من عدم الرد على الإطلاق.
داني سترينوبتس، رئيس سابق لفرع إيران في شعبة الاستخبارات قال لـ "معاريف": "سواء قصدت إسرائيل المس برجال الحرس الثوري في سورية ام لا، معقول أن يقدر محور المقاومة بانه توجد محاولة إسرائيلية لتغيير قواعد اللعب في سورية". ويتوقع سترينوبتس بان إطلاق صواريخ دقيقة وطائرات مسلحة من سورية ستكون الخيارات المفضلة على الإيرانيين.
التوازن في الرد من جانب الإيرانيين، والزمن الذي يستغرقهم الى ان يخرجوه الى حيز التنفيذ، والذي يمكن أن يستغرق اشهرا احيانا، هي المبادئ التي تلاحظها إسرائيل كنمط دائم في السنوات الاخيرة. ولكن من الجهة الاخرى نحن لسنا في ايام عادية. وعندما تكون الساحة الدولية غير مستقرة والقوى العظمى تناكف الواحدة الاخرى، هنا ايضا يكون من شأن التدهور الامني أن يكون أسرع من المعتاد.
على خلفية وعي مشابه، اختار الجيش هذا الاسبوع أن يكشف، حتى قبل الهجوم في سورية عن اعتراض مُسيّرتين خرجتا من إيران في الطريق الى إسرائيل مع ارسالية رمزية من الوسائل القتالية، وذلك اساسا لتنفيذ نوع من تجربة الادوات. ويعظم النشر الإسرائيلي القدرة العملياتية لطائرة اف 35 في اسقاط أول في العالم لاداة طائرة.
محظور الاستخفاف بالقدرات العسكرية الإيرانية، لكن اسقاط المسيّرات وحقيقة ان شظاياها هبطت في نهاية الامر في إسرائيل وفرت فرصة للتعرف على الطرف الآخر ومعرفة انه الى جانب القدرات الإيرانية المبهرة لتنفيذ هندسة تكنولوجية في الوسائل القتالية التي تقع في ايديهما فإن نوعية المسيّرات التي أسقطت وقدراتها على التملص لا تزال توجد في فارق كبير جدا مع القدرات الموازية لدى سلاح الجو وجيوش غربية اخرى.
يخيل أن الجيش الإسرائيلي في الإحاطات التي قدمها والتي تتجاوز مجرد عرض النجاح العملياتي دعا لان يطلق رسائل تكشف من جهة استمرار المحاولات لتنفيذ أعمال هجومية ضد إسرائيل الى جانب نقاط الضعف العملياتية لدى إيران، وكذا التعاون الاستراتيجي الناشئ في السنوات الأخيرة بين إسرائيل ودول عديدة في المنطقة ضمن مفهوم العدو المشترك الواحد – اي إيران.
بعد أن حجبت هذه القضية لسنة عن النشر لاعتبارات استراتيجية شرح الجيش توقيت الكشف كجزء من المعركة حيال إيران. والآن، قبيل التوقيع على الاتفاق النووي نضجت الظروف للنشر. ورد الجيش رداً باتاً الادعاءات في أن الكشف نبع من اعتبارات العلاقات العامة.
في الأيام العادية كانت التطورات الأخيرة في الساحة الشمالية ستحظى بعناوين كبيرة لكن الغزو الروسي لاوكرانيا يحرف كل الانتباه الدولي والمحلي الى هناك، مع آثار محتملة ذات مغزى كبير جدا على المصالح الإسرائيلية. مواضيع كثيرة جدا ثقيلة الوزن توجد الآن على جدول أعمال الساحة الامنية – السياسية: الحرب في اوروبا وتداعياتها على إسرائيل؛ منظومة العلاقات حيال الأميركيين والروس؛ حافة التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران وكيف ستكون المواجهة له في اليوم التالي للتوقيع في ضوء حقيقة أن رفع العقوبات سيسمح لها باستثمار المزيد من الأموال في بناء القدرات العسكرية وتسليح حلفائها بالوسائل القتالية؛ تهديدات الى جانب فرص استراتيجية مثل زيارة رئيس الدولة اسحق هرتسوغ الى تركيا هذا الأسبوع ليحل ضيفاً على اردوغان في تركيا، تلك الزيارة التي يشخص فيها جهاز الأمن بحذر فرصة إقليمية لتعزيز العلاقات بين الدولتين في المصلحة المشتركة تجاه إيران.
هذا هو المكان للإيضاح بان هذه مصلحة وليست قصة حب متجددة، ولكن لا يمكن التقليل من أهمية زيارة هرتسوغ. فإيران تسعى لان تعمق هيمنتها الإقليمية، ولكنها من جهة اخرى معزولة من ناحية سياسية بحيث أنه معقول الافتراض أنهم في طهران نظروا بقلق الى هذا التحسن المعين في العلاقات بين إسرائيل وتركيا.
عن "معاريف"
