تحدث في أوكرانيا منذ ثلاثة أسابيع أزمة مدمرة تجبر الكثير من اليهود ومن يسري عليهم قانون العودة على ترك بيوتهم والهجرة إلى إسرائيل. يُتوقع حسب التقديرات في إسرائيل أن يهاجر 100 ألف شخص من أوكرانيا ومن روسيا إلى إسرائيل في أعقاب الوضع السياسي والاقتصادي في هاتين الدولتين. يجب على إسرائيل الاستعداد لذلك، ويجب على الحكومة أن تدرك بأن قضية المواطنين «الذين ليس لهم دين» أصبحت مهمة أكثر فأكثر كل يوم.
النقاشات التي تجري في الكنيست حول قضايا التهويد هي نقاشات مهمة جدا لمستقبل المجتمع الإسرائيلي، ولا يقل عن ذلك أهمية، مناعة الدولة الاستراتيجية في العقد القادم. في مسودة قانون لوزير الخدمات الدينية، نتان كهانا، كتب أنه «في دولة إسرائيل يعيش الآن تقريبا نصف مليون مواطن والدهم أو جدهم كان يهوديا، لكن حسب الشريعة هم غير يهود. هم جزء منا. حكم كبار حاخامات التوراة من جميع الأجيال بأنه يجب بذل الجهود الكبيرة من اجل «إعادتهم الى وطنهم». إغماض العين وتجاهل هذا الوضع يضر بهوية دولة إسرائيل اليهودية».
في الوقت الحالي، نُشر أن المسؤولين عن التقرير الإحصائي الحكومي يهتمون بكيفية تصنيف نحو نصف مليون مواطن يسمون «آخرين»، أغلبيتهم الساحقة من مهاجري الاتحاد السوفييتي سابقا والذين ذكروا أيضا في وثيقة كهانا. يجدر التأكيد على أن هؤلاء المهاجرين جاؤوا الى البلاد بقوة قانون العودة، الذي تم تعديله بين حين وآخر من اجل شرعنة حق أبناء الجيل الثاني والجيل الثالث لليهود في الاستيطان في البلاد. قاد رؤساء الحكومات في إسرائيل، بدءا من دافيد بن غوريون فصاعدا، نشاطات سرية واسعة ومليئة بالأخطار من اجل إقامة علاقات مع أكبر عدد ممكن من الأشخاص والمجموعات اليهود الذين يوجدون وراء «الستار الحديدي»، الذي كان يفصل بينهم وبين العالم. تحولت المعركة منذ السبعينيات لتكون أيضا مكشوفة ودولية، بمشاركة زعماء دول ومنظمات دولية غير يهودية، من خلال التطلع الى فتح أبواب الكتلة الشرقية، وعلى رأسها روسيا.
في أواخر الثمانينيات حدثت انعطافة وجهد أميركي – اسرائيلي استغل صعود رئيس جديد للاتحاد السوفييتي الى السلطة. سمح ميخائيل غورباتشوف بخروج اليهود من الاتحاد السوفييتي، واشترط رئيس الحكومة اسحق شامير الخروج بأن يُطلب من كل الخارجين «المصنفين كيهود» حسب قانون العودة مع كل تعديلاته، القدوم الى إسرائيل فقط.
كان يجب على شامير مواجهة جهات قوية في الولايات المتحدة، يهودية وغير يهودية، طلبت إعطاء من يخرجون من روسيا حرية الاختيار في الذهاب الى أي مكان يريدونه. شامير انتصر، وبسبب ذلك حظيت إسرائيل باستيعاب مليون مهاجر منذ ذلك الحين وحتى العام 2000. في احد محادثاتي مع شامير بعد انسحابه من الحياة العامة، تحدث عن هذه الفترة في حياته. حسب رأيه، هجرة يهود الاتحاد السوفييتي بهذا العدد الكبير استهدفت ليس فقط السماح باستيعاب العلماء والمهندسين والمثقفين، من بينهم رجال مسرح وموسيقى ممتازون، بل هو اعتبر تدفق المهاجرين الذين وصلوا الى البلاد في بداية الثمانينيات استكمال الكتلة الحرجة المطلوبة من اجل ضمان وجود إسرائيل وازدهارها بشكل نهائي.
