إن تحمل ايران للمسؤولية عن اطلاق الصواريخ، فجر أمس، على مدينة اربيل في الاقليم الكردي في شمال العراق يكشف بعضا من حرب المسيرات والصواريخ والسايبر التي تجري منذ فترة طويلة بين ايران واسرائيل. يتم توجيه بعض هذه الضربات المتبادلة من تحت الرادار. وبعضها يتم النشر عنه فقط بعد فترة زمنية. ولكن فعليا، اسرائيل وايران تتبادلان اللكمات المباشرة منذ خمس سنوات تقريبا، بمنحى واضح ومتواصل من التصعيد. يمكن الاشارة فيه الى أحداث رئيسة، مثل اسقاط طائرة ايرانية اخترقت اسرائيل في شباط 2018 أو محاولة تنفيذ هجوم سايبر ايراني ضد شبكة المياه الاسرائيلية في نيسان 2020.
بشكل عام، من الواضح أن ايران قد تبنت سياسة الرد على أي هجوم اسرائيلي مهم، وبالتأكيد على هجوم ألحق اصابات في جانبها. في الاسبوع الماضي، تم الابلاغ عن موت ضابطين من حرس الثورة الايراني في هجوم نسب لاسرائيل في سورية، في منطقة مطار دمشق الدولي. مع ذلك، المدى الزمني القصير بين الحدثين يمكن أن يكون قصيرا جدا، ربما أن الايرانيين اختاروا بشكل عام الرد على هجوم سابق ضدهم.
الصواريخ التي تم اطلاقها على اربيل اطلقت في الليل. في البداية، طرحت تقديرات أن الهدف هو اميركي، لكن بعد ذلك ادعت وسائل الاعلام المقربة من ايران بأن الهدف كان اسرائيليا. في الظهيرة، اعلن حرس الثورة الايراني بأن هذا كان هجوما نفذ من قبلهم واعتبروا أن الهدف هو "مركز استخباري اسرائيلي"، وحذروا اسرائيل من أنه "في المرة القادمة الرد سيكون مدمرا". قناة "الميادين" اللبنانية المقربة من ايران و"حزب الله"، اضافت المزيد من التفاصيل. حسب القناة يدور الحديث عن هجوم انتقامي ايراني على التفجير الذي قامت به مسيرات اسرائيلية خرجت من كردستان نحو قاعدة ايرانية في منتصف شباط الماضي وتسببت باضرار كبيرة. واضافت القناة ايضا ادعاء آخر لا يظهر أنه موثوق، وهو أنه في الهجوم الايراني في الفجر قتل واصيب الكثير من الضباط والجنود الاسرائيليين.
هذه ليست المرة الاولى التي ينشر فيها الايرانيون ادعاءات عن وجود قاعدة اسرائيلية سرية في اربيل. ففي شهر نيسان الماضي، نشرت وسائل الاعلام الايرانية بأنهم اطلقوا طائرات مسيرة وصواريخ لتهاجم في تلك المنطقة محيط مطار اربيل، وأنه في الهجوم اصيب رجال من "الموساد". وسائل اعلام اجنبية تنشر منذ سنوات عن نشاطات سرية اسرائيلية في الاقليم الكردي وفي اذربيجان قرب الحدود الايرانية. مبدئيا، يبدو أنه يوجد منطق في ذلك لأن التواجد هناك يقصر جدا مدى اصابة الاسرائيليين للايرانيين.
من المهم في هذا السياق التنصل الاميركي. فبعد التقارير الاولية، صباح أمس، التي ذكرت الولايات المتحدة كهدف محتمل سارعت نائبة وزير الخارجية، فيندي شيرمان، الى الاعلان بأن الادارة لا تعتقد أن السفارة الاميركية في اربيل كانت هدفا للهجوم. قامت الولايات المتحدة في السابق بمناورة مشابهة عندما سربت بأن هجمات ميليشيات شيعية مؤيدة لايران في سورية ضد القاعدة الاميركية في التنف كانت ردا على عمليات اسرائيلية. في المقابل، أظهرت الحكومة الكردية مقاربة متضامنة اكثر. ففي بيانها، أمس، قيل إن الامر يتعلق بعدوان ايراني تم توجيهه لمبنى مدني بالاساس.
محادثات فيينا
تجري هذه المعركة المركزة حيث يوجد في الخلفية تطورات اكبر في الساحة الدولية. الحرب في اوكرانيا وتأثيرات على علاقات روسيا والولايات المتحدة والمفاوضات المتواصلة في فيينا بين الدول العظمى وايران فيما يتعلق بالاتفاق النووي الجديد. توجد علاقة معينة بين الامور. حسب التقارير من فيينا فإن الاطراف تقف امام التوصل الى اجمال قريب للاتفاق الجديد، لكن بعد ذلك ظهرت مشكلة في اللحظة الاخيرة وهي أن روسيا وضعت مطالب للحصول على ضمانات تضمن بأن تجارتها مع ايران ستستمر، في حالة أن طهران عادت الى الاتفاق النووي، دون صلة بالعقوبات التي فرضها عليها المجتمع الدولي في اعقاب غزوها لاوكرانيا.
في نهاية الاسبوع الماضي، حذرت بريطانيا وفرنسا وألمانيا موسكو من أن الطلبات الجديدة يمكن أن تؤدي الى انهيار الاتفاق النووي، الذي كان، حسب قولهم، على وشك التوقيع عليه. مع ذلك، قالوا في جهاز الامن في اسرائيل، إن إيران ربما تضع عقبات على أمل أن تحصل على تنازلات اخرى من الدول العظمى عشية التوقيع.
في اسرائيل يقلقون من أن الادارة الاميركية غارقة كلها في تداعيات الحرب في اوكرانيا ولا يبدو أنها معنية بوضع طلبات متشددة اكثر من ايران في الاتفاق النووي الجديد. في اسرائيل كانوا يريدون أن تصمم الولايات المتحدة على استكمال الفحص فيما يتعلق بـ"الملفات المفتوحة"، المواقع الاربعة التي ثار حولها شك بوجود نشاطات نووية ممنوعة من جانب الايرانيين، التي لم تنه الوكالة الدولية للطاقة النووية فحصها بعد. ايضا هناك قلق فيما يتعلق بتفاصيل الترتيبات لاخراج مخزونات اليورانيوم المخصب من ايران في اطار الاتفاق الجديد. في الاتفاق القديم من العام 2015، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة في 2018 بتأثير رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو تم نقل المخزونات الى روسيا.
مصادر امنية قالت للصحيفة إن إيران واصلت في الاشهر الاخيرة تخصيب اليورانيوم بمستوى مرتفع، بصورة تضعها على بعد بضعة اسابيع من تجميع اليورانيوم بكمية تكفي لانتاج قنبلة نووية واحدة. مع ذلك، حتى بعد الوصول الى هذا الهدف الذي يحذر الايرانيون من تحقيقه في هذه الاثناء، فإنه ما زال من المطلوب نشاطات تكييف للقنبلة مع رأس نووي حربي لصاروخ بالستي، وهذه عملية، حسب تقديرات الاستخبارات المختلفة، يمكن أن تستغرق سنة الى سنتين.
عن "هآرتس"
