رغم وصولهم للحكم في كل من مصر وتونس، إلا أن حكم الإخوان لم يختبر كثيراً، ذلك أن حكمهم في مصر لم يدم سوى عام واحد فقط، وفي تونس كذلك كان من وراء ستار المنصف المرزوقي، وسرعان ما سقط لصالح رئيس نهضة تونس، ثم بقوا خارج الحكم بعد فوز قيس سعيد، الذي لم ينافسه الإخوان صراحة، لكن حكم الإخوان اختُبر جيداً وبدرجة كافية في فلسطين، ولعل حكمهم لقطاع غزة، الذي يكاد يتطابق مع حكم طالبان في أفغانستان، يعتبر نموذجاً للدراسة والحكم عليهم وكشف حقيقة شعاراتهم التي ظلت مجرد شعارات منذ تأسيس حركتهم قبل قرن من الزمان.
موقف «حماس» إزاء واحدة فقط من الممارسات الديمقراطية، ونقصد بها بالتحديد، الانتخابات العامة، يكشف جوهرها الذي لا يعرف الديمقراطية، من حيث هي ممارسة عامة الناس للحكم، ناهيك بالطبع عما تمارسه من انتهاكات لا حصر لها لحقوق الإنسان، في مختلف المجالات والأوجه، كذلك ما تفرضه من شكل يكاد يكون كاريكاتورياً للقضاء، فضلاً عن بث ونشر ثقافة التزمت، وعدم الإقرار بالاختلاف من حيث المبدأ، لا في الموقف السياسي، ولا فيما يخص الاختلاف الثقافي وبالطبع التطير إزاء الاجتهاد العقيدي.
......
ومنذ ظهور السلطة الفلسطينية، وبالطبع قبل ذلك كان شق «حماس» لطريق خاص، موازٍ للكل الوطني في قيادة انتفاضة 1987، تأكدت مواقف «حماس» إزاء العمل الجبهوي، أو الجماعي الوطني، كذلك مواقفها إزاء إجراء الانتخابات العامة، على أنها تختار دائماً الموقف الانتهازي، وأن موقفها تجاه العملية الديمقراطية إنما هو سياسي الطابع والمنطلق، وليس له لا علاقة بالأخلاق ولا بالإقرار بحقوق الشعب في اختيار من يحكمه.
ففي عام 1996، قاطعت حركة حماس أول انتخابات رئاسية وتشريعية جرت معاً، بعد ظهور السلطة الوطنية، لكنها بعد عشرة أعوام شاركت بكل قوتها وثقلها في انتخابات المجلس التشريعي الثانية، رغم أنها قبلها بعام واحد قاطعت الانتخابات الرئاسية، وذلك على الرغم من أن انتخابات العام 96، وانتخابات الرئاسة عام 2005، والتشريعي 2006 كلها جرت على أساس اتفاقيات أوسلو، وبما يؤدي الى تشكيل حكومة السلطة التي ظهرت بعد وعلى أثر تلك الاتفاقيات.
«حماس» تشارك إذاً حين تكون متأكدة من فوزها، فهي إما أن تهيمن على الحكم، وإما أن تعارضه من خارجه، بل تقاتله، ولا تعرف طريقها للشراكة، والدليل القاطع كان فشلها في التوافق كحكومة وأغلبية برلمانية مع الرئيس، حيث فضلت أن تنفرد بحكم قطاع غزة، عبر طريق الدم، باللجوء للانقلاب العسكري، على الشراكة مع الرئيس و»فتح» في حكم كل الوطن الفلسطيني، الممتد من جنين الى رفح مروراً بالقدس.
وتشارك «حماس» لمرة واحدة، هي المرة التي تصل فيها للحكم، ثم تقطع الحبل، أو تحطم السلم الذي صعد بها، خشية أن يصعد بغيرها، ومن يراجع مسيرة الحوار الداخلي لإنهاء الانقسام، يخرج بالنتيجة الحتمية التي مفادها أنها فشلت طوال خمسة عشر عاماً، لأن «فتح» طالبت خلالها باللجوء للانتخابات، اي اللجوء للشعب لفض الخلاف حول البرامج، حيث كانت مواقف «حماس» دائماً لا تقر بالمبدأ الذي هو حق شعبي، وتسعى لعقد الصفقة السياسية، التي تمكنها من مقايضة حكمها لغزة من خلال الاحتفاظ بحكم لوجستي لغزة، مع منح الشراكة حكماً شكلياً عليها، مقابل مزاحمة فتح على حكم الضفة و (م ت ف) وفي التفاصيل ترتيب كل الوزارات والسفارات بينهما!