إضافة الى إسهام يهود الاتحاد السوفييتي في مجال الأكاديميا، العلوم، التكنولوجيا، الفنون ومجالات الحياة الأخرى، فإنهم خدموا ويخدمون في الجيش الإسرائيلي. هذه الهجرة الجماعية، التي تشمل نصف مليون شخص غير معترف بهم كيهود وأحفادهم الكثيرين، توجد لها معان استراتيجية بعيدة المدى على الصعيد السياسي والأمني. من يرفض يهودية نصف مليون مهاجر فإنه يؤدي الى وضع تصبح فيه الأكثرية اليهودية التي توجد بين النهر والبحر أقلية. المسؤولية عن منع ذلك ملقاة على الكنيست في نقاشاتها المصيرية في الأسابيع القريبة القادمة. تشريع الكنيست يلزم جميع مواطني إسرائيل في جميع المجالات، هذا التشريع يلزم اليهود على اختلاف تياراتهم ويلزم الحاخامات ورجال الدين، وبالتأكيد أيضا الحاخامية الرئيسة التي تستمد الشرعية والصلاحية من الكنيست.
عندما يأتي أعضاء الكنيست لمناقشة هذه المواضيع فمن الجدير بهم الاهتمام بالتغيرات التي بدأت في رئاسة الحاخامية الرئيسة خلال السنين. عند قيام الدولة في 1948 شغل هذه الوظيفة الحاخام اسحق هرتسوغ الاشكنازي، الذي وصل الى البلاد في فترة الانتداب البريطاني بعد أن شغل منصب الحاخام الأول لليهود في ايرلندا، الذي كان واسع الأفق ولديه شهادتا دكتوراة في الرياضيات والأدب، والى جانبه الحاخام الأول، «هريشون لتسيون»، الحاخام بنتسيون مئير حاي عزئيل، وهو فقيه في التوراة ويمتاز في سجاياه. كلاهما كان في منصبه عندما وصلت موجة الهجرة الى إسرائيل مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية والكارثة. واجه هذان الزعيمان الروحانيان وصول مهاجرين كثيرين، معظمهم كانوا دون وثائق شخصية.
مثلهم أيضا من جاء بعدهم، الحاخام الأول اونترمان، الذي هاجر من بريطانيا حيث شغل هناك منصب حاخام مدينة ليفربول وكان من رؤساء الصهيونية الدينية في المملكة، والحاخام الأول اسحق نسيم الذي هاجر الى البلاد من العراق واعتبر ليبراليا جدا من قبل جزء من قيادة الأصوليين. وقد قام بحل تحديات الساعة بهدوء ولطف. ويجدر التذكير بأقوال الحاخام اونترمان المقتبسة في وثيقة الوزير كهانا. «يجب التحذير من أن معالجة المحتاجين للتهويد حسب التوراة يجب أن تكون بلطف وتفهم والنظر الى ما مر عليهم في ضائقتهم الروحية. ويجب، لا سمح الله، أن لا نفوت هذه الفرصة». وقد سار في هذه الطريق أيضا الحاخام شلومو غورين (رئيس الحاخامات الرئيسيين في الجيش الإسرائيلي وفيما بعد الحاخام الرئيسي في إسرائيل)، و»هريشون لتسيون»، الحاخام عوفاديا يوسيف. الأول سيتم ذكره كمن فعل الكثير من اجل تشكيل الحاخامية العسكرية الأولى في بداية طريقها، واظهر الشجاعة في أحكام تاريخية. والثاني اعلن في 1973 عن يهودية يهود أثيوبيا على أساس فتوى للحاخام دافيد بن زمرا، الذي ولد في إسبانيا قبل 500 سنة تقريبا. اهارون براك، عندما كان المستشار القانوني للحكومة أمر بأن يتم تسجيل يهود أثيوبيا على الفور على أنهم يهود حسب قانون العودة في سجل السكان. الحاخام الرئيسي ابراهام شبيرا والحاخام الرئيسي مردخاي الياهو أنهيا هذه الفترة من تاريخ الحاخامية الرئيسة.
التشدد والتطرف في مواضيع الحلال والتهويد، التي عبر عنها الحاخامات الرئيسيون الذين خدموا بعد ذلك تنبع من تزايد تدخل كبار اليهودية الأصولية في تحديد المرشحين للمنصب الرفيع، وهو منصب الحاخام الرئيسي. تحول يهود الاتحاد السوفييتي الى ضحايا لهذه الإجراءات. أنا شخصيا عرفت عن وضعهم عندما قمت بزيارة موسكو في صيف 1956. في حينه كنت سكرتير عام اتحاد الطلبة في إسرائيل وتمت دعوتي لحضور اجتماع تحضيري للاحتفال الدولي للشبيبة الذي كان سيعقد بعد سنة في العاصمة الروسية. في يوم السبت، وصلت وحدي وأنا اعتمر القبعة المنسوجة الى الكنيس الأكبر في المدينة. عندما دخلت شاهدت عددا قليلا من المصلين. ومجرد مجيئي أثار في أوساطهم الخوف الشديد الذي كان ظاهرا عليهم. ورغم أنني كنت ضيفا إلا أن أحدا لم يتقدم نحوي. وبالطبع لم تتم دعوتي الى الصعود الى التوراة كالعادة.
