مندوب الاتحاد الأوروبي في «ماراثون الحرية»

5894Image.jpg
حجم الخط

بقلم غسان زقطان

 

 

تتهيأ سلمى وياسمين ودنيا ويارا، بنات العائلة، كل سنة للمشاركة في ماراثون الحرية في بيت لحم.
الماراثون يشكل بالنسبة للفتيات الأربع، كما لآلاف الأطفال الفلسطينيين، حدثاً احتفالياً سنوياً أضيف إلى روزنامة الأعياد، يتحرك ضمن جدول مدروس يبدأ من شراء التذاكر، والحصول على حقيبة المشارك/ة، واختيار الزي والقياس المناسب الذي يكبر معهن كل سنة، ثم انتظار التاريخ المحدد للتوجه رفقة الكبار صبيحة الانطلاق إلى بيت لحم، الأمر أكثر من مجرد سباق، حدث يجمع بين الإجازة والرحلة والعيد وشيء من المنافسة والتباهي، وهو خبرة تربوية تتراكم في وعي الأطفال حول الحق الشخصي بالحرية والحركة من دون حواجز واحتلال.
فكرة الماراثون ومرجعيته تكمن في أنه مطالبة بحق الفلسطينيين بالحركة، وتذكير يشارك فيه الآلاف من مختلف مناطق فلسطين والمتضامنون الأجانب بأننا نعيش تحت احتلال متوحش وعنصري وأن حقوقنا الأساسية في العيش والعمل والحركة مصادرة. هذه هي فكرة الحدث ورسالته.
في السنتين الأخيرتين لم ينتظم الماراثون بسبب إجراءات الوقاية التي اتبعتها الجهات الصحية في فلسطين، قبل أن ينتظم هذا العام في استعادة أحيطت باحتفاء شعبي وإعلامي، حيث عاد الفلسطينيون وأصدقاؤهم من المتضامنين إلى بيت لحم لمواصلة مطالباتهم بحق الحركة، في نفس اللحظة التي بدأ أبناؤهم وبناتهم في سجون نظام الأبارتهايد الاحتلالي  يتأهبون للشروع في إضراب شامل عن الطعام، قد يكون الأمر مصادفة غير مخطط لها، ولكنها من دون شك شكلت نوعاً من التكامل بين السجن الكبير والحصار والإقامة شبه الجبرية الذي يفرضه الاحتلال على الضفة وغزة، وبين الأسرى  في سجون الاحتلال.
بطريقة ما كلنا أسرى.
مندوب الاتحاد الأوروبي لم يتمكن من فهم هذه الرسالة، رغم أن مهمته الوحيدة هنا هي فهم رسالة مثل هذه الفعاليات، التي يشكل "ماراثون الحرية" إحداها، لم ينتبه "المندوب" الذي يتصرف بعقلية الممول الضيقة، وسط حماسته المفرطة لكل هذه الرسائل، حين حوّل جهد الناس وركض الأطفال والمتسابقين الكبار وإدارة الحدث وإثارة عودته بعد سنتين، إلى فعالية أوروبية للتضامن مع أوكرانيا "ضد الاحتلال الروسي"، وقف وسط الأعلام الأوكرانية في بيت لحم المحتلة غير بعيد عن حواجز جيش الاحتلال واختطف الجهد كاملاً.
الفلسطينيون ومن خبرتهم الطويلة مع الاحتلال وهي خبرة مشهودة، يعرفون معنى اللجوء والتهجير والاحتلال، ويمكن بقليل من المتابعة قياس التضامن الشعبي الفلسطيني مع الشعب الأوكراني، وهو تضامن أصيل وعميق وأخلاقي، رغم أن بعض اللاجئين الأوكران يتحولون إلى مستوطنين في هذه اللحظة، يقف الفلسطينيون إلى جانب الشعب الأوكراني، رغم أن رئيس أوكرانيا زيلينسكي صرح أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة: أن "الضحية الوحيدة هي إسرائيل"، زيلينسكي" الذي سيخاطب الكنيست الإسرائيلي عبر تقنية الفيديو، ليطالب نظام الأبارتهيد الاحتلالي الإسرائيلي بالتدخل لدعم أوكرانيا "ضد الاحتلال الروسي".
ورغم ذلك كان يمكن للمندوب أن يتضامن مع فلسطين إلى جانب تضامنه مع أوكرانيا، كان يمكن أن يستعير علماً فلسطينياً صغيراً يحمله طفل فلسطيني من المشاركين في فئة الكيلومترات الخمسة ويلوح به قليلاً، وقتاً كافياً لالتقاط صورة، ليخفف في الأقل من ثقل النفاق.