وهي ما زالت ترفض المشاركة في الانتخابات المحلية بشكل رسمي، بل والأنكى أنها منعتها أكثر من مرة من التحقق في مجالس قطاع غزة المحلية، حيث تقوم بتعيين بلدياتها بقرارات حزبية، بل وتمنع إجراء أي انتخابات قطاعية أو نقابية.
ورغم مناشدات معظم القوى الوطنية وشرائح المجتمع الواسعة، بعد المرحلة الأولى من انتخابات المجالس المحلية التي جرت العام الماضي في المجالس المحلية بالضفة، بما يسمح بأن يشمل العرس الوطني/الشعبي الأهل في قطاع غزة، إلا أنها أصرت على إخراج القطاع من الحالة التي توحد الوطن الفلسطيني، بما يؤكد خيارها بالانفصال، لكنها بنفس الوقت، شاركت دون إعلان صريح في العديد من القوائم التي تقدمت للتنافس على مقاعد المجالس المحلية بالضفة، وقد كانت دعوة القيادي في «حماس» حسين أبو كويك عشية المرحلة الثانية من الانتخابات المحلية للناخبين باختيار من وصفهم بمحاربي الفساد ومن يخدمون البلاد والعباد دليلاً ساطعاً، على مشاركة «حماس» من تحت الطاولة.
ومن المؤكد بأن «حماس» تهرب من المشاركة الصريحة، خشية فضح قوتها الميدانية، فرغم مقاطعتها الرسمية، تجاوزت نسبة المشاركة النصف، ووصلت الى أكثر من 53%، ويقيناً لو أنها شاركت لوصلت النسبة الى 60 أو 70%، لكن فوز معظم القوائم الفتحاوية ونسبة المشاركة تؤكد بأن جماهيرية «فتح» في الضفة أكبر من جماهيرية «حماس»، وبالطبع لو جرت الانتخابات المحلية في قطاع غزة، لكان حظ «حماس» أسوأ من حيث هي حزب حاكم لا بد أن يجد الجمهور، عبر صناديق الاقتراع طريقه في التعبير عن غضبه على سوء إدارتها وعلى قسوة حكمها.
وانتخابات المجالس المحلية مؤشر على مزاج الجمهور، وعلى ما يمكن أن تكون عليه الانتخابات التشريعية في حال حدوثها، وكل هذا يؤكد بأن «حماس» ستظل ترفض إجراء الانتخابات، وستظل تقف حجر عثرة في طريق اللجوء للانتخابات العامة كوسيلة لإنهاء الانقسام، وكتنفيذ لحق واستحقاق شعبي ووطني.
هذه هي «حماس»، وهذه هي قصتها، وتلك مشكلة الكل الوطني الفلسطيني معها، وكلما ظلت تسير على هذا الطريق ستظل هي نفسها خاضعة لحاملي البنادق، ومالكي الأموال، وستظل حساباتها سياسية، لا تتقاطع مع الكل الوطني، ولا مع حقوق الناس، وستبقى حجر عثرة على طريق الحرية وحتى التحرر، ذلك أن تجارب أهل الجوار والعديد من دول وشعوب العالم، أكدت بأن الأنظمة والحكومات التي لا تستند للإرادة الشعبية تفشل في مواجهة العدو الخارجي، وأن اللعب على تعارضات المؤثرات الإقليمية، لا يجعل من الذات الوطنية سوى بيدق في لعبة الشطرنج السياسية الإقليمية، وهذا يعني بأن الكفاح الوطني من أجل التحرر، لا بد أن يتقاطع مع الكفاح من أجل الديمقراطية التي تضع القرار السياسي وحتى العسكري لإرادة الشعب وليس الأفراد، سواء كانوا أشخاصاً أو أحزاباً، أو حتى كيانات.