انتهى لقاء النقب الذي ضم وزراء خارجية كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والمغرب والإمارات والبحرين بدعوة من وزير خارجية إسرائيل يائير لابيد، بالإعلان عن تشكيل منتدى دائم يسمى «منتدى النقب»، من المقرر أن ينعقد سنوياً. وقد ناقش اللقاء عدة مسائل أبرزها عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران والتوجه لإزالة «الحرس الثوري» عن قائمة «الإرهاب». وموضوع أمن الطاقة وتغير المناخ. ولكن أبرز المخرجات كان الاتفاق على تشكيل تحالف أمني بين الدول المشاركة يضمن التنسيق وتبادل المعلومات لمواجهة «الخطر» الإيراني بما في ذلك مخاطر المسيّرات والصواريخ وامتلاك القدرات النووية. وفي هذا السياق يقول لابيد إن تعميق التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة ودول عربية سيرهب ويردع إيران.
ولم يكن الموضوع الفلسطيني حاضراً إلا بكلمات مجاملة كالتي قالها بعض وزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن، والتي أكدت على أهمية التوصل إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس مبدأ حل الدولتين. ولكن التركيز كان على ضمان الهدوء على الجبهة الفلسطينية- الإسرائيلية خاصة في شهر رمضان المقبل، وضرورة تقديم مساعدات للفلسطينيين للوصول إلى الهدوء.
يعتقد البعض أن هذا اللقاء هو احتجاج ضد الإدارة الأميركية التي تريد العودة للاتفاق النووي ورفع «الحرس الثوري «عن قائمة «الإرهاب» الأميركية. مع العلم أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تعارض الاتفاق النووي مع إيران كما كانت حكومة بنيامين نتنياهو السابقة. وحسب لابيد «هناك خلاف حول البرنامج النووي ونتائجه» مع واشنطن، ومع ذلك يوجد بين الطرفين «حوار منفتح وصريح». والواقع يقول إن مواقف إسرائيل والعرب ليست متجانسة في هذا الملف. وبعض الدول العربية تريد حواراً مع إيران، بل أن هناك محاولات للضغط على إيران لتعديل سياساتها تجاه الدول العربية قد بدأت من خلال استقبال دولة الإمارات للرئيس السوري حافظ الأسد. أما إسرائيل فهي تطمح للقضاء على القدرات الإيرانية ويمكنها أن تذهب حتى مستوى الحرب التي هي غير واردة لدى العرب. وربما يتفق الجميع على ضرورة إبقاء «الحرس الثوري» الإيراني على قائمة «الإرهاب». وأهمية استمرار الضغط على إيران لتغيير سلوكها.
ويبدو أن السبب الجوهري للقاء هو رغبة إسرائيل في التسيد وقيادة الإقليم في ظل اندفاع الولايات المتحدة للانسحاب من المنطقة وترك فراغ فيها بعد الاتفاق مع إيران. وترى الحكومة الإسرائيلية أن هذا هو الزمن المناسب لفعل ذلك بحجة أن إسرائيل هي الدولة الأقوى ولديها القدرات والامكانيات التي يمكن أن تساعد من خلالها حلفاءها وتبدد مخاوفهم. وهي تزرع الوهم بأنها هي الأقدر على مواجهة إيران، مع العلم أنها تتحاشى الاصطدام مع إيران وحلفائها في المنطقة على الرغم من ضجيج التصريحات والتهديدات التي تطلقها المؤسسة الإسرائيلية ليل نهار، كما أظهرت إسرائيل فشلاً في التصدي للمسيّرات الإيرانية التي انطلقت من لبنان، كما لم تنجح تماماً مع صواريخ غزة التي لا تتميز بأنها صواريخ دقيقة.
وربما سارعت إسرائيل لهذا اللقاء لتمنع التقاء المصالح العربية المفترض بعد اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي ستنعكس على النظام الدولي، وستحدث تغييراً فيه يتطلب أن يتوحد العرب كتلة واحدة ويحافظوا على مصالحها في إطار التشكيل الجديد للنظام الدولي ما بعد الحرب، وخاصة على مستوى المصالح الاقتصادية. فمثل هذا اللقاء يُدخل دولاً عربية في أحلاف إقليمية غير مقبولة على عدد كبير من الدول العربية، بل وتحول دون حدوث توافق عربي- عربي على المستوى الاستراتيجي والمطلوب جداً في هذه المرحلة.
لقاء النقب سيساهم في استبعاد اي امكانية لبحث ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وستبني إسرائيل على نجاحها في جمع عدد من الدول العربية في حلف معها بأنها ليست بحاجة لإحداث أي تقدم أو اختراق مع الفلسطينيين لكي تصبح مقبولة ومندمجة في الإقليم. أي أنها الآن تندمج بدون ثمن، بل هي تقبض الأثمان من العرب وتبيعهم أوهاماً وأكاذيب تبددها المواجهات اليومية مع الفلسطينيين التي تثبت أن إسرائيل لا تزال عاجزة عن وقف نضال الشعب الفلسطيني والانتصار عليه وتحطيم قدرته على الصمود والمواجهة متعددة الأوجه.
حضور أميركا للقاء كان بمثابة ديكور، فالهدف كان التحالف الإقليمي الذي تلعب فيه إسرائيل دور أميركا السابق وتستبدلها كدولة مهيمنة وقائدة، ولكن المباركة الأميركية مطلوبة، مع أن قسماً من الدول المشاركة لم يقبل الانصياع للموقف الأميركي في الوقوف ضد روسيا في الحرب مع أوكرانيا. وربما حصول إسرائيل على الزعامة يريح أميركا المنكفئة والتي تركز على عدوين كبيرين وخطرين؛ هما الصين وروسيا.