بقلم: حاييم مسغاف
لم أستطب من اللحظة الأولى رحلة نفتالي بينيت إلى موسكو. فمحاولته "للتوسط" بين زعيم روسيا وبين الأوكرانيين بدت لي، في أقصى الأحوال، كمناورة للأغراض المحلية.
أما الآن، وبقدر ما تتواصل مساعي "الوساطة"، فإنني أبدأ بتذكر ذاك البرغوث الذي ركب على ظهر فيل وهمس في أذنه "أنظر كم من الغبار نخلف وراءنا".
لا يوجد برأيي سبيل أكثر رقة في وصف ما يحصل، على ما يبدو، في حوض السمك الذي يبحر فيه بينيت.
ولكن ما يقلقني أكثر بكثير هو سلوك قسم مهم من الجمهور، ذاك الذي يتصرف وكأنه لا يوجد حدث مهدد ينتظرنا خلف الزاوية؛ ما يذكرني، لسبب ما، بالمسافرين على التايتنيك. فقد ارتطمت السفينة بجبل جليدي هائل هدد بإغراقها، ولكن في قاعة الرقص واصل معظم المسافرين حياتهم العادية. هذا التسيب تتحمل مسؤوليته أساسا، القيادة السلطوية بكل مستوياتها. وهذا بارز لعيان الجميع.
يواصل الإيرانيون التعاظم. مخزون صواريخهم يتسع. منظمات الإرهاب تنتظر منذ الآن مئات الملايين التي ستبدأ بالضخ لصناديقها مع رفع العقوبات عن سيدتها؛ أما عندنا فوزير الخارجية يطير في أرجاء العالم كي يبحث عن شرعية داخلية – هكذا أرى ذلك – لإمكانية أن يكون ذات يوم رئيس الوزراء.
ليس هذا وحسب. في الجهاز القضائي يواصلون التصرف وكأن شيئا لم يحصل من حولنا. يخيل أن قرارات المستوى المنتخب تلقى في القمامة في صالح تعزيز منظومة بديلة لا يفرض عليها القانون. فعن رئيس الأركان مثلا منعت إمكانية أن يتصرف مع ضابط فاسد؛ ما يجعل إسرائيل، برأيي، اقل ديمقراطية وأكثر ثيوقراطية. بمعنى أن القانون ليس هو الذي تقرره الأغلبية من خلال ممثليها، بل ذاك الذي تقرره نخبة من كهنة ربانية خفية ما.
يحتمل أن تكون هذه الرؤى الأخروية التي تلاحقني ليس فيها ما هو حقيقي. ويوجد بالتأكيد أيضا غير قليل من الأشخاص الذين يعتقدون بأن السلام يوجد خلف الزاوية؛ فقط إذا ما انسحبنا قليلا وتخلينا عن مزيد من المناطق.
هذا المفهوم لم يكن أبدا صحيحا. لم يكن صحيحا في عهد أوسلو البائسة ولم يكن صحيحا أيضا في العهد الذي انسحب فيه الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان وبعد ذلك من غوش قطيف وشمال السامرة. من تبناه لم يعتذر في أي مرة.
يوجد فقط سبيل واحد للصحوة من كل أوهام السلام. الاعتراف بحقيقة أن دولة إسرائيل محكومة بأن تعيش على حرابها بكثير جدا من السنين وربما إلى الأبد.
هذا هو فكري الحتمي، وكنت أود أن يعترف أيضا من يقف اليوم على رأس الحكومة بحقيقة أنه يجب العمل دون كلل بوقف خطوات من شأنها أن تجلب الفناء علينا جميعا. هذا في أرواحنا.
إن التجول في مطارح بعيدة، في مناطق قتال للآخرين ليس ما ينبغي لقيادة الدولة اليهودية أن تفعله الآن.
أمر الساعة يوجب التصرف بشكل مختلف. والكارثة التي من شأنها أن تجلب المصيبة على الوطن القومي للشعب اليهودي هي تلك التي يجب أن تكون في رأس اهتمام القيادة السلطوية الحالية؛ إذا لم نكن نريد أن نكون جزءا من أسطورة خراب متكررة.
عن "معاريف"