إسـرائـيـل تـتـحـول دولـة مـسـيـحـانـيـة مـتـطـرفـة

الشمعدان
حجم الخط

قال لي أحد الاصدقاء، هذا الاسبوع، إنه اتصل مع المدرسة الابتدائية التي يتعلم فيها ابنه وسأل كيف يعقل أن مؤسسة تعليمية تعتبر نفسها علمية تكنولوجية يعود منها ابنه مع وظائف بيتية بالتوراة بدلاً من الرياضيات؟

إن استيضاح الامر لا يتوقف عند الصف الثاني الابتدائي أو ادارة المدرسة، وحسب تحقيقات "هآرتس" حول ما يقوم به وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، من تغيير يجري بهدوء ولا يُحدث ضجة، مثلما مرت قضية سلفان شالوم بهدوء حول مخالفاته وتجاوزاته الجنسية.

وكذلك ما نشر في "ذي ماركر" حول صفقة ائتلافية جديدة بين "البيت اليهودي" و"شاس" و"يهدوت هتوراة": تقوم وزارة التربية والتعليم باعطاء المؤسسات التعليمية الحريدية مليار شيكل مقابل تخصيص ملايين الشواكل للاستيطان والسلطات المحلية في "المناطق".

نحن أمام هجمة على الهوية العلمانية الديمقراطية لاسرائيل. إن الهجوم على العلمانية هو بالضرورة هجوم على الديمقراطية. إن مصدر الصلاحية العليا لم يعد الدولة ومؤسساتها، مصادر الالهام لم تعد الانسانية الليبرالية، وحقوق الانسان، وحركة المعرفة والعلم.

بدلا من هؤلاء توجد قوة عليا، ورجال دين وكتب مقدسة. وطقوس وصلوات. في اطار حصص التعليم حول الحذر في الطرق يتعلم الطلاب صلاة الطريق.

ها هي التوراة جميعها على قدم واحدة. ولهذا الهجوم بالطبع يوجد سياق سياسي واضح، حيث في جوهره ائتلاف بين القومية المتطرفة (على العكس من القومية) والدينية (على العكس من اليهودية). والهدف هو ضمان حلم البلاد الكاملة وتخليد الجهل في الطريق الى الثيوقراطية.

كل شيء مرتبط ببعضه، وكذلك مجموعة التعيينات للمناصب الحساسة. أصبح افيحاي مندلبليت متدينا، رئيس "الموساد" الجديد، يوسي كوهين، كان من طلاب الحاخام حاييم دروكمان في "نور عتصيون"، وفي ظهور له امام طلاب المعهد الديني عرض المسار الذي مر به على أنه "اطار مكثف من التعليم الصهيوني الديني، الذي يزداد تأثيره مع الوقت". رئيس "الشاباك"، يورام كوهين، هو متدين وخريج معهد ديني، نائبه السابق ومفتش الشرطة العام الجديد روني ألشيخ درس في معهد مركز الحاخام.

يبدو أن التعيينات جميعها مهنية، ونحن لا نشكك في أهلية التعيين بسبب المعتقدات الفردية، لكن المشكلة ان الدين في اسرائيل غير مفصول عن الدولة، وغير مفصول عن سياسة اليمين الاستيطاني.

قاضي محكمة العدل العليا، نوعم سولبرغ، مستوطن يلبس الكيبا، قال انه لا يجب سريان قوانين محاربة الارهاب على اليهود في "المناطق"، لأنه لا توجد حاجة الى ردع الجمهور الذين يأتون منه، هذا ليس موقفا قضائيا امنيا، بل نظرية شعب الله المختار.

رئيس الحكومة، الذي يحيط نفسه بائتلاف قومي ديني متطرف واشخاص من الصهيونية الدينية، هو شخص لا يؤمن بالله، ولا يوجد له إله، وما يحرك بنيامين نتنياهو هو المصلحة فقط.

في تهجمه على العلمانيين تنضم اليه مجموعة من البسطاء بعضهم له مصالح والبعض الآخر لديه نوايا حسنة، ابتداء من يائير لابيد الذي يلبس تاليت ويرسل زوجته لعمل طقوس دينية، بقائمة لا تنتهي من المشاريع والحملات "للحوار" و"العودة الى المصادر" و"تقريب القلوب" لكن الجسر ذو اتجاه واحد الى الابد. والتقرب دائما من طرف واحد.

مر 20 عاماً تقريباً منذ كشف سافي رخلفسكي للجمهور العلماني الواسع نظرية "حمار المسيح" وقام في الاونة الاخيرة بتنشيطها بـ"مصدر أول" الحاخام موشيه راط من "كرنيه شومرون": "دور العلمانية مطلوب في مرحلة تكون فيها اليهودية الدينية لا تستطيع ان تدير بنفسها دولة وجيشا، ويمكن القول اليوم ان العلمانية قد أنهت دورها التاريخي" فيتضح أن الحمار حتى وإن أصبح طاعنا في السن يبقى حماراً. عن "هآرتس"