سويسرا والضغط الإسرائيلي: من القدس الى رام الله !

حجم الخط

بقلم: د. دلال صائب عريقات

 

رضخت الحكومة السويسرية بداية هذا العام لمطالب دولة الاحتلال بإغلاق مكاتبها التمثيلية للتعاون الإنمائي في القدس الشرقية، وها هي تباشر للتحضير لنقل مقراتها من القدس الى مدينة رام الله تلبية للضغوط الاسرائيلية خلال العام القادم.
لقد اعترفت سويسرا بإسرائيل عام 1949، بينما لم تعترف بدولة فلسطين التي أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني في نهاية عام 1988. وفي أعقاب عملية السلام، بالرغم من أن سويسرا لم تعترف بفلسطين كدولة على المستوى الثنائي إلا أنها حافظت على علاقات رسمية مع السلطة الفلسطينية، فافتتحت سويسرا مكتب تعاون سويسري في القدس الشرقية عام 1994 وافتتحت مكتبًا تمثيليًا للسلطة الفلسطينية في رام الله عام 2001. اليوم هناك حوالي 105 مواطنين سويسريين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
قامت سويسرا بتاريخ 1 أغسطس 2001 بتحويل مكتب الارتباط السويسري السابق في غزة/الضفة الغربية إلى:
1) مكتب تمثيلي سويسري للسلطة الفلسطينية في رام الله مسؤول عن الشؤون السياسية الثنائية وحقوق الإنسان.
2) مكتب التعاون الإنمائي غزة / الضفة الغربية ومقره في القدس الشرقية. ويعد مكتب الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون في غزة / الضفة الغربية مسؤول عن جميع مشاريع التعاون التنموي والمساعدات الإنسانية الموجهة للسكان الفلسطينيين.
نتناول اليوم موضوع المكتب الثاني والذي يتم العمل على إغلاقه ونقله من القدس الى رام الله تلبية للمطلب الاسرائيلي.

فيما يخص القدس، موقف سويسرا معارض لفرض السيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية (1980) وتعتبره عملاً منفردًا غير مقبول. ولا تؤيد سياسات الأمر الواقع الإسرائيلي في القدس، وتؤيد تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 في الأراضي المحتلة. لقد ساهمت سويسرا منذ بدء عملية السلام بأشكال مختلفة ومنها وضع برنامج إنمائي في عام 1993 لاستكمال جهود المساعدات الإنسانية، وعام 1995 في مونترو، كانت سويسرا “الراعي” للبعد الإنساني لعملية السلام المتعددة الأطراف. ومنذ 1997، تعد سويسرا واحدة من الدول الست المشاركة (مع النرويج وإيطاليا وتركيا والدنمارك والسويد) مندوبين للتواجد الدولي المؤقت ضمن فريق (TIPH) في مدينة الخليل.
كما ساهمت سويسرا في جهود التنمية الإقليمية للمجتمع الدولي في الأراضي الفلسطينية وتساهم سويسرا في ميزانية الأونروا (عاشر أكبر مانح). ونفذت سويسرا العديد من المشاريع في الأراضي المحتلة. بلغت صادرات فلسطين إلى سويسرا 442.24 ألف دولار أمريكي خلال عام 2020. بالمقابل، يبلغ حجم الاستيراد المُصرح به من سويسرا لفلسطين حوالي 100 مليون دولار أما العلاقة التجارية بين سويسرا وإسرائيل فتتعدى ال 6 مليارات.

لا بد من التنويه أن العلاقات الفلسطينية السويسرية كانت تقوم على أسس ومبادىء القانون الدولي التي تحترم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ضمن حدود الرابع من حزيران 1967. كيف لا وجنيڤ هي الحاضنة لمجالس حقوق الانسان وهيئات الامم المتحدة الحافظة للسلام والأمن الدوليين. من الضروري ذِكْر أنه عندما تحدت الولايات المتحدة الامريكية ياسر عرفات عام 1988، كانت سويسرا هي الملاذ، حيث تم اعتبار الراحل ياسر عرفات “شخص غير مرغوب فيه” من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي رفضت حينها منحه تأشيرة دخول للمشاركة في الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك بحجة انتمائه ودعمه لأعمال تتعلق بـ “الارهاب” حسب تعبير وزير الخارجية الأمريكي آنذاك. وفي خطوة استثنائية غير مسبوقة تم نقل أعمال الجمعية العامة من نيويورك الى جنيف حتى تتسنى استضافة ومشاركة ياسر عرفات باسم منظمة التحرير الفلسطينية في سويسرا.
موقف الحكومة السويسرية هذا العام غير مفهوم وغير مُبرر، ومن وجهة نظرهم أن الضغط الاسرائيلي كان كفيلاً بالرضوخ لإغلاق المقر في القدس ونقله لرام الله، خطوة خطيرة ولم يتم الحديث عنها بجدية!
المثير أن المكتب يعمل منذ أكثر من واحد وعشرين عاماً، ومن المُقدر أن الحكومة السويسرية كانت تواجه ضغوطات اسرائيلية مستمرة بإغلاق المكتب وحرمان الموظفين الدبلوماسيين من امتيازات الحصانة والتنقل والتصاريح ورخص السيارات الدبلوماسية، إلا أنه من المثير أن سويسرا استطاعت خلال 21 عاماً مضت من تقديم العمل من القدس، فلماذا بعد كل هذه الأعوام ترضخ حكومة سويسرا لضغط قوة الاحتلال؟
من شأن هذه الحادثة أن تثير التساؤل حول السبب الذي يجعل دولة عُظمى بثقل سويسرا أن ترضخ للمطلب الاسرائيلي بخطوة جدية من شأنها تطبيق عملي للاعتراف بالقدس كعاصمة للاسرائيليين وتهويد المدينة وتفريغها من هويتها الفلسطينية.

على الجانب الفلسطيني، لقد تم الاحتفاء قبل أيام بوفد سويسري رسمي زار فلسطين ضم المديرة العامة لوكالة التنمية السويسرية والسفير المكلف بالسلام وحقوق الانسان في الخارجية السويسرية، كان من المفروض بدلاً من الاستقبال أن يتم استدعاء ممثل سويسرا حسب أسس القانون الدبلوماسي الدولي، كان من المفروض أن نطالب سويسرا بتوضيح موقفها أولاً ثم مطالبتها بالعديد من الاجراءات العملية التي ترتقي لمستوى ثقلها الدولي! كان الأجدر بالمسؤول الفلسطيني أن يطالب سويسرا بإدانة الدولة الوحيدة التي تسجن القاصرين، التي تطبق الاعتقال الاداري، التي تُهجر المواطنين الأصليين، التي تصادر الأرض، التي تتبنى نظام فصل عنصري موثق، التي تحتجز أجساد جثامين الشهداء الأسرى، والتي تحرم المواطنين من أبسط حقوق الإنسان التي تحتضنها جنيف عاصمة الحريات والحقوق الانسانية.
احتراماً للاتفاقيات والمعاهدات ومجالس حقوق الانسان التي تستضيفها سويسرا، كان الأجدى بالمسؤول الفلسطيني أن يطالب سويسرا باحترام التزاماتها القانونية والأخلاقية تجاه الشعب الفلسطيني.
مسألة إغلاق مقرات ومكاتب تمثيلية للفلسطينيين في القدس ليست بمسألة بسيطة، ان أثر الدومينو الذي قد نشهده يعني ان مكاتب الدول ذات السيادة الأخرى الموجودة في القدس قد ترضخ هي الأخرى للضغط الاسرائيلي لتفريغ القدس من كل ما هو فلسطيني.

– دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.