لا يزال الدعم الأوروبي للسلطة الوطنية الفلسطينية يمر بأزمة خطيرة، والمؤسسات العامة تعاني بالفعل من أزمة مالية وديون هائلة تعيق استدامتها. جاء وقف التمويل الأوروبي من قبل المفوض الهنغاري وبالتحديد حول المناهج الفلسطينية.
انطلاقاً من شغفي بالتعليم وإيماني بدور التعليم لتغيير العالم وعلاقة ذلك بالدعم الأوروبي، في هذه المسألة بالذات، لا بد من التنويه لعدة جوانب:
أولاً: من المثير أن اعتراض دولة واحدة فقط من دول الاتحاد الاوروبي يستطيع ان يُعطل سياسة شاملة وواضحة تم تبنيها من قبل الاتحاد أصلاً، كما أن الصمت الاوروبي وطول الفترة والمماطلة في مناقشة الموضوع يثير الانتباه!
ثانيًا: الادعاءات حول المنهاج الفلسطيني مُتكررة وعفا عليها الزمن، اتهامات ان المنهاج يتضمن “التحريض وتجنيد الكراهية ضد الآخر اضافة لتحفيز العنف من خلال بعض المصطلحات المرتبطة بالانتفاضة والأسرى وغيرها” لا بد من الاشارة أن هناك مجموعة دراسات تم تمويلها بالفعل من قبل الاتحاد الأوروبي و/أو الولايات المتحدة الأمريكية والتي تناولت المنهاج الفلسطيني مقارنة بالمنهاج الاسرائيلي والتي أثبتت علميًا أن هذه الادعاءات باطلة ولا أساس لها من الصحة، بالرغم من وجود الدراسات، لا مانع من إجراء المزيد من الدراسات لتحديث الأدلة ولكن ان يستمر استخدام هذه الادعاءات لاعتبارات تقويض ومحاربة الفلسطينيين فلا بد من الوقوف جدياً أمام هذه المحاولات!
ثالثًا: إذا كان الشغل الشاغل للاتحاد الأوروبي هو حقاً جودة ومحتوى التعليم والحق في التعليم للشعب الفلسطيني، فلمَ لا تدين دول الاتحاد الاوروبي المحاولة الإسرائيلية الأخيرة ضد الحرية الأكاديمية في فلسطين؟ لقد أصدرت قرارات يبدأ تنفيذها في أيار المقبل تفيد بحرمان الشعب الفلسطيني من الحق الأساسي في التعليم العالي من خلال فرض إجراءات دخول وإقامة للأجانب (أساتذة وطلاب) الراغبين في التدريس/الدراسة والعمل في الجامعات الفلسطينية، وتشمل تحديد سقف هؤلاء بما لا يزيد عن ١٠٠ أو ١٥٠ كحد أقصى اضافة لضرورة أخذ الموافقات من الجانب الاسرائيلي كشرط للعقد قبل دخول الأراضي الفلسطينية، هذه تدخلات سافرة وتقيد الحريات الأكاديمية الفلسطينية والحق في التعليم.
بالرغم من كل ما سبق، يؤكد الاتحاد الأوروبي على موقفه أن الأزمة ستحل قريباً وأنه ملتزم بدعم الشعب الفلسطيني!
بصفتي ولي أمر لطلاب في الصف الثامن والصف الخامس والصف الثالث، يتوجب أن أشارك المجتمع الدولي أن أطفالي الذين يذهبون إلى المدارس الفلسطينية ويدرسون الكتب الوطنية الفلسطينية المقدمة من وزارة التربية والتعليم الفلسطيني، لا يتلقون التعليم الوطني النوعي بالشكل والقيمة الذي أود أن يستوعبوه!
الحياة تحت الاحتلال هي اكبر درس عملي يدرسونه بالتطبيق والممارسة، إلا أن الكتب باعتقادي لا تعكس عمق سياسات العنصرية والاضطهاد والحرمان من الحقوق بفعل الاحتلال.
لا يهدف المقال بأي شكل من الأشكال للترويج لأهمية الدعم الأوروبي، فحق الشعب الفلسطيني في بناء وسرد روايته الوطنية والتاريخية أكبر وأغلى من كل المساعدات المالية، أما أزمة السلطه فلن تنتهي بمجرد عودة هذه الأموال، لا بد من إعادة لتقييم الوضع حتى نتخلص من التبعية سواء لإسرائيل وأموال المقاصة التي يتم احتجازها دورياً والضغط من خلالها او التبعية للغرب ما دام بقاء السلطه رهينة للدول المانحة.
القضية الفلسطينية هي قضية حقوق سياسية وانسانية وليس فقط مادية، الحل الاقتصادي او تقليص الصراع او حتى التطبيع وصفقة القرن وتحسين أحوال الشعب الفلسطيني من خلال توفير الحاجات بدلاً من الحقوق هو نهج المدرسة النيوليبرالية التي قد تحسن العلاقات بين الدول المجاورة واسرائيل على المستوى القريب، الا أنها لن تضمن السلام ولا الأمن في المنطقة.
– دلال عريقات: استاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الامريكية.