سمير قنطار: فلسطين ثكلى حزينة

أشرف العجرمي
حجم الخط

من المحزن والمؤلم حقاً أن يختلف الفلسطينيون على سمير قنطار الذي اغتالته إسرائيل، حتى لو اختلف معه بعض الناس. فالسبب الوحيد لاستشهاده كان فلسطين وصدق الشيخ حسن نصر الله الأمين العام لحزب "الله" عندما سماه العاشق، فهو لم يكف لحظة عن عشق فلسطين فكانت حلمه الدائم وعشق حياته الأزلي ولهذا السبب اختار حزب "الله"، وهنا ربما كان موضع الخلاف مع الذين يتخندقون في الطرف النقيض. ونحن عندما يصدمنا هول الفقدان يجب أن نقفز عن أية خلافات لم تعد ذات صلة بالمشهد ونركز فقط على المصاب الجسيم الذي منيت به فلسطين وأهلها والأمة العربية برحيل هذا الفارس الذي ضحى بكل شيء من أجل فلسطين وكان يمكن أن يختار حياة هنيئة وراغدة ويحظى بالكثير من البرستيج والدلال لو اختار شيئاً آخر غير القتال.
الذين يهاجمون وينتقدون ويستخدمون ألفاظاً في غير محلها عندما يصفون هذا المقاتل عليهم أن يعرفوا حقيقة واحدة واضحة وأكثر سطوعاً من أي شيء آخر وهي أن إسرائيل قررت منذ فترة طويلة اغتيال سمير ليس لأنه ينتمي لحزب "الله" أو لأنه يقف مع النظام السوري، بل لأنه اختار مقاومة إسرائيل وكلف من الحزب بانشاء بنية تحتية للمقاومة تنطلق من الجولان المحتل، وأنه بدأ بالفعل في هذا العمل ونجح في تجنيد مقاتلين وتهيئة الظروف لانطلاق العمل المسلح من هناك عندما تحين اللحظة ويقرر حزب "الله" أن يستخدم هذه الجبهة، وللعلم فقط فقد نفذت مجموعاته عمليات ضد إسرائيل باعتراف الأخيرة. إذا فالموضوع ليس الحرب إلى جانب النظام السوري بل هو السعي لمواجهة إسرائيل.
وإذا اختلف أو اتفق الناس مع حزب "الله" أو النظام السوري بناء على التقسيم الحاصل بين المحاور على الساحة العربية، فينبغي أن يكون سمير خارج هذه المعادلة. وللتذكير كان البعض بالأمس القريب في خندق محور الممانعة وانقلبوا عليه عندما ظنوا أن النظام السوري على وشك السقوط كباقي الأنظمة في البلدان التي شهدت حراكاً أو ثورات، والبعض أيضاً يراجع حساباته بعد أن صمد النظام وتتجه الأزمة السورية نحو التسوية ببقاء هذا النظام على الأقل في المرحلة الانتقالية. أي أن التحالفات والمعسكرات تتغير مع تغير موازين القوى باستثناء القضايا المبدئية المتعلقة بحقوق البشر والتي لا يتمسك بها سوى فئة قليلة جداً من السياسيين، وأصحاب الضمائر الحية من نشطاء المجتمع المدني.
الموقف الوحيد المقبول في حالة سمير قنطار هو ما يعبر عنه الشعب الفلسطيني الذي يكن له كل الاحترام والتقدير بل والشكر والعرفان على ما قدمه من أجل القضية ودفاعاً عنها بغض النظر عن التفاصيل، خاصة وأنه لم يغادر خندقه حتى بعد ثلاثين عاماً من الأسر، فطيفه لا يزال يهيمن على ضمير وعقول الأسرى الذين شاركهم نضالاتهم ومعانياتهم وحلو الأيام ومرها، ولا يمكن لهذه الساحة النضالية إلا أن تسجل له تاريخاً حافلاً بكل ما هو ناصع ومشرّف من سفر البطولة والتضحية. وفلسطين الحزينة الثكلى تصر على إرسال زغرودتها ونشيدها لتكفن به روح ابنها الذي لم تلده.
ومرة أخرى يمتزج الدم العربي في معركة طويلة لا يبدو أنها ستنتهي قريباً عندما تتجه إسرائيل إلى المزيد من التطرف وغطرسة القوة، وعندما يتلاشى صوت السلام أمام قعقعة سلاح الظلم والاحتلال وزعيق المستوطنين الذين لا يعرفون في الدنيا سوى الكراهية ونفي الآخر. فإذا كانت إسرائيل أقفلت حساباً كما تقول مع سمير قنطار فإنها بلا شك تواجه حساباً مفتوحاً مع كل الفلسطينيين والعرب والأحرار في هذا العالم الذين لا يقبلون الاحتلال ومصادرة الأرض والحقوق. ورسالة شهادة سمير كما رسالة شهادة العشرات من شباب الشعب الفلسطيني الذين يسقطون في هذه الأيام من أجل كرامتهم وحريتهم وحقوقهم المشروعة، وهي تقول شيئاً واحداً لإسرائيل: لا تحلموا بالأمن والاستقرار والعيش في ظروف طبيعية طالما بقي هذا الاحتلال جاثماً على صدورنا. وإذا اخترتم الحياة على الحراب فلكم ما اخترتم، فحراب الحق وسيوفه أقوى بكثير من حراب العدوان والجريمة.
لا تزال القيادات الإسرائيلية تعتقد أنه بمقدورها إدارة الصراع إلى مالا نهاية أو إلى الحد الذي تجبر فيه الفلسطينيين على الخنوع لإرادة العدوان، وهي لا تتعلم شيئاً من دروس التاريخ، بل لا تتعلم درس الشعب الفلسطيني  الذي صمد وقاوم منذ قرن من الزمان، وهو لم يكن معزولاً عن عمقه العربي وعن دعم الضمير العالمي الذي ينتصر له عبر دعم وتأييد بسلسلة قرارات ومواقف لا مثيل لها في تاريخ البشرية، في حين أن إسرائيل تغرق في العزلة التي تتعاظم يوماً بعد يوم مع  كل شهيد يسقط ومع كل موقف وفعل نضالي لا يكل ولا يلين، وهي تخسر الرأي العام الدولي وتخسر تعاطف المجتمعات الغربية التي رأت في اليهود ضحية للظلم والتمييز وترى في إسرائيل اليوم المحتل الوحيد على الأرض والمجرم الذي ينتهك حقوق الفلسطينيين. وإذا لم يفهم الإسرائيليون لغة السياسة والدبلوماسية الناعمة فالوضع الراهن لا يستمر على ما هو عليه وهناك لغات أكثر إيلاماً وحدة إلى أن يفيقوا ويتخلصوا من عقدهم وهوسهم، ويعودوا إلى لغة السلام التي تضمن للجميع حقوقهم وأمنهم وللمنطقة الاستقرار والتنمية والازدهار.

أشرف العجرمي
2015-12-23