برشلونة وثمن "الالتزام" السياسي؟

291998-barca-fans
حجم الخط

بدا الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عازماً على معاقبة برشلونة الإسباني لمخالفته قواعد إبعاد السياسة عن الرياضة، وذلك بعدما رفض الاستئناف الذي تقدّم به الأخير من أجل إلغاء العقوبة المفروضة عليه نتيجة رفع علم الاستقلال الكاتالوني في مدرّجاته.

"أعلم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم برشلونة والاتحاد الإسباني لكرة القدم بقراره رفض الاستنئاف الذي تقدم به النادي من أجل رفع العقوبة المفروضة عليه بسبب الأناشيد والإعلام الاستقلالية التي رفعت في كامب نو"، هذا ما قاله برشلونة في بيانه اليوم الأربعاء، مضيفا: "وكما كان متوقعاً، قرّر برشلونة اللجوء مباشرة إلى الاستئناف أمام محكمة التحكيم الرياضي".

وعاقب الاتحاد الأوروبي برشلونة بدفع مبلغ 40 ألف يورو بسبب الإعلام الاستقلالية التي رفعت في مدرجاته خلال مباراته مع باير ليفركوزن الألماني (2-1) في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي في الدور الأول من مسابقة دوري أبطال أوروبا.

وسبق للاتحاد القاري أن عاقب برشلونة بمبلغ 30 ألف يورو للسبب عينه بعدما رفع جمهوره هذه الأعلام في نهائي دوري أبطال أوروبا ضد يوفنتوس الإيطالي (3-1) على الملعب الأولمبي في برلين في السادس من حزيران/يونيو الماضي.

وتقضي قوانين الاتحاد الأوروبي بالمعاقبة الاقتصادية وحتى الوصول إلى إقفال جزء من مدرجات النادي الذي يخالف مبدأ "منع استخدام الشعائر.  منع التصرفات أو الأغاني التي لا تدخل في إطار الحدث الرياضي، خصوصاً الرسائل التي تحمل طبيعة سياسية، عقائدية، دينية، مهينة واستفزازية".

ومعروف عن برشلونة، المرتبط بالقوميين الكاتالونيين الذين يطالبون بالاستقلال عن مدريد، أنّه لطالما ساند مظاهرات مشجّعيه باسم "حرية التعبير".

ويعتبر نادي برشلونة "الجيش الرمزي" لكتالونيا التي تبنى برلمانها في تشرين الثاني/نوفمبر قراراً غير مسبوق يعلن بداية الانفصال عن إسبانيا وأطلق عملية تهدف إلى إقامة جمهورية مستقلة لكاتالونيا في 2017 على أبعد حد.

وحاول برشلونة، المتوج الموسم الماضي بثلاثية الدوري والكأس المحليين ودوري أبطال أوروبا، أن ينأى بنفسه عن حملة الانتخابات الإقليمية التي كانت بمثابة استفتاء لفائدة أو ضد الاستقلال، لكنّ هذه الخطوة لن تجنّب الـ"بلاوغرانا" الذيول السياسية لهذه الانتخابات.

"إذا استقلت كتالونيا، فلن يعد بإمكان برشلونة المشاركة في الدوري الإسباني لكرة القدم"، هذا ما حذّر منه رئيس رابطة الدوري خافيير تيباس قبيل الانتخابات الإقليمية، مشيراً إلى أن الأندية الكتالونية ستحرم من المشاركة في البطولات الإسبانية في حال حصل القوميون على مبتغاهم بالاستقلال.

ويشكّل هذا الأمر معضلة بالنسبة للقسم "الاستقلالي" الكبير من جمهور النادي الكتالوني الذي تعجّ به مدرجات "كامب نو" والذي يصرخ كلمة "انديباندانثيا" أكثر من اسم نجم الفريق الدولي الأرجنتيني ليونيل ميسي.

وقد دفع برشلونة ثمن تصرفات جمهوره "الاستقلالي" الذي يرفع دائماً العلم الأصفر والأحمر والأزرق، خلال نهائي مسابقة كأس ملك إسبانيا الموسم الماضي إذ غرّم بمبلغ 66 ألف يورو بسبب صافرات الاستهجان بحق النشيد الوطني الذي عزف قبل انطلاق المباراة ضد أتلتيك بيلباو، القادم من دوره من إقليم الباسك الذي لطالما طالب بدوره باستقلاله عن مدريد.

صحيح أنّ القاعدة الجماهيرية لنادي برشلونة ممتدة إلى كافة أنحاء العالم، لكنّ ذلك لا ينفي عنه بأنه أحد الرموز الأساسية للقوميين الكتالونيين ويعرفه الكاتب والمحرر مانويل فاسكيز مونتالبان بأنه "القوات الرمزية وغير المسلحة لكتالونيا" خصوصاً خلال فترة حكم الدكتاتور فرانكو (1939-1975)  الذي قمع الكاتالونية والقومية.

"النادي كان جزيرة الحرية: كان بالإمكان تكلم الكاتالونية في العلن دون خطر، وكان بإمكانك أيضاً أن تسمع الأغاني بالكتالونية"، هذا ما يقوله المؤرخ كارليس سانتاكانا، مشيراً إلى أنّ النادي طالب منذ 1918  بالحكم الذاتي في كتالونيا.
                  
رهينة إيديولوجية

لقد تضاءل الدور السياسي لبرشلونة في أواخر حكم فرانكو لكنه عاد وتعزز مع الرئيس السابق للنادي جوان لابورتا (2003-2010)  وذلك بالترافق مع ازدياد شعبية الحركة الاستقلالية في المقاطعة.

قرّر النادي في عام 2014 الانضمام إلى المطالبين بإجراء استفتاء على الاستقلال، سامحاً في أكثر من مناسبة بإقامة تجمعات استقلالية في ملعبه كما حمل على قمصانه منذ عامين علم كتالونيا وهناك أيضاً في ملعبه يافطة كتب عليها "كاتالونيا ليست إسبانيا".

"أصبح النادي رهينة إيديولوجية. لقد سمح للاستقلاليين بالدخول إلى مكاتبه"، هذا ما تأسف عليه رامون ميرافيتياس، الصحفي والكاتب ومؤلف كتاب "الوظيفة السياسية لبرشلونة".

وأضاف "لكنّ جزءاً كبيراً من مشجعيه لا يريدون الاستقلال ويشعر الآن بالضياع والعجز".

لقد تسللت السياسة أيضاً إلى غرفة ملابس "بلاوغرانا"، حيث أنّ لاعبين مثل تشافي هرنانديز الذي انتقل إلى السد القطري، وجيرارد بيكيه طالبوا علناً بتنظيم استفتاء من أجل تقرير المصير الذي سيكون غامضاً جداً بالنسبة للـ"بلاوغرانا" في حال حصل الاستقلاليون على رغبتهم التي تصطدم برفض تام من مدريد حيث ألغت المحكمة الدستورية في أوائل الشهر الحالي قرار البرلمان الكتالوني بإطلاق عملية الاستقلال.

غير أنّ حكومة كتالونيا تؤكد بأنّ "قرار القضاء لا يوقف المفاعيل السياسية للقرار، وبالتالي فإنّ مضمون الإعلان الذي أقرّه برلمان كتالونيا بالغالبية المطلقة في 9 تشرين الثاني/نوفمبر ثابت ولا يتغير".