عندما أطلق حسن نصر الله تصريحه النوعي إن اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت قبل حوالي عشرين سنة، لم يكن أحد ليصدقه ، فقد نقلت الاديبة اللبنانية الكبيرة غادة السمان قبل ذلك بحوالي عشرين سنة أخرى، ان الجنوبيين في لبنان ما كانوا ليجرؤوا على اطلاق مفرقعات نارية في اعراسهم لأن اسرائيل سرعان ما تحضر و تقوم بما يلزم . اليوم اصبح الامر مختلفا، والذين لا يصدقوه أقلية قليلة، بمن في ذلك الاسرائيليون أنفسهم . ترى لو كان زعيما عربيا آخر قد قال ما قاله السيد ، هل كان القول سيصدق ؟
امس الاول ، اقتحمت القوات الاسرائيلية مخيم الدهيشة، وكالعادة خرج الشبان والاولاد لمواجهة المقتحمين ، واصيب ثلاثة واعتقل اثنان،احد المصابين فتى يرقد بحالة خطرة بين الموت والحياة لان الرصاصة اصابت كبده ، هو الرفيق البهي الصغير محمد ياسين جبر . في كل مرة يدخل الجيش المخيم من ضمن مئات المرات بمعدل مرة او أكثر اسبوعيا ، يخرج الشبان والاولاد لمواجهته ، يطاردهم ويطاردونه في أزقته ، يحاولون منعه او إعاقته في تنفيذ مهمته ، وواضح انهم اصبحوا يستنزفونه ، إذ ناهيك عن زيادة اعدادهم وتنوع وحداتهم وأسلحتهم التي تطلق قنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي والحي … الخ ، اصبحوا يحضرون معهم كلابا وسلالم و مسعفين . كثيرون انتقدوا هذا الشكل من المقاومة ، والبعض تندر عليها من انها مقاومة “الشبشب والكلوت”، في اشارة الى الاولاد الذين يهبون من نومهم ويخرجون قبل ان يرتدوا ملابسهم ، هو نفسه التندر الذي اطلق على حسن نصر الله من انه “حسن زميرة” و”حسن شحاطة”. وعندما كان يرتقي احد الشهداء،تهب الفصائل لمحاولة احتسابه عليها ، وهي التي تحظر على ابنائها المشاركة في المواجهات .
هذه المواجهات الليلية شبه اليومية يفترض ان تعطي للمقاومة او ما تبقى منها، زخمها ، عدا عن أن الاقتحام بحد ذاته هو تعد سافر وسافل على كل سكان المخيم الكبار والصغار ، اليمين واليسار، وبالتالي هو اعتداء على حرمة المخيم، ناهيك ان التداعي للاشتباك مع المعتدين هو ميثاق شرف مهر بدم شهداء المخيم، الزواهرة و الشاهين والحمامدة والصالحي والمزاهرة والجعافرة وبقية الكوكبة التي ارتقت في الذود عن ليل المخيم والتي تصب في نهر الدفاع عن حياض الوطن كله . وما كان لجبهة العمل الفوز في انتخابات جامعة بيت لحم، لولا ان النهج واحد، وان خطوة نضالية واحدة تساوي “دستة” برامج . انظر الاسرى، الذين بمجرد ان توحدوا انتصروا .
ليس للمقاومة حدود، وليست مقتصرة على شكل واحد، والاساس فيها مظلوميتها، حتى لو كان فردا واحدا، كالاسير الاداري الذي يقاوم بجوعه وامعائه، او جماعة كالأسرى المتعفرين في قيدهم او مؤسسة كالطلبة في جامعتهم، او بلدة كمخيم الدهيشة، او حزب كحزب الله، او دولة كفنزويلا وسوريا وقطاع غزة . وحين نسب الى الرسول العربي قوله: اتق دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب ، اعتقد انه كان يقصد المقاومة . فمن يقاوم الظلم ينتصر حتى لو خسر .