في اليوم التالي، زرت شقة أحدى القريبات التي كانت تعيش وحدها في ظروف قاسية جدا. وقد حدثتني عن قصص إعدام افضل العلماء والممثلين والمثقفين من بين النخبة اليهودية في الاتحاد السوفييتي. لم تحظ هذه الطائفة اليهودية بالحفاظ على أرشيفاتها المجتمعية. «من هذه الناحية، فقدان التوثيق اليهودي جعل وضع يهود الاتحاد السوفييتي يشبه وما زال يشبه وضع من اجتازوا الكارثة في معسكرات الإبادة النازية، غياب التوثيق من مصادر يهودية مجتمعية من اجل المصادقة على يهوديتهم ووضعهم الشخصي. على الأغلب أيضا لم يسمح بتنفيذ وصية الختان لسنوات كثيرة.
خلال سبعين سنة من حياة الأنظمة الشيوعية في وسط أوروبا، وبشكل خاص في روسيا، تضاءلت المؤسسات المجتمعية اليهودية في ظل سياسة السلطات. وضع أرشيفات الوثائق اليهودية تدهور، والكثير منها تم تدميره أو اختفى. عندما جاءت الفرصة للخروج الجماعي من روسيا لم تكن في أيدي المهاجرين أي وثائق تدل على ماضيهم. هذا كان أحد الادعاءات الرئيسة التي طرحها أعضاء الكنيست في جلسات الكنيست. ومن اجل هؤلاء المهاجرين تمت المصادقة على تعديلات على قانون العودة التي أضافت أبناء الجيل الثاني والثالث من أحفاد اليهود كأصحاب حق في الهجرة الى إسرائيل. تسجيل اليهود في سجل السكان يجب أن يعكس تشريع الكنيست هذا. الى جانب الحاجة العامة التي تلزم أخذ هذا في الحسبان، يجب السؤال إذا كانت الحاخامية الرئيسة يمكنها إلغاء تشريع للكنيست وأن تلزم وزارة الداخلية بالعمل حسب قرارها وخلافا للتشريع. بالطبع لا. لأن الكنيست هي السلطة التشريعية العليا والوحيدة في إسرائيل والجميع يخضعون لها ولتشريعاتها.
ستكون النقاشات التي ستجري في الكنيست حول مشروع قانون وزير الخدمات الدينية والقرارات التي ستتخذها الكنيست في أعقابها مصيرية في مجالات استراتيجية كثيرة الأبعاد. ستحسم هذه القرارات إذا كانت الأكثرية اليهودية في إسرائيل ستبقى على حالها، أو، لا سمح الله، هذه الأكثرية ستصبح أقلية بسبب سحب المكانة اليهودية من نصف مليون مهاجر وحفيد، الذين يوجدون تحت العنوان المهين «آخرون»، هم سيحسمون إذا كنا سنكون أكثرية أو أقلية. إذا تم سحب مكانتهم كيهود فهذا سيكون كارثة تؤثر على علاقات إسرائيل مع الجاليات اليهودية في أرجاء العالم وسينهي سياسة الهجرة الصهيونية غير الأصولية. ستكف الوكالة اليهودية والهستدروت الصهيونية العالمية عن الوجود.
يجب على الحاخامية الرئيسة التراجع عن سياستها الحالية والعودة الى تبني نهج كبار رجال الجيل الذين أقاموا حياة دينية رسمية في الأربعين سنة الأولى للدولة. لاحظ احد المراسلين الذي أجرى مقابلة مع الحاخام الرئيس دافيد لاو في مكتبه، أن الصورة المعلقة على حائط الغرفة وعلى كرسيه هي صورة أحد الحاخامات الرئيسيين السابقين، وهو الحاخام هرتسوغ، جد رئيس الدولة الحالي. يجدر بالحاخام الرئيس الحالي أن يسير على نهج هذه الشخصية الفريدة في تهويد المهاجرين وأيضا في أسلوب حديثه. هكذا، فقط هكذا، سيتم تجنب الكارثة وسيتم الحفاظ على الأكثرية اليهودية في إسرائيل.
عن «هآرتس»
